0

  لحسن الجيت – ريحانة برس 

إنهم الفقهاء العارفون بالدين، هكذا يسوقون أنفسهم وهكذا يريدون أن يكونوا أوصياء على الأمة. أغلبهم يقولون ما لا يفعلون. يحثون الناس في دعواتهم العلنية على التمسك بمبادئ الشرع وقيمه ويرتكبون ما وراء الجدران من الكبائر ما يمكن أن يتبرأ منه إبليس.

 

من منا نحن المغاربة ما لم يسمع “فقيها” في حي أو “دوار” يقفز على نساء ببسطاتهن ويعيث فيهن فسادا لأنه شيخ موثوق به وعليه علامات الوقار يرتل القرآن ويرفع الآدان، وفي بيت الله يقضي وتره بالسجود لغير الله في عملية شيطانية باتت معروفة عند العامة بالرقية الشرعية. أليست هذه عملية استدراج إلى علاقات رضائية باسم الدين ؟

وكذلك تجار الدين من السياسيين يفعلون. الواعظون منهم وهم الدجالون بدلا من الرقية يستعينون بالتقية. يعارضون أي إصلاح مجتمعي بالإبقاء على الموبقات والأعطاب التي تنخر مختلف مناحي الحياة العامة. يحاولون عبثا تأطير الدهماء في مواجهة مؤسسات الدولة وهو أخطر ما يمكن أن تنطوي عليه تقيتهم المكشوفة التي لم تعد تنطلي على أحد. ولعل نرجسية السيد عبدالإله بنكيران وخرجاته الإعلامية هي التي تضعه في مصاف المشوشين على الإصلاحات التي لا تجانب الصواب لا في الشرع ولا في الحقوق المدنية تحت رعاية إمارة المؤمنين.

ونتوجه للسيد عبدالإله بنكيران الحامل لمشعل النفاق أن الدين لا يقبل القسمة على اثنين حلال على فئة وحرام على فئة أخرى، ولا ينبغي لهذا الدين أن يجزأ أو التعامل معه بالتقسيط أو المزايدة بحسب ما تمليه الظروف أو المصالح السياسوية. فلا شعبوية ولا ابتزاز في الدين. لا يستطيع المواطن المغربي أن يستوعب تلك الانتقائية التي يمارسها زعيم حزب العدالة والتنمية في الحقل الديني وعلاقته بالسياسة.

بدون شك أن السيد عبدلإله بنكيران يعتبر أن الخمر حرام وشاربه وبائعه وجالس أهله حرام، كل ذلك صحيح من منظور هذا الرجل، لكنه حينما مارس السلطة كرئيس للحكومة اعترف بعظمة لسانه أن عائدات هذا المنتوج المحرم أذر على ميزانية الدولة ما لم يذره أي منتوج حلال. فما الذي منع هذا الرجل الواعظ من إغلاق الحانات وكيف سمح له إيمانه أن يضخ تلك الإيرادات ليشغلها في قطاعات تخص القوت اليومي للمغاربة. فاستخدام الحرام في الحلال لا يختلف عن أثر الرشوة في تآكل مال حلال. وبهذا يكون السيد بنكيران قد خالف الشرع وأجرم في حق المغاربة بعد أن أطعم بطونهم بالحرام.

وطوال عشر سنوات من حكم حزب العدالة والتنمية، وبعد أن استأنس بالسلطة وبحلاوتها، نسي أو لم يجرأ أن يغير من واقع في المشهد السياسي الذي يتناقض مع الشريعة الإسلامية. والحالات على تعددها وكثرتها نكتفي بأن ننشط ذاكرة السيد عبدالإله بنكيران أنه، وإن كان مومنا، لم يمنع المرأة من أن تخالط الرجل وتتقاسم معه الخلوة في مكتب واحد يجمعهما بسبب ظروف العمل. فهذا حرام بحسب قناعته بالشرع. كما لم يمنع المرأة من أن تكون قاضية تصدر أحكاما على الرجال. وهذا يناقض، في رأيه، ما ورد في صحيح البخاري لا يفلح قوم ولوا أمرهم إلى امرأة. بل أكثر من ذلك كان حزب العدالة والتنمية يناقض نفسه بخصوص هذه المبادئ بعد أن رشح سيدات إلى مناصب وزارية وأخرى برلمانية وقام بتوطينهن في إدارات عمومية تحسبا لرحيله عن السلطة.فأين هو الدين لذي يومن به؟

