الحركة الإسلامية بين سؤال الهوية ورهانات المستقبل التيار السلفي بين تجديد الكينونة ومساهمة التغيير

0

إن التيار السلفي اليوم كمكون أساسي من مكونات الحركة الإسلامية جاء نتيجة تراكمات فكرية وتجارب عملية علمية هدفها صيانة الحركة الإسلامية واستمراريتها سواء

إن التيار السلفي اليوم كمكون أساسي من مكونات الحركة الإسلامية جاء نتيجة تراكمات فكرية وتجارب عملية علمية هدفها صيانة الحركة الإسلامية واستمراريتها سواء على المنحنى الاجتماعي أو الفكري أو السياسي وذلك من خلال تقرير مبدأ المقاصد ونبد الوصاية أو القدسية والجمود والحشو وإعلان القطيعة مع الماضي من خلال التعريف بميلاد فكر متجدد يؤمن بالتعددية الفكرية والسياسية تحت مبدأ وسقف الحوار الفكري المنفتح الذي يراعي الهوية ويحترم الاختلاف والتنوع وكذا سيرا على تقلبات السياسة الشرعية وخلق توازن من خلال فهم كل عمل إسلامي، ووجوب العمل على التنسيق من اجل مصلحة الأمة في شموليتها وكذا عدم احتكار العمل الدعوي أو الجمعوي أو السياسي عند فريق بحيث يصبح ينظر إلى الأخر على انه على ظلال وانحراف وكذلك وضع الآليات والسبل الكفيلة لإنهاء القطيعة مع مؤسسات الدولة وثوابتها من خلال التنسيق معها لخلق التوازن المطلوب الذي يروم مصلحة البلاد والعباد ونبذ الاحتقان الذي يولد التنافر والعنف والارتقاء بالمجتمع للمستوى المنشود من خلال تخليق الحياة السياسية وإيجاد البدائل الريادية من البرامج والرجال  والاعتماد على الثابت نمن الدين وفتح مجال الاجتهاد في خصوصية البيئات والظروف لما يستلزم قراءة موحدة للقضايا الاجتهادية فالاختلاف التنوعي بين العاملين للحركة الإسلامية كان ضرورة للإصلاح الخلدوني لان النص في تجديد الوعي السلفي اليوم، مهما كان مقدسا، فقد حملته لغة جرى على سمتها في تبليغ أحكامه وبيان مقاصده، وهو اعتبار جعل النص الديني قابلا للتعدد في المعنى والانفتاح في الدلالة والحمولة المقصدية أما الجمود واصطراع المنهجيات المستندة إلى مواجهات في الفهم التفسير، وهذا ما يشير إليه الماوردي بقوله – كلام كل كتاب، وإخبار كل نبي، لا تخلوا من احتمال تأويلات مختلفة، لان ذلك موجود في الكلام ينفس طباعه، ولا بد في الدين من وقوع الحوادث التي تحتاج إلى النظر فيها والنوازل التي لا تستعدي العلماء على استخراجها.

إن الاختلاف التنوعي يكتسب مشروعيته من انفلات المعرفة الإنسانية من صرامة البداهة واندراجها في دائرة الممكن والمحتمل، وهذا يدفعنا للكشف بجلاء عن الحرية الفكرية التي كانت تنعم بها العقول السلفية عندما أمكن القول، واعترف بالأخر، وصلح حال الأمة، وهبت ريح العلماء، وكسدت أسواق الجهل، وقامت أسواق البيان والعلم، فالتيار السلفي اليوم في طريقه مع تجديد كينونته وضع تصورات عملية تمثل الواقع الكائن وتصورات نظرية تمثل الواقع المأمول وكذا التركيز على حيوية المفهوم الجماعي الذي كان حاضرا بقوة في الممارسة التراثية السلفية بدون جمود يحول دون الاجتهاد في استيعاب الجديد من وسائل العصر، واعتبار المنهج السلفي ذا قيمة أساسية في التجديد الفكري والسياسي لنعيش زمان بغير الزمان الذي عاش فيه سلفنا، يثبت فيه الثابت ويتغير فيه المتغير وذلك بغية إحداث تجانس وتقارب فكري ومنهجي بين جميع مكونات الحركة الإسلامية من جهة، وبين المكونات الفاعلة في الحقل السياسي والفكري في المجتمع من جهة أخرى، ينتج عملا يصب أخر جدوله في صالح دعوة الإسلام وخيرات البلاد.

