الواعظ الاسلامي “ياسين العمري يدعو ل”فيزياء مسلمة” أو بين العلم والدين والاخلاق

2

حميد دحسو – ريحانة برس 

أثار من جديد حديث الواعظ الاسلامي “ياسين العمري” ( وهنا لا أزكي أحدا ولا أبصم له بالعشرة) لغطا وجدالا بعدما تحدث عن ضرورة تدريس “فيزياء مسلمة” وسياق كلامه الذي بتره خصومه؛ كالعادة؛ من سياقه أنه تحدث عن طريقة اسلامية في تدريس العلوم عوض الطريقة العلمانية التي تفصل العلوم عن الدين أثناء تدريس العلوم لطلاب وتلاميذ مسلمين؛

حيث يجب أن يعزز تدريس العلوم إيمان الطلبة لا أن يحاربه؛ لان أي تدريس يتأثر بالخلفية الايديولوجية لمدرسها؛ حيث هناك من يدرس العلوم بخلفية إلحادية. هذا خلاصة قوله ومرمى حديثه.

لكن البعض صنع “من الحبة قبة” وأنكر أن تكون للدين علاقة بالعلوم ولا للعلوم علاقة بالدين؛ فالدين دين والعلوم علوم. وقد أغاض الامر بعض الملاحدة فهاجموا الدين من جديد ومع كل فرصة وكأنهم رضعوا لبان العلم، بيد أنهم في ضلالات الجهل بالدين والعلم معا يعمهون وركب عقول الوهم والتوهم وغرور كلمات لايعرفون كوعها من بوعها.

لهذا سنفصل القول في الامر؛ فالملحد عندما يدرس الكون والانسان ينظر إليهما كظواهر مكتفية بذاتها وصيرورة حدوثها هي صيرورة بلا غاية ولا معنى. ذلك أن العلم؛ وهذا حق؛ يجيب على سؤال كيف؟ ولا يستطيع الجواب على سؤال :لماذا؟ فالعلم يفسر لنا كيف تحدث ظاهرة ما من خلال الكشف عن مجموع القوانين الطبيعية التي تحمكهما ويتم صياغتها على شكل نظريات علمية.

لكن الخطورة أن منطق العلم لا تحكمه الأخلاق؛ لأن منطق العلم هو وصف ماهو كائن بينما منطق الأخلاق والدين هو وصف ما ينبغي أن يكون. فالعلم لايؤدي دائما إلى نتائج إيجابية؛ غبالقدر الذي ساعدنا العلم على فهم بعض حقائق الوجود فقد أدى ايضا إلى صناعة الدمار ومسخ الانسان واستغلال الانسان للانسان وإفساد التوازن الطبيعي؛ خصوصا لما أصبح العلم مفصولا عن القيم وأصبح يتعامل مع الانسان كأي ظاهرة طبيعية دون أي مكانة اعتبارية خاصة.

وهذا نقاش راهني في الاوساط العلمية الان من خلال ما يسمى بالبيوتيقا ؛ وهو توجه علمي/أخلاقي يدعو لعدم فصل علم البيولوجيا عن الاخلاق، خصوصا مع ظهور الاستنساخ وسرقة الاعضاء وانتاج الفيروسات في المختبرات.

ففصل العلم عن الأخلاق واخضاع العلم لمنطق التحكم الاداتي يجعل العلم جحيما على العالم، وما أزمة كورونا عنا ببعيد. حيث أصبح ملايين البشر في قبضة المختبرات العلمية التي يحركها منطق الربح ومنطق “المالتوسية” حيث يجب أن يموت ستة ملايير بشر ويبقى فقط مليار يعيش الرفاهية!!

ذكر الدكتور الفيلسوف عبد الوهاب المسيري رحمه الله في حواره مع المشرف على مشروع منهاتن لصناعة القنبلة النووية “هوركهايمر”. حيث سأله المسيري( والمسيري عاش مدة في أمريكا واخذ فيها شهادة دكتوراه) سؤالا : ماذا فعلت عندما صنعت القنبلة النووية؟ فرد عليه البرفيسور الامريكي بكل تلقائية: لقد تقيأت !!!