وبخصوص العلاقات الرضائية التي أزبد وأرغد فيها السيد عبد الإله بنكيران في معركة كسر العظام جمعته مع وزير العدل السيد عبد الطيف وهبي. هذا القيادي لم يدخر جهدا في إدانة وشجب هذه العلاقات التي يعج بها المجتمع المغربي واعتبار ذلك مخالفا للشريعة الإسلامية ولا يمكن السماح بها لأنها تخالف مبادئ ديننا الحنيف. وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع السيد عبدالإله بنكيران، نؤكد له أن الظاهرة حتى ولو تمت إدانتها فهي لا يمكن أن تلغى كظاهرة مستفحلة في المجتمع المغربي. وحينما يعارضها السيد بنكيران لا يقدم حلا بديلا ولا يمكن تنزيله ولا ملاحقة طرفي العلاقة من ذكر وأنثى ما لم تقدم شكاية بالاغتصاب أو التحرش. فالعلاقة الرضائية هي تعبير عن توافق إرادتين بشكل شخصي وفي مكان غير عمومي لا يخل بالنظام العام.

إذا كان السيد عبد الإله بنكيران هذا هو موقفه كما يدعي في خطبه وخرجاته الإعلامية للمزايدة والابتزاز، فإنه من جهة أخرى يبلع لسانه تجاه بعض القياديين من حزبه بعد أن ضبطوا في حالات مشينة وفضائح من الفساد والزنى. وقد نستعرض لبعض الحالات على سبيل المثال لا الحصر. كتلك الفضيحة التي ضبط فيها قيادي وعضو في الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية مع زميلة له في نفس الجناح وهو يمارس الجنس معها في سيارته الخاصة. كلاهما معروف بالوعظ والإرشاد وتربية النفوس على ما أحل الله وعلى ما حرم. بل أكثر من ذلك حاول السيد بنكيران أن يجد لهما مبررا لشرعنة ذلك الزنى على اعتبار أنهما كانت لديهما نية الزواج، والإبقاء على عضويتهما في الجناح الدعوي للحزب.

وليست هذه الفضيحة هي الأولى من نوعها التي سكت عنها السيد عبد الإله بنكيران. ففي عام 2012 توسط أحد القياديين البارزين في حزب العدالة والتنمية في صفقة زواج عرفي، وهو ما يعني عفوا على مسامعكم “تقواديت” لفائدة الإعلامي المصري أحمد منصور من سيدة في نفس الحزب لتناضل مع هذا الإعلامي لمدة أسبوع في فندق “سوفيتيل” بالرباط.

واليوم يقدم السيد عبدالإله بنكيران مرة أخرى أنه الواقف المدافع على شرع الله بعد أن أحس بالفشل في الاعتداد بوصاياه من طرف الهيئة المشرفة على مراجعة مدونة الاسرة. وفد اتجهت نية الرجل إلى أن يذهب إلى أبعد من ذلك حينما هدد الدولة بإخراج المغاربة في مسيرة مليونية وتحريك الشارع لفرض ما يراه ضروريا للمغاربة وهو اعتماد الشريعة الإسلامية في مدونة الأسرة.

وإن كان السيد بنكيران صادقا في دفاعه المعلن عن شرع الله لما كان موقفه متخاذلا في بعض الفضائح الجنسية التي شوهت أتباعه في الحزب أمام الرأي العام المغربي، ولما سلك ما يعرف بالكيل بمكيالين. والواقع أن خرجته اليوم تعكس سباقه مع الزمن فيما ينتظره من تحديات والتي يختزلها بتوجس مما يراه مزاحمة قوية له من طرف غريم قد يدخل المشهد السياسي والمتمثل في الإشارات القوية التي أرسلتها جماعة العدل والإحسان بخصوص مدى استعدادها لكي تتحول إلى حزب يخشى حزب العدالة والتنمية تداعيات اعتراف الدولة به.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.