غياب ام تغييب جمعيات حماية المستهلك والحسبة لمواجهة فقاعة المضاربات بالأسعار الغذائية؟

0

ريحانة برس- محمد عبيد

الكاريكاتور / بريشة محمد أيت خويا من قلعة مكونة 

اتسعت في الآونة الأخيرة دائرة الحديث عن حماية المستهلكين، لكونهم يمثلون المجموعة الاقتصادية الاكثر أهمية.

يأتي هذا في وقت قد انشغل فيه بال الرأي العام بالظاهرة المقلقة اجتماعيا ومجتمعيا نتيجة الزيادات المثيرة في جملة من المواد الغذائية الأساسية.

ولم تشفع لهذا الرأي العام كل تلك المحاولات التي اطلقتها الحكومة بشأن مراقبة الأسعار كون العديد اعتبر غياب اشراك جمعيات حماية المستهلك في اللجن المعتمدة هو هروب الى الأمام لتمثيلية المستهلك في الرقابة والتتبع عن كثب لما يقع في كواليس السوق التجارية والاقتصادية، كما كان يتوقع المستهلك أن تحظى هذه الجمعيات التي تمارس مهامها ووكالتها عنه في حضرة المراقبة والتتبع.

وإذا كان المستهلك يعتبر حلقة أساسية وعنصرا فعالا في الإقتصاد وبالتالي فلا محالة ان تضرره يبقى حله على عاتق الجهات المسؤولة والمتداخلة في سوق التجارة للسلع، إذ أن الثمن أو السعر لمنتوج أو خدمة معينة هو الشغل الشاغل بالنسبة للمستهلك حيث يجب أن يتلاءم مع قدرته الشرائية، فإن جمعيات حماية المستهلك تلعب أدوارا هامة في الدفاع عن مصالح جمهور المستهلكين لأنها أصبحت من جماعات الضغط الجماعي، سواء على المشرع الذي لطالما طالبته بأن يخرج قانونا لحماية المستهلك الى حيز الوجود، أو على المهنيين عن طريق حثهم على احترام المصلحة الجماعية للمستهلكين عند القيام بمشروعاتهم.

وتتبع جمعيات حماية المستهلك في دفاعها عن المصلحة الجماعية المشتركة إحدى الوسائل التالية: التوعية والدعاية المضادة أو الامتناع عن الشراء أو الامتناع عن الدفع، إضافة الى إمكانية رفع الدعاوى القضائية.

ولقد لجأت جمعيات للدفاع عن المستهلك وحمايته إلى تبني الأشكال الاجتماعية كالمقاطعة، وتوقيع عرائض احتجاجية، واللجوء الجماعي للقضاء، ترسيخا لثقافة حماية المستهلك إذ أصبحت هذه الحماية حقا جديدا من حقوق الإنسان.

ولكن ونحن أمام هذا الوضع الراهن التي تمر منه المملكة المغربية فالمستهلك يعرف إرتفاعا مهولا في أثمنة العديد من منتوجات و دسلع من طرف التجار وبالتالي نكون هنا أمام خرق واضح من طرف التجار للمادة 2 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، حيث نص صراحة على أن أسعار المنتوجات والسلع تحدد بقرار لرئيس الحكومة أو السلطة الحكومية المفوضة من لدنه.

إلا أنه عند الوقوف على الوضعية المرتبطة بالمستهلك يستنتج أنها تصادف مستوى الضعف الذي يتكون منه المجتمع المدني بسبب التشتت، واختلاف الأهداف قبل صدور قانون 08-31، وتضارب المصالح، وغياب التأطير والتكوين للأطر المنتمية لهذه الجمعيات، أضف إلى ذلك غياب ثقافة التعامل مع جمعيات حماية المستهلك من طرف المستهلكين الذين غالبا ما لا يقدمون على الانخراط فيها أو حتى التقدم بشكايات لها.

