0

ريحانة برس- محمد عبيد

يفسر بعض المختصين إجتماعيا أن الجريمة تعتبر ظاهرة اجتماعية وخلقية وسياسية واقتصادية قبل أن تكون حالة قانونية.

وانطلاقاً من هذا المفهوم نرى أنها عبارة عن تعبير للموازنة بين صراع القيم الإجتماعية والضغوط المختلفة من قبل المجتمع….

فالإجرام نتيجة لحالة الصراع بين الفرد والمجتمع.

ولقد كان مفهوم الجريمة قديماً يعزى إلى نفس المجرم الشريرة، وأن الانتقام هو الأساس في رد فعل السلوك الإجرامي..

تعد الجريمة من وجهة نظر الإجتماعيين تعد سلوكاً مغايرا للأعراف الإجتماعية المتعارف عليها في المجتمع…

والأعراف الاجتماعية عبارة عن ضغوط وضوابط تقيد سلوك الفرد…

فالجريمة هنا بمفهومها العام هي الأفعال تضر الفرد والمجتمع معا… لذلك تصدى المجتمع لها فسن القوانين الجنائية وحددت العقوبات للمخالفين، وكذلك وضع عقوبات اجتماعية للمخالفين لأعرافها وقيمها المتعارف عليها واوجب إضرامها والامتثال إليها.

أما من الناحية القانونية فهي كل فعل مخالف لأحكام قانون العقوبات باعتباره هو الذي يتضمن الأفعال المحرمة، ويحدد مقدار عقوبتها…

ولما كانت الجريمة بطبيعتها عملا ضارا بالمجتمع لذا شرعت الهيئة الإجتماعية عقابا على مرتكبيها.

وللعوامل الإجتماعية علاقة وثيقة في ارتكاب وحدوث الجريمة،،، حيث تتمثل في مجموعة الظروف التي تحيط بشخص معين تميزه عن غيره، فيخرج منها تبعا لذلك سائر الظروف العامة التي تحيط بهذا الشخص وغيره من سواء الناس والظروف الإجتماعية..

هنا تقتصر مجموعة من العلاقات التي تنشأ بين الشخص وبين فئات معينة من الناس يختلط بهم اختلاطا وثيقا وترتبط حياته بحياتهم لفترة طويلة من الزمن… وهؤلاء هم أفراد أسرته ومجتمعه ومدرسته والأصحاب والأصدقاء الذين يختارهم…

وقد دلت التجارب قديما وحديثا على أن تكون سلوك الفرد يتأثر إلى حد بعيد بسلوك من حوله وبالأخص المقربين إليه.

ولما كانت الجريمة سلوكا يدينه القانون فإن أقدم الفرد عليه أو إحجامه عنه مردود في جانب كبير منه إلى طبيعة الظروف الإجتماعية التي تميز مجتمعه الصغير عن غيره من المجتمعات سواه.

هذا من حيث النظرية الإجتماعية، وإن كان أن ظهرت على إثرها، فإنه عندما تتراجع الثقافة إلى الصف الأخير، وتعطى الحرية للأمية والجهل، ويجلس في الصف الأول أصحاب الجبهات العريضة والأفواه المترعة والادعاءات الفارغة، ويقود السفينة أناس همهم الربح المادي الشخصي فقط…   

ويجلس على كراسي المسؤولية الثقافية أناس يتوهمون أنهم الأفضل في كل العصور والأزمنة..

وأناس يرون الفن والثقافة في عدد الجماهير التي تضع وشما وتحلق بشكل غريب وتدخن الماريخوانا والشيشة.

عندما يتوارى الشعر والمسرح والرواية والقصة والفنون التشكيلية والموسيقى وباقي الأجناس الأدبية والفنية، وتُفرغ من أهدافها السامية ليقدمها أناس تافهون في المنصات واللقاءات والمهرجانات و…..

عندما….. عندما لا يبقى هناك أي معنى للثقافة ويصبح كل شيء رهن الاتجار والمتاجرة والأقلام والريشات والكاميرات للتأجير، وتمنح شواهد الدكتوراه للمقربين والطوائف عبر المنصات الصالونات المغلقة…

وعندما يستقيل المثقف، وبدل الأشغال الشاقة والعدالة الفاعلة تمنح التكوينات والشواهد والتريبورتورات باسم حقوق الإنسان، ويصبح الردع أداة الاستثناء.

وعندما يصبح بعض الناس هم المتحكمون في الشارع بدل القانون وسلطة الدولة.