إن الحركة الإسلامية اليوم مطالبة برد الاعتبار لكل أبناءها ودعاتها ومفكريها حيث نجد أن الحركة الإسلامية اليوم تكرس الحديث عن بعض رجالاتها وقادتها معتقدة أن ذكرهم يحيل على الدعوة ويكبر التنظيم في أعين الناس، وهي تؤسس للمشيخة بصناعة رجال بأوصاف أكبر حجمهم الطبيعي، ومن ثم الانخداع برموز قد لا تمتلك الكفاءة والتصورات والآليات اللازمة.

إن تصرفات الحركة الإسلامية اليوم يحيلنا على البحث عن الزعيم الملهم أو البطل المخلص، نتيجة ثقافة الهزيمة والتخلف، ويقال أن تاريخ إنجازات ومكاسب الحركة الإسلامية عبارة عن تفاعل ايجابي بين قمة تتجسد في القادة وقاعدة تتجسد في التباع،. هذه فكرة صحيحة نظريا، لكن على مستوى الواقع نجد تحكم المركز والمحيطين به في مركزية القرار، واحتكار كل إمكانيات الأطراف المهمشة جغرافيا وتنظيميا، فالحركة الإسلامية لا ترتكز على التفاعل والإبداع التنظيمي القاعدي في أبهى صوره، أي في الكسب المشترك الناجم عن علاقة تأثر وتأثير وإفادة واستفادة، لأن المشيخة التنظيمية تمطط الأقزام فيصبحون عمالقة.

إن الحركة الإسلامية اليوم عموما والتيار السلفي خصوصا ينبغي لها ويراد لها أن تكون مؤسسة تمحوا الذاتية وتكرس ثقافة الحوار والمصلحة العامة والتحدي والإبداع والتجاوز أمام سدنة التنظيمات المادية والدوغمائية، لا سيما الوصوليين الذين يفتعلون الورع والتقوى وفهمهم بقاء الحال على ما هو عليه ويتوهمون أن غيابهم عن الساحة الفكرية والسياسية مدعاة لتعطل عجلة الإصلاح فيرسخ في مخيال القواعد العامية من أبناء الشغب أن زوالهم خسارة ووجودهم ضرورة، وبهذا التصور اللاتاريخي الذي لا يستحضر تجارب الحركات التغيرية والمتمحورة على كاريزما القائد الواحد أو مجموعة ذات سيكولوجيات متقاربة تمسك بجميع الخيوط، كيف ينتهي بها الحال بعدما تفقد التأثير وتنتهي أفكارها، التي كانت تلهب الحماسة وهي التي جعلت الحركة الإسلامية تدور في مكانها مثل المروحة.

إن العادات السلبية والمتخلفة التي كرستها حالة التخشب والجمود الذي أصاب هذه النخب تجاوزا هو الذي أوصل إلى ما نحن عليه الآن، وذالك من موقع عقل جمعي مقاد باللاوعي والعواطف، والمحكوم بوجهة نظر تقليدية صرفة.

ما زلنا نرى الانسدادات والانحدارات الفكرية تتوالى، لا سيما مع حصول تماس مع الواقع، انكشف بجلاء مع ولوج بعض أبناء الحركة والأطياف الإسلامية الحقل السياسي، وتولدت أسئلة عديدة مست كل الجوانب المعرفية التي شكلت القاعدة الصلبة لبناء الحركة الإسلامية.

كما تم طرح سؤال حول ماهية سبل التغيير، وبدا من خلال الممارسة السياسية والمواقف والمبادئ التي ذهبت أدراج الرياح في جملة من القضايا المستجدة التي لم تحدد أجوبة لها سلفا، وأن تقاد من لدن لنقل تجاوزها الظرف التاريخي الفكري، وأضحت اللغة المسيطرة والمتحكمة في مواقفها هي العاطف والأوهام بنت اللاوعي هذه الأخيرة التي تقود وتحرك الجماهير على تعبير غوستاف لوبون، لم تستطيع الحركة الإسلامية اليوم إنتاج نخب قادرة على التفسير والتفكير شانها شان بقية الحركات الإسلامية الأخرى داخل العالم العربي أو الحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية، وحتى ما أفرزته واعتبرته “الميديا” التنظيمية نخبا إسلامية لا تعدوا أن تكون استنساخا لكيانات مكررة وأفكارا جامدة بلا حراك، وأجندة لا تستطيع التطبيع مع الواقع، وتفتقد للجرأة وجدة الطرح، ولم تتعايش مع الواقع الاجتماعي وأحيانا القفز عليه، ولم تجب على ما هيتها، فأعادت تكرار سلبيات زمن البداية وأنتجت خطابات محكومة بآراء الغير، وأكثر من ذاك ساهمت في ثقافة الاطمئنان الموهوم وإشاعته في الأوساط التنظيمية، ولقد حاولت بعد القيادات تجديد أنماط الأنشطة الدعوية والتربوية، وتغيير الأساليب والأدوات وأضفت على خطابها بعضالألوان العصرية لتكييف مع رياح الحداثة العاتية لكن ما زلت دار لقمان على حالها لغياب النفس العام والروح التي تواكب حركة العالم المتسارعة في شتى الميادين، وكذا عدم إيجاد أجوبة رهينة بالمستقبل عن ماهية الهوية وتحديد آليات الكينونة، وهي هنا لا بد أن نفتح باب النقد الجاد ومحاسبة الذات ووضع اليد على مكامن الخلل وإيجاد أجوبة دقيقة وشافية حول: ماذا نريد ومن نحن وما هي سبل ما نريد؟