ولأن حق التقاضي باسم المستهلكين أصبح متاحا.. حيث أصبح بإمكان جمعيات حماية المستهلك بالمغرب استخدام حق التقاضي أمام المحاكم نيابة عن المستهلكين كما هو معمول به في العديد من الدول حول العالم، وهو ما يضع قطيعة مع سنوات من الفراغ ظلت خلاله هذه الجمعيات التي تعد بالعشرات على طول التراب الوطني مقيدة الصلاحيات ومحرومة من إمكانية تنصيب نفسها طرفا مدنيا للدفاع عن مصالح المستهلك المغربي ضد الشركات ومتعهدي الخدمات.

وبدأ العمل بهذا المنحى القضائي الجديد الذي يهدف لحفظ حقوق المستهلكين في مواجهة بعض التجار والشركات ذات الممارسات غير القانونية بعد نشر قرار مشترك لوزير العدل ووزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي في الجريدة الرسمية (عدد شهر ماي 2018) يتعلق بكيفية إيداع جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة، لطلبات الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي ودراستها وكذا شكليات وكيفيات منح هذا الإذن.

فمعلوم ان العناية بتوعية المستهلك يجب أن يكون من ضمن الاهتمامات الأساسية وجزءٔ من الإستراتيجية العامة للدولة والتي يجب أن ترافق مسيرة حياة الفرد ومساره في العيش… وينبغي أن تكون عملية التوعية عملية مستمرة، بمعنى أنه لا يجب أن يكتفى بالتوعية وقت الأزمات فقط، كما أن نشر الثقافة الاستهلاكية وتوعية المستهلكين يجب أن تكون جزءٔ أساسيا لحماية المستهلك وخصوصا التعرف على مواصفات السلع والخدمات التي يتعامل معها، خاصة في ظل تنامي ظاهرة الإعلانات التجارية والتي تلعب دورا كبيراً ومؤثرا لدفع المستهلك نحو الاستهلاك.

ولو أن حماية المستهلك ومراقبة الأسعار تشكل موضوعا من المواضيع التي بدأت تعرف تطورا إعلاميا في السنوات الأخيرة، حيث أصبحنا نسمع ونقرأ عن جمعيات انتصبت كطرف مدني لحماية الإنسان الطرف الضعيف في العلاقة بين المنتج والمستهلك والوسيط، لأن حماية المستهلك حق من حقوق الإنسان يجب مراعاته وأخذه بعين الاعتبار في التطور الاقتصادي وحماية الأمن داخل المجتمع، مقابل ما تعرفه السوق من أساليب الانتاج والتسويق زيادة في حجم المخاطر التي قد يتعرض لها المستهلكون في تعاملهم مع المنتجات الحديثة… رغم ما ترتب عنها من زيادة في القدرة الإنتاجية.

إذا أقررنا ما يترتب عن الإنتاج الكبير للمنتوجات وللسلع، سيما أمام ظاهرة توزيع سلع مشوبة ببعض العيوب التي تجعل استعمالها واستهلاكها محفوفا بالمخاطر… ومن جهة أخرى تزايدت ظاهرة الغش وأصبحت تشكل تهديدا حقيقيا لحياة الانسان…

إذن واستنادا إلى هذا المقتضى القانوني فليس من المعقول أن يتم رفع الأثمنة دون وجه حق من طرف أشخاص غير مرخص لهم واستغلال أزمة وطنية لتحقيق الربح والإغتناء في وقت يتطلب فيه الأمر تعبئة واسعة من طرف جميع فئات المجتمع للحيلولة دون احتكار المواد الأساسية والمضاربة فيها ما يندرج ضمن أفعال فيها خرق واضح للعديد من المقتضيات القانونية التي نظمها وقننها قانون حرية الأسعار والمنافسة ومن بينها احتكار الأسعار من طرف الكثير من التجار هذا الوضع خلق هلعا واسعا في صفوف المستهلكين والمواطنين..

إن جزءً كبيرا من الزيادة في الأسعار ومن التقلبات في وفرة السلع الغذائية لا يمكن فهمها أو تفسيرها إلا من خلال ظهور فقاعة المضاربة.