عندما… وعندما…. ماذا تنتظر؟….. طبعا كل ذلك ينتج الجريمة، وفقط…. الجريمة.

نعم هكذا صار تطور الجريمة، حيث استفحلت الظاهرة بكل من فاس ومكناس، يكفي الإشارة إلى الجريمتين المسجلتين بمكناس ما بعد عيد الفطر واللتين أثارتا قلق الساكنة الإسماعيلية… إذ أن الأولى الواقعة في حي برج مولاي عمر، أودت بحياة شاب عشريني يوم الاثنين 15 أبريل 2024، والجريمة الثانية التي اهتز لها حي ابني امحمد في الليلة الموالية (الثلاثاء من نفس الشهر)، والتي لا تقل بشاعة من سابقتها حين راح ضحيتها كذلك شاب في مقتبل العمر… والسبب مماثل نقاش وخلاف وتبادل عراك لفظي.

وقد لا يمكن حصر ما وقع في فاس كذلك من جريمة (التشرميل) خلال الأشهر الأخيرة من هذه السنة الجارية 2024؟!!..

وكما هو الحال في كل الظواهر الإجتماعية، تبقى مكناس ومعها فاس نموذجا من حيث تتعدد الطروحات حول أصل ظاهرة العنف والجريمة، إلا أن أغلبية التغيرات النظرية لهذه الظاهرة تلح على عوامل الأزمة الاجتماعية الاقتصادية القائمة، وعلى قصور وفساد السياسات الحكومية الرسمية والتي تخضع لها السياسات المحلية وما قادت إليه من انهيارات وتوترات اجتماعية/نفسية عنيفة، بسبب التفاوت الفاحش في مستوى الدخل ومستوى العيش والاستهلاك بين الأفراد والجماعات… وبسبب التهميش المستمر لفئات متزايدة من الطبقات والشرائح… وبسبب المخططات السياسية والاقتصادية الفاشلة.

فمن الطبيعي جدا، أن يكون التدهور الإجتماعي والاقتصادي والسياسي، الذي تتحاشى الحكومات المتعاقبة، الحديث عنه، أو تفسيره، أو تحليله أو معالجته، أن يكون دافعا للفئات والشرائح المظلومة واليائسة، لتفريغ غضبها ويأسها ونقمتها على المجتمع من خلال تغذية سوق الجريمة… ومن خلال تطوير صناعتها.

وهذا ما يقلق عموم ناس فاس ومكناس نظير انعدام الإحساس به تعكس التصور الذي يكوّنه زائرو العاصمتين العلمية والإسماعيلية عنهما… مادام المدينتان تعدان قطبي جهة فاس مكناس ككل وكل يوم تستيقظان على حدث إجرامي مثير إن إجتماعيا أو هكذا أو سياسيا (يكفي أن يستذكر المتتبعون والمهتمون للشؤون المحلية بما انتشر من قضايا معروضة على المجلس الجهوي للحسابات فاس مكناس، وأخرى هي ملفات مطروحة للتداول أمام محكمة جرائم الأموال بفاس بتهم تورط عدد من المنتخبين وبعض المسؤولين في الاختلاس وتبدير المال العام! والتلاعب بالصفقات العمومية!؟!…وووو)… مع الأسف!

وإن كانت الجريمة أساسا ظاهرة إجتماعية وخلقية وسياسية واقتصادية قبل أن تكون حالة قانونية، فإنها وانطلاقاً من هذا المفهوم يمكن القول بأنها عبارة عن تعبير للموازنة بين صراع القيم الإجتماعية والضغوط المختلفة من قبل المجتمع.

فالإجرام داخل المجتمع جاء نتيجة لحالة الصراع بين الفرد والمجتمع، وبالتالي أدى استفحال الأوضاع الإجتماعية أساسا إلى انتشار ظاهرة جرائم القتل البشعة ولأسباب تافهة وكذلك السرقة والاتجار في المخدرات…

وصار تسويقها ونزول عشرات البلاغات الأمنية في موضوع محاربة الجريمة وإيقاف عشرات المشبوه بهم يوميا في قضايا الجريمة بشتى أنواعها يتصدر مواضيع أخبارنا اليومية.

ألم أقل لكم: “عندما… وعندما…                                          …ماذا تنتظر؟!

طبعا كل ذلك ينتج الجريمة!..

وفقط… “الجريمة”!… وكيف يتم تغذية “سوق الجريمة”؟!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.