وبما أن النقد والمراجعة سنة قرآنية ونبوية، فهذا أكبر دليل على أن ممارسته ليس عنصر قوة لها، كما لم يعد مبررا الانكفاء على تراث السلف والاحتماء خلف ثقافة الفقه في عصر العولمة والثورة المعلوماتية التي أفرزت لحظات تاريخية راهنة تحتاج إلى قراءة صحيحة وفهم قويم، فلن نحلم بتحقيق حداثة إسلامية إنسانية مستنيرة ومنفتحة على آفاق الفكر الإنساني العام، فالحكمة ضالة المؤمن ولن تحلق أجيالنا حرة إلى آفاق المعرفة وقضايا الأمة الإنسانية ورهاناتها دون الجواب على سؤال الماهية، وان وظيفة الحركة الإسلامية اليوم تدفعنا للتساؤل عن علاقتها بالفرد الإنسان وبالإنسان المجتمع، وهل تمتلك هذه الحركة اليوم معرفة جديدة بالإنسان المعاصر والمجتمع والطبيعة، وان الحركة الإسلامية اليوم مطالبة بإلحاح التقارب والاجتماع، لان ذلك فريضة شرعية قد نص عليها الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وأن الاختلاف في الخط والمنهج هو خلل في التربية وليس قدرا مفروضا علينا وإنما هو اجتهاد بشرى تحكمه خبرات الواقع وزوايا النظر إلى الأحداث وأولويات التصور عند كل طرف، وبدالك تصقل الملكات وتوضح المشكلات ونتقدم خطوة إلى الأمام، لا بد للتيار السلفي اليوم من التنازل عن بعض خصوصياته للمصلحة الإسلامية العليا ة الاعتراف بان العمل على الاتفاق فريضة من فرائض الدين لتحقيق مفهوم الأمة الواحدة، والرجوع إلى الأصول وعدم الجدل في الفروع، والانطلاق من نقاط الاتفاق لا نقاط الاختلاف والمقاصد لا الوسائل، وكذا اختصار المسافة بين المصيب وخطا المخطئ وتقليص نقاط التباين مع تصحيح القصد، والإيجاد بأن لا مجال إلى توسيع المعارف والمدارك والقدرات غير الحوار الفكري الجاد وتطهير القلوب من الحزبية والحسد والانا الذاتية، وذلك من خلال بوتقة فكرية واحدة ومنهج عمل واحد في إطار التنسيق والتكامل والنقاش في زوايا تحديات الواقع التي تجابه المسلمين، وكذا تحقيق الاستقلال الثاني استقلال الإرادة والقرار وقضايا التنمية ومواجهة الاجتياح الامبريالي الظلم تحت العصابة العالمية لمحاربة المشروع الإسلامي ودفن طاقات نخبوية متنورة، وجعلها خطة استراتيجية لتلتقي عليها كل فصائل العالم الإسلامي وأدبياته وكذا العمل على فهم خصوصية إقليمية كل عمل إسلامي ضمن دائرته وجعل الولاء للإمام الواحد وهو رسول الأمة محمد صلى الله عليه وسلم وترسيخ مفاهيم القيادة الجماعية والتي نعني بها مؤسسة وتخصصات تقاسم أدوار عن طريق المنهجية في الأداء القيادي الجماعي وفك الحصار عن العقل الذي فرضه الافتتان بالمشيخة ووصاية التيار وإعمال العقل وإخصاب الرأي والمشاركة في صوابيه المصيب، حتى يكون البناء بدل الهدم والجمع بدل الشتات والأخذ بعين الاعتبار دراسة معطيات البيئة الداخلية من حيث القوة والضعف وإنهاء القطيعة الموجودة بين الحركة الإسلامية والمؤسسات الحكومية التي هي ملك الشعب وليست للأنظمة، وترتيب البيت لتحقيق الهدف المنشود مع مراعاة الخصوصيات الموضوعية لكل طرف حفاظا على تصفية الأجواء وبناء إطار الشقة، بدل غياب الاهتمام بالفرد الذي يكون أمام قلة فرص التكوين الذاتي، فرص القراءة والاطلاع والتأمل والتكوين.