هناك العديد من العوامل… ولابد من أخذها في الإعتبار. ولكن ما ثبت بالحجّة أيضا أن المضاربة تضخّم من هذه الظاهرة وتزيد من عدم المساواة… حيث يتسبب المضاربون في الأسواق العمومية في ارتفاع أسعار المواد الغذائية… تتداخل فيها آليات السوق، ولعبة المضاربة… وبالتالي، ومما يدعو من شك، هو أن المضاربة تلعب دورا رئيسا في ارتفاع أسعار هذه المواد… كون المتدخلين في السوق هم الذين يٰوقِعون بين المنتج والمستهلك، وهم الذين يستحوذون على معظم القيمة المضافة… خاصة إذا علمنا أن المضاربين يلحقون الضرر بالمنتج والمستهلك على حد سواء، وينالون من الاقتصاد الوطني وتنافسيته.

وهنا لا بد وأن نقف على أن المسؤولية في تفشي هذه الظاهرة تعود للحكومة في عدم مراقبة المنتجين والمستوردين والمضاربين في المواد الاستهلاكية والمحتكرين لها، رغم مسؤولياتهم الواضحة في تعميق الأزمة عن طريق تحكمهم في العرض والطلب… ولهذا فقد أدى ارتفاع الأسعار إلى انتشار ظواهر سلبية مثل الكسب غير المشروع كالرشاوي والعمولات وغيرها بين بعض ضعاف النفوس…

هنا وجب أن نستحضر العوامل الداخلية التي ترتبط بنظام السوق المفتوح والتي تعتبر من أهم مسببات الارتفاع الكبير لأسعار السلع والخدمات ايضاً، ومن أهمها تراخي هيئة رقابة الأسعار وقمع الغش في عدد من المدن والأقاليم، يتضح ذلك عند عزم مصالح اقتصادية القيام بخرجات مناسباتية فإنها تُشَهٌِر لها مسبقا وقد تنتقي أحيانا (بإيعاز) بعض المحلات أو الأسواق كل حسب “وجهه” كما يقال بالعامية، إما لتلميع صورة تاجر مرضي او لتشويه صورة تاجر مسخوط عليه!؟!… واقع وجب أن نقر به حيث في عدد من الأحيان بعض الموظفين. (من ذوي العقليات الضيقة)، إما طواعية أو بإملاءات!!!؟؟؟” (واقعنا المغربي واحنا ماليه!)، يتعمدون الدخول في حسابات غير منطقية أساسا تسيء لنقاء مهام الشؤون الاقتصادية تتعداها إلى حسابات إن لم تكن شخصية ذات ارتباط بشؤون إما سياسية أو حقوقية…

فلو كانت هناك هيئة رقابة حكومية موضوعية لا تنتظر صفارة انطلاقتها في العمل الروتيني لمراقبة الأسعار لكان بالإمكان السيطرة على هذه السلوكات والشوائب، ولحَدٌَتْ من زيادات دون مبرر واستفحال ظاهرة المضاربة بالأسعار..

كما أنه من أهم مسببات ارتفاع الأسعار هو عدم تدخل المؤسسات المحلية المعنية بمراقبة السوق.

هذا دون إغفال الحديث عن عدم تفعيل قانون حماية المستهلك، وحتى حركية أو نشاط الجمعيات المهتمة بهذا الشأن، حتى إن زعمت التأطير الجماهيري وليس الجمعوي الضيق النطاق، فإنه يكون فقط في إطار محدود لإثبات وجودها على الورق، فكثيرا ما تكتفي بإصدار بلاغات وتقديم تصريحات إعلامية مناسباتية لتبرأ ذمتها وتملصها مما وجب عليها القيام به بشكل مداوم.

وتبقى هناك حلول لإحكام السيطرة على الأسعار، أولا المراقبة تنطلق من المنابع (أي الحقول او المعامل المنتجة) قبل خروج المنتوج للتسويق للحد من فرصة جشع التجار بالأسواق ضد المواطنين مع فرض اسعار الأثمنة من المنابع وبالمنتوحات لا حتى تصل الى البائع بالتقسيط وتحميله مسؤولية إشهار الأثمنة على “الكاغيط”، والعمل على زيادة العرض من السلع، وإصلاح منظومة عملية التخزين والتعبئة وطرق التداول، لتفادي أحيانا فساد كميات كبيرة من الخضراوات والفاكهة من خلال عملية النقل الخاطئة، أو التخزين الخاطئ.

