ريحانة بريس - محمد المتوكل

0

ريحانة بريس – محمد المتوكل 

كان أبي المرحوم سليما معافى لا يشكو من شيئ على الإطلاق، يأكل ويشرب ويتنفس ويغدو ويروح، ويتكلم ويضحك، ويقوم بكل ما يقوم به الأحياء، لكن فجأة انطفأت شمعته، وذبلت زهرته، وسكت صوته، وسقط عموده، وخر عرشه، وغاب وجهه، ومات ببساطة وبدون مقدمات،

مات أبي الذي بلغ من العمر”واحد وستون سنة” وترك أهله وعائلته التي تتكون من أم مكلومة إسمها “عائشة المسعودي” رفيقة الدرب، وملهمة الراحل ،وأم أولاده، وأخوات حزينات إلى حد كتابة هذه الأسطر، وأخ لا يعرف لا ما يقدم ولا ما يؤخر، وتركني أنا كاتب هذه الخواطر لا أملك إلا أن أقول: يا أبي إنك تركتني وبدون سابق أنذار، رحلت وبدون مقدمات غادرت دون أن تترك حتى وصيتك الأخيرة، لكن أنا أعرف أن إرادة الله فوق كل شيئ، وحكمته تحكم كل من يمشي على الأرض، أو يطير في السماء. رحلت يا أبي العزيز في يوم يشيب له الولدان، وتضع فيه كل ذات حمل حملها ،وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن رحمة الله اقوى وأشد، رحلت يا أبي في يوم سالت فيه عليك الدموع ولازالت تنهمرلحد الساعة حزنا على أب رحيم، وعطوف، وخلوق، وعصامي، وشجاع ،ومناضل ومجاهد، وقوي، وصبور، وبشوش، ومرح، وقنوع، ومغامر،وقشاشبي بشهادة كل محبيه واصدقائه ومعارفه. أب عاش فقيرا، ومات فقيرا، أب عاش” درويش ومات درويش” لا له ولا عليه ،أب مات في غرفة نومي الخاصة، ومرض في غرفة نومي الخاصة ، وكان يقرأ ما تيسر من القرآن في غرفة نومي الخاصة،ويستغفر الله الحنان المنان في غرفة نومي الخاصة،واحتضر في غرفة نومي، ومات في غرفة نومي الخاصة، وغسل في غرفة نومي الخاصة، وكفن في غرفة نومي الخاصة، وبكيناه في غرفة نومي الخاصة، وخصني بالدعاء الحار والخاشع في غرفة نومي الخاصة، وحملناه على أكتافنا إلى المسجد المجاور من غرفة نومي الخاصة، وصلينا عليه صلاة الجنازة في مسجد المنطقة ،وحضر جنازته الكثير من المشيعين والأهل والأحباب، وحملناه إلى القبور القريبة من المنزل الذي ترعرعنا فيه، وتلقينا فيه أبجديات التربية والتكوين والمعرفة، بكيناه بحرارة، ورثيناه بحرارة، شيعه معنا الكثير من الأهل والأحباب والمعارف، والأصحاب والجيران. الكل تجند من أجل إنجاح هذه المحطة الجنائزية الحزينة والمشهودة، والتي شربنا مرارتها لأول مرة في حيانتا، دعونا له ولا زلنا ندعو له ،وسنضل ندعو له الله العلي القدير إلى أن تقوم الساعة. مرت أجواء الجنازة ولله الحمد والمنة في يسر وأمن وسلم وسلام، وتلقينا التعازي من كل صوب وحدب، ولا زال المنزل عامرا بالمعزين الى حدود كتابة هذه العبارات الحزينة، لكن صدقوني فهي المرة الأولى التي أعرف فيها معنى الموت على الرغم من انني حضرت وفاة العديد من المسلمين والمسلمات في مختلف مناطق المملكة السعيدة.

المهم مات أبي الحنون والعطوف ، وبقي مكانه شاغرا إلى يومنا هذا، وسيضل كذلك إلى أن تقوم الساعة، رجعت الى المنزل أتفقد أحوال الأهل والعائلة حينها أحسست لأول مرة ما معنى أن تكون يتيما وخلال خمسة أيام فقط.

أخيرا وليس أخرا أشكر الله تعالى أن اختارأبي لجواره، وأحمده سبحانه وتعالى على ابتلائه ،وأسال الله تعالى أن يتغمد أبي العزيز بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، ويجعله في جوار النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأن يرزقنا جميعا الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا اليه راجعون.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.