 

هذه العبارة لخصت أزمة العلم المنفصل عن الغائية الاخلاقية والمعنى الوجودي. فالبروفيسور الامريكي الالمعي عندما كان في المختبر العلمي أظهر كفاءته العلمية بكل اقتدار وأبرز جبروت العقل العلمي الاداتي ؛ لكن لما انتهى من تجربته وأدرك حجم الجحيم الذي فتحه على البشرية استيقظ فيه معنى اخلاقي فطري؛ غطته المنهجية العلمية الموضوعية؛ وهو قذارة العلم المنفصل عن الاخلاق حيث سيكون إيذانا بمقتل ملايين البشر من خلال تجربة خرقاء فكر فيها عالم بمعزل عن القيمة.. فهذا علم يثير الغثيان من وجهة نظر بوركرهايمر.!

العلم الغربي مبني على فلسفة ورؤية للوجود والانسان تلخصه الاسطورة اليونانية ” برومثيوس” أن وظيفة العلم هو مواجهة “حكمة الالهة” ويستقل الانسان عنها ويتمرد على أوامرها. من هنا أصبح العلم يسير دون أي غاية إلا غاية السيطرة؛ وقد اكتشف مجموعة من العلماء والفلاسفة الغربية أنفسهم حجم الكارثة الذي فتحه هذا المنطق العلمي ومنهم العالم الرياضي والفيلسوف برتراند راسل الذي وصف العقل العلمي الأداتي بالطاغية الجبار الذي حول الانسان الى وحش والطبيعة إلى خراب. وهي المهمة التي انبرى لها فلاسفة مدرسة فرانكفورت. مع ادورنو وماركيوز وهابرماس.. الذين انتقدوا العقل الاداتي لصالح العقل التواصلي.

والنتيجة الخطيرة الان؛ الذي يتجاهله بعض ذراري الالحاد في عالمنا العربي والاسلامي والذين شربوا مقولات إلحادية على الريق؛ أن العلم ليس مستقلا عن الايديولوجية ؛ فالكثير من المعاهد العلمية لها اجندة اديولوجية لصالح مؤسسات وتوجهات إيديولوجيات وأقليات ضاغطة تملك المال والاعلام ؛ كالمثلية والتحول الجنسي والفيمنيزم.

حيث ينجزون دراسات ” علمية” وضعت نتائجها سلفا لتأكيد التوجه المثلي أو لتأكيد الايديولوجية التطورية. وفي المقابل يحاربون كل عالم مستقل اذا نشر أبحاثا علمية مضادة لنظرية التطور والمثلية؛ وهذا ما كشفه أحد الباحثين الغربين في شريطه الوثائقي/الصدمة :” علماء مطرودون”.

وملخص الوثائقي من خلال شهادات حية واستجوابات أن كثير من العلماء الذين يتبنون نظرية ” التصميم الذكي” يتم فصلهم من المعاهد والجامعات ويحاربون في أرزاقهم في قلب بلد تمثال الحرية!

خلاصة القول ؛ هناك فرق بين العلم وطريقة تدريس العلم؛ لان فعل التدريس هو بيداغوجيا وديداكتيك لاينفصل عن القيم مهما كان التخصص العلمي؛ وثانيا العلم يجيبنا على سؤال كيف؟ اي سؤال القانون الطبيعي لكن لايجيبنا على سؤال: لماذا ؟ وهو سؤال محرج لكل الملاحدة لأنه يضعهم مباشرة أمام المعنى الوجودي الديني . ثالثا إن العلم ليس دائما بريئا ولا ايجابيا فبدون أخلاقيات العلم يفتح العلم جحيما على البشرية فلابد من وصاية أخلاقية ( أقول أخلاقية وليس شيئا آخر ) دينية أو فلسفية… ثم ان العلم لاينفصل عن الايديولوجيات ورهانات الفاعلين كما يقول إدغار موران ومشيل سير. ورابعا إن التصور الإسلامي العلم ينظر إلى الظواهر على أنها آيات وليس مجرد ظواهر لا غاية من ورائها. فالنظر إلى الظواهر كآيات يورث العبرة والمعنى وادراك الحقيقة الوجودية أن الكون من خلق الله ويجب على العلم والفن والفلسفة أن تخدم مراد الله من خلقه حتى يتحقق الانسجام بين الانسان و”الطبيعة”؛ لا ان ينقلب عليها جبارا طاغية يهلك الحرث والنسل ويقتل الكثرة لتعيش القلة المترفة الرفاه على حساب بؤس ملايير البشر من المعذبين في الارض .

2 تعليقات
  1. أبو علي يقول

    أسلمة العلوم ممكنة، لأن القران الكريم فيه من الاعجاز العلمي ما يبهر العقول ، وهو سباق لكل العلوم كيفما كانت

  2. محمد يقول

    الالحاد اصبح في كل شيء حتى الفن ( العفن ) غزاه الإلحاد ، لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.