حسام الحداد يكتب : من هو القاتل الحقيقي لمعاذ الكساسبة ؟

0

حسام حداد – rihanapress

في مثل هذا اليوم الثالث من يناير 2015: تم إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً وهو حي على يد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” حيث كان يقف داخل قفص حديدي مغلق وفق ما أعلنه التلفزيون الأردني حينها.

والحقيقة لم تقم داعش بحرق معاذ الكساسبة بل المسئول عن هذا الفعل هو مؤسساتنا الدينية التي ما زالت تستند إلى فتاوى وتفاسير لا تتناسب وروح العصر، قد بح صوت العلماء التنويرين بالمناداة بتجديد الخطاب الديني حتى يتوافق مع عصرنا الذي نعيش فيه، دون جدوى وكأن ليس هناك أحد يسمع صوتهم بل يتم اتهامهم من قبل هذه المؤسسات بالردة أو الخروج عن صحيح الدين.

استندت داعش وهي تحرق الكساسبة واقفا إلى فتوى لابن تيمية وغيره من علماء الأمة السابقين بغض النظر عن توافق هذه الفتوى وروح العصر الذي نعيش فيه ومناسبتها له؛ حيث إن الفتوى تختلف من موقف لموقف ومن شخص لشخص ومن مكان لمكان، ومن المعروف أن الفتوى محض رأي غير ملزم؛ حيث إن من أصدره هو بشر يصيب ويخطئ لكن داعش ومؤسساتنا الفقهية في بلادنا الإسلامية لا تعترف بهذا؛ حيث إنها ألبست تلك الفتاوى لباس القدسية وكأن الناطقين بها معصومون من الخطأ. وعلمت تلك المؤسسات أبناءنا هذه الفتاوى في مؤسساتها التعليمية وقنواتها التلفزيونية ووسائلها الإعلامية المختلفة، فأنتجت لنا جيلا ينتسب إلى داعش ومنهجه التكفيري والإرهابي أكثر من انتسابه إلى الإسلام السمح الذي نعرفه.

مَن حَرق الكساسبة ليست داعش بل حرقه ابن تيمية وابن عبد الوهاب والمودودي وحسن البنا وسيد قطب، كل هؤلاء أسهموا بشكل أو بآخر في حرق الكساسبة.

فتوى داعش بحرق الكساسبة

فتوى داعش بحرق الكساسبة

برر أعضاء تنظيم “داعش” لحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيًا، ونشروا مقالًا كاملًا عبر موقع «JUSTPASTE».

وقال التنظيم في المقال: “لما أتى قوم من أصحاب عبدالله بن سبأ الحميري إلى علي بن بي طالب رضي الله عنه، قال أحدهم: “أنت هو”، فقال لهم: “ومن هو؟” قال: أنت الله. فاستعظم رضي الله عنه الأمر، وأمر بنار فأججت وأحرقهم بالنار، وفي ذلك يقول رضي الله عنه: لما رأيت الأمر أمراً منكرا أججت ناراً ودعوت قنبرا- مولى له- وهو الذي تولى طرحهم في النار، فهذا الخليفة الراشد رضي الله عنه أحرق أناسا بالنار”.

وأضاف المقال: “ذكر ابن كثير في تاريخه أنه: استدعى خالدٌ مالكَ بنَ نويرة فأنَّبه على ما صدر منه من متابعة +سجاح، وعلى منعه الزَّكاة، وقال‏:‏ ألم تعلم أنها قرينة الصَّلاة؟‏ فقال مالك‏:‏ إنَّ صاحبكم كان يزعم ذلك‏. فقال‏:‏ أهو صاحبنا وليس بصاحبك يا ضرار اضرب عنقه، فضربت عنقه، وأمر برأسه فجعل مع حجرين وطبخ على الثَّلاثة قدرا فأكل منها خالد تلك اللَّيلة ليرهب بذلك الأعراب من المرتدَّة وغيرهم‏، ويقال‏:‏ إنَّ شعر مالك جعلت النَّار تعمل فيه إلى أن نضج لحم القدر، ولم تفرغ الشَّعر لكثرته‏‏، وقد تكلَّم أبو قتادة مع خالد فيما صنع وتقاولا في ذلك حتى ذهب أبو قتادة فشكاه إلى الصِّديق، وتكلَّم عمر مع أبي قتادة في خالد وقال للصِّديق‏:‏ اعزله فإنَّ في سيفه رهقاً”.

وتابع أفراد التنظيم: “حرق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة، وحرق خالد بن الوليد بالنار ناسا من أهل الردة، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها (قاله النووي والأوزاعي). وفي «عون المعبود» وقال “القسطلاني”: (اختلف السلف في التحريق، فكرهه عمر وابن عباس وغيرهما مطلقا سواء كان بسبب كفر أو قصاص، وأجازه علي وخالد بن الوليد”.

