تحقيق… القنابل الموقوتة بالأحياء الشعبية بمكناس في ظل تنامي البطالة وتفشي الجريمة

0

ريحانة برس – محمد عبيد

يسجل المتتبعون للشؤون المحلية والإقليمية بأن النمو الحضري المتسارع في مدينة مكناس قد أدى إلى مشكلات اقتصادية واجتماعية وصحية وأمنية وغيرها، فظهرت المناطق العشوائية التي تفتقر للخدمات الضرورية مثل الكهرباء ومياه الشرب النقية وشبكات الصرف الصحي والعناية ببنيوتها فضلا عن معوقات او فرص الشغل… كما ارتفعت معدلات الجريمة وتدهورت صحة البيئة في المساكن العشوائية ودور الصفيح، مما جعل تنظيماتها الهيكلية ومؤسساتها الخدمية غير قادرة على تحقيق احتياجات السكان، وصارت تشكل عبئاً ثقيلاً على الإمكانيات والموارد المخصصة لمراكزها وأحيائها… كما أنها صارت تشكل معوقاً للتنمية، وبؤر للمشاكل الاجتماعية والصحية والأمنية.

فلقد اصبحت بعض الأحياء الشعبية بمكناس وخاصة منها العشوائية مناطق مغلقة، تصعب السيطرة عليها من قبل الاجهزة الأمنية.

إذ لا تستفيد هذه الأحياء الشعبية او الهامشية بمثل ما يعد للأحياء المثالية التي تنعم بمختلف أنواع الخدمات التي تطمح إليها، بل هي أحياء مغبونة مزروعة في بعض مناطق مدينة مكناس، وقد اكتظت بمختلف أنواع العمالة الوافدة والسائبة والمخالفة لأنظمة العمل والإقامة فيها، حيث أصبحت أوكارا وبؤرا لتفريخ الجريمة بجميع أشكالها، لدرجة أن الكثيرين باتوا يخشون الدخول إليها ليلا أو الخروج من منازلهم، فضلا عن العشوائية التي تعم هذه الأحياء، مما جعل من الصعوبة بمكان دخول سيارات الخدمات إليها لضيق شوارعها وأزقتها.

ورغم الجهود التي تبذلها الجهات المعنية لإعادة تأهيل هذه الأحياء العشوائية، ومدها بكل أنواع الخدمات، تظل هذه الأحياء مصدر خطر كبيرا على السكان، وهو ما يدعو إلى التعجيل بتنفيذ الخطط والبرامج التي أعدت لتخطيطها وإعادة تأهيلها، أو إزالتها نهائيا إذا لزم الأمر.

ويسجل المتتبعون بأن في مكناس تعيش عدد من الأسر ببعض الأحياء الشعبية المعروفة بالمناطق الساخنة ك (سيدي بابا، وجه عروس، برج مولاي عمر، عين الشبيك، حي البساتين “عين السلوكي”، باب بردعين، بني امحمد السباتة تواركة الزيتون، سيدي عمر، باب القاري، تولال، القصبة وإگدال، بريمة المدينة القديمة فضلا عن منطقة ويسلان المحيطة بها عدد من دور القصدير والبراريك او ما بها من حي مشهور باسم لاكاديم………) حالة من الخوف بسبب استفحال ظواهر الجرائم والاعتداءات والسرقة وذالك بطريقة غير مسبوقة بالمدينة.

وأشارت بعض الشهادات من السكان إلى تغلغل الجريمة بمجتمع مكناس، متحدث عن وثيرة الاعتداءات المرفوقة بالسلاح الأبيض على عدد من المواطنين والمواطنات وخاصة الشابات والنساء، واحيانا تتم هذه الاعتداءات في وسط النهار…

كما أفادتنا بعض الأمهات إلى أنهن بتن خائفات من هذا الوضع الانفلاتي المزري لأنهن يتوقعن اقتحام بيوتهن من قبل المجرمين او الصعاليگ في أي وقت بهدف السرقة واختطاف بناتهن لأجل الاغتصاب والاعتداء الجنسي.

وللإشارة فإن الأوضاع النفسية لهذه الأسر مضطربة مما يجعل الآباء يغلقون أبواب منازلهم ليلا ونهارا ويصطحبون أبناءهم إلى المدرسة.

وأفاد مصدر أمني بمدينة مكناس أن إدارة الأمن الوطني قامت بتغيرات جديدة، مبرزا أن الشرطة بهذه المدينة تعمل وفق خطة حديثة وحازمة لمواجهة الجريمة بمختلف أحياء المدينة للتخفيف من نسبة الجريمة ومكافحتها في هذه الأحياء المذكورة.

ويضيف قائلا:”من بين الأهداف التي سطرتها الشرطة بمكناس تأمين تغطية النقط والأماكن السوداء من خلال إطلاق عمليات واسعة النطاق، واستهداف الأشخاص المبحوث عنهم، ووضع خريطة دقيقة للجريمة على مستوى كل دائرة امنية، وكذا خطة فعالة لمكافحة الظواهر الداعمة لارتكاب الأعمال الإجرامية”.