لا نظن أن التيار السلفي بإمكانه تلبية ذاك اليوم، وهكذا تغيب فريضة من الفرائض الأساسية، فريضة التفكير لدى أبناء الحركة الإسلامية، ويتجلى ذالك حين يسود تداول مفاهيم مثل، التنفيذ والعمل والحركة، وتغيب مفاهيم من قبيل: التفكير العلمي، والتنظير والنقد باعتبارها بوصلة العمل، ولأن الجانب المعرفي يسبق الجانب العلمي والفكر متقدم على العمل والعلم، وكما قال تعالى: “فلما جاءت قيل هكذا عرشك قالت كأنه هو، وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين”.

وحتى إن سلمنا بوجود تربية فكرية، فإنها غير مواكبة لتطور المجتمع السريع، لأن الفكر عموما في حالة صيرورة مستمرة، فلابد من الاستجابة إلى التحولات الهائلة في الحياة البشرية، وظهور أسئلة وشبهات مختلفة فلهذا نجد داخل الحركة الإسلامية يوجه عام أنها لم تبرا بعد فكريا من أمراض العبودية للمألوف، وأصبح كل تغيير للمألوف يمثل تهديدا لسلامة الدين والمجتمع وهذا ما يفسر تعطل الحاسة النقدية وانتفاء النقد المعرفي المسؤول وصار النقد داخل مكونات الحركة الإسلامية مجرد شعار دون محتوى وتقييم يوظف إما لامتصاص غصب بعض المشاغبين الفكريين أو للمزايدة على الآخرين ليس إلا أو التلميع صورة التيار أو الفصيل.

ولكن حقيقة الأمر أن التيار السلفي بوجه خاص وربما الحركة الإسلامية عموما غير مؤهلة سيكولوجيا ولا عندها استعدادا لتقبل نتائج النقد الذاتي الحقيقي وتبعاته لكونه لم تسبقه مركبة معرفية وفكرية فالأزمة التي يعاني منها جواب الماهية والكينونة هي ذات طبيعة فكرية معرفية بالدرجة الأولى، تعتبر عن أعطاب أصابت عمقها الذي أضحى متجاوزا أو متخلفا، لا يستجيب لأسئلة الحاضر، فضلا عن مسايرة التحولات العالمية المتسارعة أو النموذج الإرشادي الذي يحدد المعارف بتعبير توماس كون أو النموذج الفكري الذي يتحكم في العقل الجمعي لهده الجماعات الإسلامية، حيث لا تستطيع الانفكاك عنه إلا ثورة فكرية تقوم على نقد صارم ومراجعة جذرية تنغلق بدراسة الخلفية السوسيولوجية والثقافية والنفسية، ومن الأمور التي أصبحت الحركة الإسلامية اليوم تتسم بها وببنيتها التنظيمية، بل أصبحت من مؤشرات قوتها بالمقارنة مع المجموعات والحركات السياسية الأخرى وتبنيها التنظيم في كل تفاصيله متناسية في ذالك بالتيارات التي تواجدت في الساحة إبان ظهورها.

أعتقد اليوم كابن صادق اللواء للتيار السلفي المبارك والحركة الإسلامية عامة، إننا في حاجة إلى مزيد من التحرر على المستوى الثقافي والمعرفي من الثقافة التراثية والتاريخية، والتحرر من كافة السلط لتنطلق انطلاقة صحيحة في رحاب هذا الكون وعرض قيم الوحي في بعدها العالمي الجديد الذي يجعل الحركة الإسلامية أكثر تواضعا وسعيا للأخر مهما بلغت درجة الاختلاف معه.

وكتب الفقير إلى عفو الله شرف الدين أبي أسامة الحسن ابن شعيب الخطاب من سجنه الانفرادي بالمغرب والمالكي المذهب.. أبو أسامة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.