واختتم كاتب المقال مسألة الحرق جثة المخالفين لهم، قائلا: “إن أحرقتم فلكم في خلفاء الأمة وصحابة نبيكم سلف، فافعلوا في هؤلاء الكفار ما يزرع في قلوبهم الرعب والهلع ولا يرَون فيكم خوراً ولا خوفاً ولا تردداً، أرهبوهم وزلزلوا الأرض تحت أقدامهم واخلعوا قلوبهم من صدورهم لتقر أعين المؤمنين”.

هكذا استند تنظيم داعش إلى الكثير من تراثنا الدموي الذي لا ننكر ولا نستطيع إنكار وجوده في تاريخنا الإسلامي، وكذلك استندوا إلى فتوى قطرية تدور في نفس السياق.

فتوى قطر التي تبيح الحرق

فتوى قطر التي تبيح

الذي حرق الكساسبة فتوى صادرة عن مركز الفتوى التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة قطر. صادرة برقم 71480 عام 2007 وجاءت تلك الفتوى ردا على السؤال الآتي:

كيف نوفق بين نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التحريق بالنار وبين إحراق أبي بكر الصديق رضي الله عنه إياس بن عبد ياليل بالنار في حرب الردة؟

جزاكم الله خيرا…

وكانت الإجابة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التحريق بالنار ثابت، فقد ورد في حديثه الشريف أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: “لا يعذب بالنار إلا رب النار”. رواه أبو داود وأحمد في المسند.

وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان هذا النهي للتحريم أم أنه لمجرد التواضع. قال ابن حجر في فتح الباري: وقال المهلب: ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع. ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة وقد سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد المحمي، وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة، وحرق خالد بن الوليد بالنار ناسا من أهل الردة، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها، قاله الثوري والأوزاعي. وقال ابن المنير وغيره: لا حجة فيما ذكر للجواز؛ لأن قصة العرنيين كانت قصاصا أو منسوخة كما تقدم، وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي آخر، وقصة الحصون والمراكب مقيدة بالضرورة إلى ذلك، إذا تعين طريقا للظفر بالعدو…

ثم إن قصة إحراق أبي بكر الصديق رضي الله عنه إياس بن عبد ياليل بالنار، واردة في كتب السير والتاريخ. ففي الكامل: أن إياس بن عبد ياليل جاء إلى أبي بكر فقال له: أعني بالسلاح أقاتل به أهل الردة. فأعطاه سلاحا وأمره إمرة، فخالف إلى المسلمين وخرج حتى نزل بالجواء، وبعث نخبة بن أبي الميثاء من بني الشريد وأمره بالمسلمين، فشن الغارة على كل مسلم في سليم وعامر وهوازن. فبلغ ذلك أبا بكر- رضي الله عنه- فأرسل إليه من أسره وبعث به إليه. فأمر أبو بكر أن توقد له نار في مصلى المدينة ثم رمي به فيها مقموطا.

وإذا كان أهل العلم قد اختلفوا في تحريم الإحراق بالنار كما بينا، وأن القائل منهم بالحرمة قد استثنى حالات يجوز فيها ذلك، فلا شك أن ما أقدم عليه إياس بن عبد ياليل يستحق به ما فعل به من الإحراق. فجزى الله خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على غيرته للإسلام.

والله أعلم.

تلك كانت الفتوى التي استخدمتها داعش لتمرير إحراق الكساسبة، ومن الجدير بالذكر أنه تم اليوم رفع الفتوى من موقع “مركز الفتوى” تخوفا من اتهام قطر بتمويل داعش الذي بات واضحا للعيان بأن قطر وقنواتها الفضائية هي الممول الرئيس والداعم اللوجيستي الأول لمعظم الجماعات الإرهابية في المنطقة.

ردود أفعال العلماء المسلمين

الأمين العام للاتحاد

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القره داغي

أدان علماء دين مسلمون الثلاثاء 3 فبراير 2015، إقدام تنظيم الدولة الإسلامية على قتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقا، مشددين على أن “الإسلام بريء من تلك الأفعال الإجرامية”.

وقال الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القره داغي: إن “قيام داعش بحرق الكساسبة حيا والتمثيل بجثته هو عمل إجرامي جبان ارتكبوه بدم بارد”، وأضاف: “نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحرق بالنار، وهناك حديث نبوي يقول إن (النار لا يعذب بها إلا الله)”.

واستنكر تمثيل التنظيم بجثة الكساسبة بعد قتله بسير جرافة على جثته ودفنها، معتبرا أن “هذا فعل مؤذ وخرج عن كل القيم والآداب والضوابط الإسلامية.. والأسير المسلم لا يجوز قتله أبدا باتفاق العلماء”.