وهنا افتح قوسا (..) للإشارة بأن موقع “ريحانة برس” عاين “وبالصدفة” تدخلا أمنيا على مستوى الدائرة الأمنية الرابعة بحي برج مولاي عمر بمكناس ما بعد عصر يوم الاربعاء 4ماي 2022 حيث تدخلت عناصر من الشرطة القضائية، ومن خلال فرقة الأمن الاجتماعي ومكافحة الجريمة لإيقاف أحد الأشخاص بسبب إثارته لفوضى داخل السويقة واقتادته إلى مركزها، مما خلف ارتياحا لدى المواطنات والمواطنين الذين وصفوا التدخل بالعمل المحمود الذي من شأنه أن يساهم في نشر الطمأنينة والسِّلْم الاجتماعي ـ في حدّ ذاته ـ ويصبّ في الحفاظ على الأمن ومكافحة الجريمة وضمان السلامة وبناء الثقة بين الشرطة والمجتمع.

وبالرغم من مثل هذه التدخلات ووسط استفحال الجريمة، تطالب ساكنة العاصمة الإسماعيلية خاصة القاطنين منهم بالأحياء الشعبية بتشديد الدوريات الأمنية بهذه الأحياء التي تسجل وقائع يومية من الجرائم، والفوضى وإثارة الشغب، فيما يرى البعض الآخر أن المقاربة الأمنية غير كافية، خاصة في ظل انتشار البطالة والانقطاع عن الدراسة بالإضافة إلى غياب مراكز للإستماع وإعادة ادماج الفئات الهشة الفاقدة لبوصلتها في الحياة .

وفي هذا السياق، أجرى موقعنا “ريحانة برس” اتصالا مباشرا بمجموعة من الأفراد قصد أخذ آرائهم حول وضعية ظاهرة الجريمة بمكناس ومدى فعالية الخطة الأمنية الحديثة في ضبط الجريمة وكبحها، إذ قال لنا شاب (ادريس 23 سنة): “الخطة الأمنية تم وضعها في الحاجة إلى مزيد الفعالية”، معللا كلامه باستفحال قطاع الطرق في مختلف الأحياء خاصة منها الشعبية وتنامي جرائم السرقة والاعتداءات بشتى أنواعها..

ويرى ادريس أن الحل الأنسب لتطويق الجريمة هو انتشار رجال الأمن بكثافة واستمرارهم في القيام بالحملات من أجل بسط أيديهم على المجرمين والتعامل معهم بصرامة وقساوة وإخضاعهم في السجون لحصص من الأعمال الشاقة لكي يكونوا عبرة لغيرهم، وعدم تمتيعهم بالعفو الملكي في المناسبات الوطنية والدينية لأنهم لا يستحقون العفو بقدر ما يستحقون أقسى العقوبات.

عبد الواحد صديق ادريس والبالغ عمره 27 سنة، من جهته، يؤكد أن العفو الذي يستفيد منه قطاع الطرق يحفزهم على اقتراف المزيد من الاعتداءات الإجرامية عوض ردعهم، مشيرا إلى أن العديد من المعفى عنهم وحيث يعودون إلى الحياة الطبيعية دون أن يجدوا ما يُمَكِّنُهم من العيش في غياب العمل والاندماج الاجتماعي، ما أن يخرجوا من السجن حتى يتم إلقاء القبض عليهم في ذات اليوم بسبب عودتهم الهستيرية لحضن الجريمة واعتراض سبيل الغير قصد سلبهم ما بحوزتهم.

مواطن آخر (عبد الصمد 35 سنة) يقول: “الحل هو خلق فرص شغل التي من شأنها أن تقلل من الجريمة خاصة وأن غالبية المجرمين يلجأون إلى عالم الإجرام تحت ضغط الحاجة والفقر.”.

ويختصر التدخلات المواطن بنعيسى (33 سنة)، وهو من سكان حي البرج الشعبي، المرارة التي يعيشها وآلاف الشباب في واحد من أشهر الأحياء الشعبية المكناسية، بالتوضيح بأن هذه الأحياء الشعبية أصبحت وقودا للاحتجاجات، بخاصة في السنوات الأخيرة، إذ في هذه الأحياء، تظهر ملامح الغضب من سلطة تترفع عن الالتفات إلى هذه المناطق، وتراها مجرد عناوين للبؤس والإجرام، من دون أن تحاول الاقتراب منها أو الوقوف على حقيقة المعاناة التي يعيشها هؤلاء، الذين يرون أنفسهم هدفاً يقصده السياسيون خلال مواسم الانتخابات حصرياً…بعدما كانوا يشترون ودنا لقيمتنا الانتخابية نصبح في نظرهم مجرمين ومنحرفين وغيرها من النعوت ونُجَرُّ جماعياً إلى السجون لمجرد أننا انتفضنا”، يقول بنعيسى.

