0

 

مصطفى شكري – ريحانة برس

نعود مجددا للحديث عن اوضاع المؤسسات السجنية بالمغرب وذلك على هامش تقديم وزير العدل عبد اللطيف وهبي مساء الأربعاء 27 مارس 2024 مشروع القانون رقم 10.23 المتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية، إلى مجلس المستشارين للمناقشة التفصيلية بغرض المصادقة عليه، بعد ان تمت الموافقة عليه من طرف مجلس النواب في الجلسة العامة يوم 24 أكتوبر 2023، ويأتي مشروع القانون في إطار تنزيل دستور 2011 خاصة الفصل 23 منه الذي ينص على تمتع كل شخص معتقل بحقوقه الأساسية وبظروف اعتقال إنسانية فضلا عن إمكانية استفادته من برامج للتكوين وإعادة الإدماج.

✓ قواعد نيلسون مانديلا النموذجية لمعاملة السجناء

وحسب وزير العدل فلقد تم إعداد مشروع القانون في إطار احترام كامل لمجوعة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء لسنة 1957، ومجموعة مبادئ حماية الأشخاص الخاضعين لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، ومدونة قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين لسنة 1978، ومبادئ قواعد السلوك الطبي المتصلة بدور العاملين في المجال الصحي، ولا سيما الأطباء، في حماية السجناء المحتجزين من التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لسنة 1982، كما استلهم المغرب قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء المعروفة بقواعد نيلسون مانديلا، وشدد السيد الوزير على ضرورة أنسنة ظروف العيش داخل السجن والنهوض بحقوق الأشخاص المعتقلين والمحرومين من حرياتهم، لتأهيليهم اجتماعيا وإعادة إدماجهم باعتباره الهدف الأساسي الذي يتوخاه نظام العدالة الجنائية، لذلك تم الحرص على إشراك مختلف الفعاليات ذات التمثيلية الوازنة للمجتمع والمعنية بإصلاح المنظومة القانونية المتعلقة بالمؤسسات السجنية، من سلطات وإدارات عمومية وأحزاب سياسية وجمعيات مدنية وإعلام وغيرها، باعتبارها قوة اقتراحية لا غنى عنها لضمان حقوق الإنسان وترسيخ دولة الحق والقانون. وتم التأكيد في هذا المشروع على احترام عدد من الحقوق الأساسية للسجناء، كالاتصال بمحامي من اختيارهم وحق الزيارة وتوجيه الرسائل وتلقيها وحق التطبيب وتقديم كل التسهيلات في المتعلقة بمتابعة الدراسة والتكوين المهني، وحق المزاولين منهم لنشاط منتج في مقابل منصف، بالإضافة الى مقتضيات تهم الرخص الاستثنائية للخروج بقصد الحفاظ على الروابط العائلية، وفي مقابل ذلك يضم المشروع حزمة من الواجبات وجب على السجناء احترامها تحت طائلة العقوبات التأديبية المنصوص عليها في القانون.

✓ المندوبية العامة للسجون تدق ناقوس الخطر

وكان محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، قد أكد خلال عرض ومناقشة مشروع ميزانية المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج برسم سنة 2024، أمام مجلس النواب، أن “الواقع السجني أضحى، اليوم، أكثر إلحاحا، في ظل ما تعانيه المؤسسات السجنية من اكتظاظ، بسبب الارتفاع القياسي في عدد السجناء ما يجعل المغرب يتبوأ الصدارة على الصعيد العربي ومحيطها الإقليمي. كما أوضح التامك أن “هذا العدد أصبح يتجاوز 100.000 سجين، ليسجل ارتفاعا بنسبة 6 في المائة، ما بين متم السنة المنصرمة ومتم أكتوبر 2023، بعدما انتقل من 97.204 إلى 103.302 سجينا، خلال هذه الفترة”. وتابع أن “معدل الاعتقال في بلادنا في تصاعد مستمر؛ إذ يقارب حاليا 272 سجين لكل 100.000 نسمة، وذلك مقابل 265 سجينا لكل 100.000 نسمة، خلال السنة الماضية؛ ما يعني أن هذه النسبة لازالت في ارتفاع مستمر؛ وهو ما يجعل بلادنا، وللأسف، تتبوأ الصدارة على الصعيد العربي ومحيطها الإقليمي، حسب آخر المعطيات المتوفرة بدول الجوار (تونس 196، موريتانيا 57، الجزائر 217، إسبانيا 113، فرنسا 109، إيطاليا 99، لكل 100.000 نسمة)؛ مما يطرح، بإلحاح، بحث سبل تجاوز هذا الوضع الشاذ، لما يسببه من اكتظاظ بالمؤسسات السجنية”. ولفت المندوب العام إلى أن “تفاقم هذه المعضلة دفع المندوبية العامة إلى دق ناقوس الخطر، من خلال البيان الذي سبق ونشرته للعموم، التزاما منها بمبادئ الشفافية والوضوح في تدبير الشأن السجني، من جهة، وإيمانا منها بأن المسألة أصبحت أكبر من أن تظل حبيسة مراسلات روتينية بين المندوبية العامة والجهات المعنية، من جهة أخرى”.