شيخ الأزهر أحمد الطيب

شيخ الأزهر أحمد الطيب

كما استنكر شيخ الأزهر أحمد الطيب “العمل الإرهابي” الذي أقدم عليه تنظيم “داعش الإرهابي الشيطاني” من حرق الطيار الكساسبة، ووصفه بـ”العمل الإرهابي الخسيس”.

علماء أزهريون رفضوا استناد تنظيم الدولة في حرقه للكساسبة إلى قول ابن تيمية، فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع.

وقال الطيب في بيان: إن “الإسلام حرم قتل النفس البشرية البريئة”، مستشهدا بقول الله تعالي: “ولا تَقْتُلُوا النَّفس التي حَرّم اللّهُ إِلا بِالحق”، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “الإنسان بنيان الربِّ ملعون من هدمه”.

وزير الأوقاف الأردني

وزير الأوقاف الأردني هايل داود

بدوره دان وزير الأوقاف الأردني هايل داود قتل الكساسبة، وقال: إن “الحرق لا يجوز في الإسلام”، وأضاف أن “الحرق لا يجوز في الإسلام، ورب العالمين عاتب نبيا لأنه أحرق قرية من النمل، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال في حديث شريف (لا يُعذب بالنار إلا رب النار)”.

الأمين العام لمجمع

الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر محيي الدين عفيفي

كما أدان الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر بمصر محيي الدين عفيفي عملية القتل، وقال: إن “ما فعله داعش من قتل الكساسبة حرقا هو مخالفة لله وأوامره، حيث إن الله كرم الإنسان حيًا وميتًا”، وأضاف أن الله تعالي قال: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}، أي أن الله كرم الإنسان لمطلق إنسانيته وهذا التكريم للإنسان في حياته ومماته.

ورفض علماء أزهريون استناد تنظيم الدولة في حرقه للكساسبة إلى قول ابن تيمية: “فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع”، مجمعين على أن “الحرق محرم في جميع الأديان حتى للحيوان”.

عضو مجمع البحوث الإسلامية

عضو مجمع البحوث الإسلامية محمد الشحات الجندي

وقال عضو مجمع البحوث الإسلامية (أعلى هيئة شرعية في الأزهر) محمد الشحات الجندي: إن “هذا تأويل خاص بهم، وهو تأويل فاسد مخالف لشرع الله؛ حيث إن داعش يحتكر تفسير النص تبريرا لأفعاله التي لا تمت للإسلام”، وأضاف: “وعلى فرض جدلي أنه قال هذا الكلام فقد قاله في حرب المسلمين مع غيرهم وحتى النص الذي استشهدوا به لا يفيد جواز الحرق ويخالف تكريم الله للإنسان”.

كما قال العميد السابق لكلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر عبد الله النجار: إن “استناد داعش إلى قول ابن تيمية هو استناد باطل؛ لأن هناك أقوالا وضعت في التراث تناسب أزمنة وضعها، والأحكام الفقهية التي أطلقها ابن تيمية وافقت الزمان الذي وضعت له، حيث وضع في حالة حرب بين المسلمين والتتار، واستخدام البعض لها يحدث هزة للمجتمعات الإسلامية”.

الحبيب علي الجفر الحبيب علي الجفري على ما روي عن حرق الصحابي أبي بكر الصديق لأحد الأشخاص، وقال في بيان عبر صفحته على «فيس بوك»: «رواية إحراق سيدنا أبي بكر الصديق للفجاءة رواية باطلة مدار سندها على (علوان بن دَاودَ البجلي) وهو رجل مطعون في روايته، وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان: قال البخاري: علوان بن داود- ويقال ابن صالح- منكر الحديث، كما علق الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد على هذه الرواية بقوله: “رواه الطبراني وفيه علوان بن دَاوُدَ البجلي وهو ضعيف وهذا الأثر مما أُنكر عليه”.

بدورها، أدانت دار الإفتاء المصرية، في بيان اليوم الأربعاء، إقدام تنظيم «داعش» على حرق الطيار الأردني حيا، في مشهد بربري يدل على سادية هؤلاء المتطرفين. وأكدت الدار، في ردها على فتوى التنظيم الكاذبة، أن هؤلاء الإرهابيين قد ضربوا بالتعاليم الإسلامية ومقاصدها التي تدعو إلى الرحمة وحفظ الأنفس عرض الحائط، وخالفوا الفطرة الإنسانية السليمة، واستندوا في جريمتهم البشعة إلى تفسيرات خاطئة لنصوص أو أقوال ليبرروا فجاجة فعلهم. وفندت الدار الدعاوى الباطلة التي استند إليها المتطرفون في جريمتهم، وأوضحت أن زعم هؤلاء بأن الصحابي الجليل أبوبكر الصديق قد أحرق الفجاءة السلمي حيا، غير صحيح وساقط وباطل لا سند له؛ لأن رواية إحراق سيدنا أبي بكر الصديق للفجاءة باطلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.