ويستنتج من مجمل هذه الملاحظات هو أنه منذ بداية الستينات، بدأت تنتشر الأحياء الشعبية في مدينة مكناس وتتقاسم جميعها الأوضاع الاجتماعية الصعبة ذاتها، من فقر وبطالة وتفشٍ للعنف والجريمة، فضلاً عن الفوضى العمرانية والكثافة السكانية الكبيرة. وتضم هذه الأحياء فئات اجتماعية متنوعة ومختلفة، أغلبها من النازحين من المناطق القروية الذين أتوا بحثاً عن مورد رزق لم يجدوه في قُراهم المنسية.

وتصادف في فضاءات جغرافية يُقصد بها الآلاف من البيوت والمساكن العشوائية التي تحيط بهوامش المدينة، لم يشفع لها لتنال حظها من الرعاية والاهتمام حتى أضحت هذه الفضاءات (الأحياء الشعبية والهامشية) قنابل موقوتة تهدد الأمن والاستقرار الاجتماعيين بإفرازها لثالوث مرعب يتمثل في: الفقر والإجرام واحيانا التطرف الديني.

إذ ان أكثر ما تعانيه هذه المناطق الشعبية هو الفقر والحرمان الاجتماعي للسكان الذين لا يستفيدون من أية خدمات اجتماعية أو ثقافية أو ترفيهية، باعتبار أن “همهم الأساس هو لقمة عيش تطفئ جوعهم ومأوى يستر عورتهم”.

هي خلاصة شكاوي عدد من المواطنين في العديد من الأحياء الفقيرة المحيطة بالمدينة حيث تكثر حوادث النشل والسرقة والانحراف السلوكي بشتى أنواعه، من إدمان ومتاجرة بالمخدرات على مختلف أصنافها، وترويج للخمور، وبيع للأجساد، ودعارة، وعمالة الأطفال.

تنامي الجريمة بمجتمعنا (مجتمع مكناس نموذجا)، يقول أحد الفاعلين الجمعويين: “يعطي الانطباع على أن الجهات المكلفة بمحاربة الجريمة تفتقد لتجارب في هذا المجال ربما بسبب قلة المعاهد المتخصصة في علم الإجرام أو بسبب افتقار المنظومة التربوية والتعليمية لكفايات ومناهج تربوية وتعليمية فعالة، علاوة على ابتذال المنظومة الإعلامية وعدم قيامها بواجبها فيما يخص التحسيس والتوعية، بل الأنكى من ذلك هو قيام الاعلام السمعي البصري –عن قصد أو غير قصد- بالتحريض على العنف وتغذية الجريمة عبر برامج تلفزية سخيفة وعبر بثها مسلسلاتها كلها لا تليق بتربية أطفالنا وشبابنا.”..

ويضيف المتحدث:”الملفت للنظر حاليا هو تصاعد الجريمة بالعاصمة الاسماعلية وأضحى هذا الأمر معلقا خاصة مع تنوع أفعال الجريمة وبشاعته… هذا في الوقت الذي تعاني فيه العديد من المحاور الطرقية والنقط الجغرافية بمدينة مكناس من العديد من جرائم السرقة والاعتداءات بالسلاح الأبيض وسلب المواطنين ما بحوزتهم من هواتف ونقود وسوار ذهبية، مما يؤكد أن العاصمة الإسماعيلية تئن تحت وطأة الانفلات الأمني في العديد من أحيائها ونقطها”.

هذا وقد اجمعت فعاليات مدنية مهتمة بالأمن الاجتماعي بالقول وبأملها على “أن يعم الأمن والطمأنينة لدى ساكنة مكناس من خلال تظافر الجهود من قبل كل الفاعلين وتنسيقها لأجل محاصرة الجريمة وتطويقها بوسائل ردعية بالموازاة مع تبني مقاربات تربوية واجتماعية واقتصادية والعمل على تفعيلها.”.

ولعل المخارج الموضوعية التي يمكن أن تنتشر في هذه الأحياء الشعبية التي تعاني الهشاشة الاجتماعية والتي تضم أكبر كثافة سكانية، وتضم أيضا في طياتها الكثير من المشاكل والمعاناة والضحايا، نتيجة الإهمال والتقصير والاستغلال السياسي، هو العمل بكل جدية على خلق فرص للتشغيل، وإعادة النظر في وضعية الإنارة العمومية التي تتميز بأضواء خافتة جدا، تساعد في تنامي ظاهرة «الكريساج»، ومتهالكة بالأحياء الشعبية…

ويظل السطر الأخير والخلاص للشباب الغاضب أو العاطل من واقعهم، تتحمله الدوائر والجهات المسؤولة بمكناس في غياب مشاريع تنموية ومخططات فعلية للنهوض بتلك الأحياء، وتحسين فرص العيش فيها… فضلا عن عدم تدخلها بشكل صريح ومسؤول لضمان حقوق العاملات والعاملين في معامل تهضم حقوقهم وتتفرج على بؤسهم ومحنهم رغم احتجاجاتهم واعتصاماتهم (نموذجا عاملات مصنع سيكوميك مكناس اللواتي منذ اشهر بحت اصواتهن للمطالبة بحقوقهن في العمل حيث أصبحت مهددات بالتشريد).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.