✓ الرعاية الصحية والنفسية للسجناء

ونظرا لحساسية بيئة السجون وأثرها النفسي والصحي على السجناء، فإن المؤسسات السجنية مطالبة بتوفير الظروف الملائمة لتخفيف معاناتهم داخل هذا الوسط، وحماية حقوقهم بأماكن الحرمان بدءا بمعالجة شكايات السجناء واستقبال عائلاتهم ومواكبة الحالات التي تتطلب الرعاية الصحية النفسية والجسدية، من خلال توفير الاطر الطبية اللازمة والأخصائيين النفسانيين، وكانت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة الدار البيضاء – سطات، قد أكدت على حق الحصول على الرعاية الصحية في الوسط السجني باعتبارها حقا من الحقوق الأساسية لهذه الفئة وفقا للدستور المغربي والمعاهدات الدولية ذات الصلة وللمعايير الدنيا لمعاملة السجناء. كما شددت اللجنة على تعزيز التواصل والتنسيق المؤسساتي بين الفاعلين المعنيين من أجل تدارس سبل النهوض بحق السجناء والسجينات في الصحة الجسدية والنفسية وتبادل وجهات النظر حول توصيات ومقترحات اللجنة الجهوية بغية مواجهة الإشكاليات التي تم رصدها وإيجاد حلول عملية وقابلة للتنفيذ، كما نبه رئيس المرصد المغربي للسجون عبداللطيف رفوع إلى عدم كفاية المواكبة النفسية داخل المؤسسات السجنية لاسيما في حالات المدانين بعقوبات قاسية كالمؤبد والإعدام، مع نقص في عدد الأطباء النفسانيين بالمؤسسات السجنية مقارنة مع عدد السجناء الذي يقارب 100 ألف سجين بالمغرب.

✓ تخوفات المجلس الوطني لحقوق الإنسان

ختاما نذكر بأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان عبر في وقت سابق عن تخوفه من بعض المقتضيات التي تضمنها مشروع قانون تنظيم وتدبير المؤسسات السجنية حيث أشار إلى أنه يثير مجموعة من الملاحظات، التي رغم طابعها الشكلي، إلا أنها لا تخلو من تأثير على مضمون المشروع ووضوح مقتضياته كما سجل المجلس غياب ديباجة لنص مشروع القانون، علما أن الديباجة تضطلع بدور مهم في فهم أهداف القانون والدواعي التي دفعت المشرّع إلى سنّها، لافتا إلى أنه رغم وجود مذكرة تقديمية مرفقة بالمشروع إلا أنها لا يمكن أن تحل محل الديباجة وتظل غير ملزمة من الناحية القانونية. وعلى المستوى الشكلي عبّر المجلس عن انشغاله بالمخاطر التي ينطوي عليها استعمال عبارات من قبيل “يجوز”، “إلا عند الضرورة”، “حسب الإمكانيات المتاحة”، “في حدود الإمكان”، “حسب الإمكان”، “قدر الإمكان”، “النظام والأمن”، مؤكدا أنها “تمنح للإدارة سلطة تقديرية واسعة قد يساء استخدامها، وتنزع الطابع الإلزامي عن بعض الحقوق الأساسية للسجناء، ويحوّل التزام الدولة لحماية حقوق السجناء من التزام بالنتائج إلى مجرد التزام بالوسائل”. ونبّه مجلس حقوق الإنسان إلى إشكالية غموض مفهوم “النظام والأمن” ضمن النص التشريعي الذي قد يمنح مدير المؤسسة السجنية صلاحية منع أيّ معتقل من الحصص الرياضية بقرار معلل لأسباب تتعلق بالنظام والأمن، دون أن يوضح دلالة هذين المصطلحين، مسجلا أنه من شأن هذا الغموض أن يمسّ بحق تمتع المعتقل بحصص التربية البدنية والرياضة والتي تعد جزءا مهما من النظام الصحي والنفسي وأشار المجلس إلى كثرة الإحالات على نصوص تنظيمية مكملة للقانون، يرتبط معظمها بتفعيل الحقوق الأساسية للمعتقل، وأوضح أنها تطرح إشكاليات عديدة مرتبطة بآجال إخراج هذه النصوص إلى حيز الوجود وضمان انسجامها مع المعايير الدولية ذات الصلة بحماية حقوق السجناء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.