و هنا وجب لفت انتباه الدولة إلى ضرورة إلغاء الوسطاء، كأول إجراء حقيقي، لمواجهة غلاء الأسعار وجشع التجار، فهم سبب رئيسي في ارتفاعها، وضبط آليات الرقابة القضائية من خلال إخضاع قانون العقوبات في حق المضاربين في المواد الغذائية، يقضي بالسجن لمدة طويلة الأمد والتجريد من رخصة التجارة والمتاجرة في حق من يثبت تورطه في المضاربة والتلاعب بأسعار المواد الاستهلاكية… وإدراج الممارسة في خانة جريمة التلاعب بقوت العباد والبلاد… ثم تأتي إجراءات تدعيم الرقابة على السوق، لتكون صارمة، بالاتفاق مع كافة الجهات المعنية، مثل جهاز حماية المستهلك، والغرف التجارية إلى جانب المؤسسات المحلية.

هناك طرف آخر لا يمكن إغفال مسؤوليته قي المراقبة والتتبع لأسواق المواد الغذائية ونعني به المحتسب البلدي، كون مهمته مراقبة التجار في الأسواق، مراقبة جميع مصالح الناس وقضاياهم..

واذا علمنا أن المحتسب يمتاز في التشريع المغربي بمراقبته للأسعار حماية للمستهلك والحفاظ على استقرار المعاملات والتوازنات الاقتصادية داخل المجتمع، فإنه بزجره للغشاشين والمرتزقة وذوي النفود، ولتجديده لسعر المنتجات التي تدخل في إطار اختصاصاته ومراقبته، يحافظ على العوامل التي تؤثر على مستوى الإنفاق الاستهلاكي، والتي تتضمنها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.

وهنا لا بد من أن نشير كذلك إلى الدور المجسم للمحتسب في مراقبة الأسعار وحماية المستهلك، فنحد من بين اختصاصاته وان كانت نوعية والتي بموجبها يمارس سلطاته المخولة له في المراقبة على ما يلي: جودة المنتوجات والخدمات وأثمانها، ومحاربة الغلاء وزجر الغش والتزوير والتدليس والاحتكار، تقريره للعقوبات المشتملة على ذعائر وإغلاقات بتفويض من الوالي أو العامل، مراقبته للأسواق الداخلة في دائرة اختصاصاته، وكذا المحلات التجارية والمهنية، مراقبته التطفيف في المكاييل والموازين.. هذا فضلا عن مهامه التي من بينها مراقبة جودة المنتوجات والخدمات والأثمان، استعانته في مهامه بالمصالح التقنية المختصة للتحقق من جودة المنتوجات، تحريره محاضر المخالفات المتعلقة بأثمان المنتجات والخدمات التي يراقبها وفق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل في ميدان زجر الغش ومراقبة الأثمان، توجيه المحاضر التي يحررها في مدة لا تتعدى عشرة أيام ابتداء من يوم العثور على المخالفات إلى السلطات المختصة لاتخاذ قرار بشأنها، فرضه لغرامات لا يتعدى قدرها 50ألفا درهما، كم أنه يستشار فيما يتعلق بتحديد وتجديد أثمان المنتجات والخدمات التي يراقبها، ويشارك لهذا الغرض في لجنة الأثمان التابعة للعمالة أو الإقليم.

ويستنتج من كل هذا أن اختصاصات المحتسب المخولة له في ظهير 1982 هي اختصاصات واسعة تهدف بالأساس إلى حماية المستهلك من بطش المحتكرين والسماسرة وأصحاب النفوذ والمال هذا على غرار باقي السلطات الممنوحة للعامل ولضباط الشرطة القضائية في هذا المجال.

ويبقى التساؤل مفتوحا بخصوص الملاحظة المسجلة على مكونات لجن مراقبة الأسعار التي خرجت هذه الأيام في حملات واسعة النطاق: أين هي تمثيلية جمعيات المستهلك والحسبة لمراقبة فقاعة المضاربة في الأسعار وحماية المواطن؟ وهل هو غياب او تغييب لهذه الأطراف؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.