0

مصطفى شكري – ريحانة برس

توقف حديثنا في مقال الأمس المعنون ب “مسار حركة 20 فبراير بين انسحاب جماعة العدل والاحسان وتسقيف مطالب القوى اليسارية” عند ضرورة تأسيس جبهة سياسية وطنية لمواجهة الفساد والاستبداد، ونعود اليوم لطرح سؤال شديد الصلة بأوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية ألا وهو إعادة الثقة في العمل السياسي وتعزيز مصداقية الفاعلين السياسيين وخاصة بعد الفضائح المتتالية للنخب الحزبية وتورط قياداتها في ممارسات مخجلة ومسيئة لسمعة البلاد ككل.

 

فلقد سبقت الإشارة في مقالنا الأخير إلى أن حركة 20 فبراير استطاعت إعادة الشباب المغربي إلى الاهتمام بالسياسة وفسح المجال لقيادات جديدة والانفتاح على القوى الحية في المجتمع، والعودة إلى المبادئ والقيم، ومواجهة المفسدين وممارسة النقد الذاتي داخل الأحزاب وفسح المجال للتداول بين الأجيال وتكافؤ الفرص.. لكن ما جرى في عهد حكومتي بنكيران والعثماني وصعود الملياردير عزيز أخنوش لرئاسة الحكومة بعد انتخابات 8 شتنبر 2021 حول أحلام شباب 20 فبراير الى كوابيس وقلب الربيع العربي بمغربنا الى خريف سياسي كئيب

1-  ازدواجية الخطاب والشعارات لدى الفاعل السياسي

إن عملية استرجاع الثقة في العمل السياسي بالمغرب تعد الآن أولوية الاولويات وتقتضي إرادة سياسية قوية لمعالجة الاختلالات والاستجابة لانتظارات الشعب المغربي، وهو ما يتطلب اعتماد آليات تعزيز الثقة كآلية المراقبة وربط المسؤولية بالمحاسبة والقضاء على اقتصاد الريع ونهب الثروات، كما أنه من تجليات أزمة الثقة ازدواجية الخطاب والشعارات لدى الفاعل السياسي الذي أعاد هيمنته على المشهد الاعلامي والثقافي من خلال خلق منابر إعلامية تشتغل تحت الطلب ووفق أجندات تضع المصلحة الوطنية في آخر اهتماماتها، هذا علما أنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية ومؤسسات سياسية ذات مصداقية بدون إعلام قوي ومستقل..

2-  الشيخوخة والمحسوبية والمراهقة السياسية المتأخرة

إن الأحداث الأخيرة أبانت بالملموس أن الأحزاب التقليدية لا تعاني فحسب من الشيخوخة والفساد والمحسوبية بل من المراهقة السياسية المتأخرة وما الأشرطة الصوتية المسربة من هنا وهناك عنا ببعيد، والادهى من كل هذا لزوم الصمت من طرف الوزارة الوصية حيث لم يتم لحدود الساعة فتح تحقيق او تشكيل لجنة لتقصي الحقائق فيما يجري من تبادل للشتائم بين رموز وقيادات سياسية بلغت من العمر عتيا… وإن وزارة الداخلية مطالبة برفع يدها عن المطبخ السياسي والحزبي والانتخابي والقطع مع إزدواجية المكاييل في تعاطيها مع الوقائع والاحداث التي تحفل بها الحياة السياسية والحزبية، كما أن السكوت عن هذه الاحداث المخجلة يدفع لطرح مجموعة من الأسئلة المشروعة عن مدى رضا او تواطؤ السلطات الوصية او بعض مسؤوليها فيما يجري من تجاهل او تستر او مباركة لهذه الخروقات والاختلالات والتحاوزات وغيرها من الممارسات الموغلة في الفساد والإفساد..

3-  القطع مع منطق التدبير السلطوي وهاجس التحكم في الخريطة الإنتخابية

إن استرجاع الثقة في العمل السياسي بالمغرب يقتضي مراجعة قانون الأحزاب السياسية والتخلص من المومياءات والكائنات و الطفيليات الإنتخابية وكذا مراجعة مجموع قوانين الترسانة الإنتخابية وتحجيم دور وزارة الداخلية مقابل إسناد الإشراف الكلي على هذه الاستحقاقات للجهاز القضائي..

لا يمكن استرجاع “الثقة” في العمل السياسي إلا من خلال رسائل قوية شبيهة بالتي وقعت في دولة السينغال على سبيل المثال حيث كان الشعب على موعد مع تغير في الثقافة السياسية للدولة والمجتمع على حد سواء، فسؤال نزاهة الإنتخابات المقبلة، سيبقى رهينا بالقطيعة التامة مع منطق التدبير السلطوي، وفبركة النتائج الإنتخابية سواء بشكل مفضوح او مستتر.. لا يمكن استرجاع الثقة في العمل السياسي دون القطع مع هواجس التحكم في الخريطة الإنتخابية عن طريقة التقطيع الإنتخابي وهندسة التحالفات والالتفاف على شرطية التجديد الشامل للوائح الإنتخابية

4- إنهاء سطوة المال على العمليات الإنتخابية

آن الآوان لإنهاء سطوة المال على العمليات الإنتخابية وإن ما نشهده اليوم من تفكك وترهل للنخب الحزبية يعود في جانبه الأبرز لحضور المال بشكل غير منصف او مراقب خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة هذا فضلا عن تدخل بعض رجال السلطة في قلب موازين القوى وتفصيل الخريطة الإنتخابية على مقاس مجموعة من الوجوه الفاقدة للحد الأدنى من المصداقية والنزاهة من خلال إضعاف أحزاب سياسية بعينها مقابل النفخ في أحزاب أخرى.. كما أن الذهاب لاستحقاقات 2026 بنفس القوانين والتنظيمات والوجوه سيبقي دار لقمان على حالها وقد تكون له انعكاسات سلبية للغاية على مجموع الاوراش الاقتصادية والاجتماعية المفتوحة والمعول عليها تأهيل البلاد لربح رهانات التنمية والوحدة والسيادة الاقليمية..

5-  ضرورة إحداث انفراج سياسي وحقوقي

ختاما نذكر كل من يهمهم الأمر أن الفصل السابع من دستور المملكة يقر بأن وظائف الأحزاب السياسية تتمثل في تأطير المواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في تدبير الشأن العام، فأين نحن اليوم من كل هذا..!!؟ كما ان الفصل 11 من الدستور ينص على أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي وعلى تجريم المس بها.. أفلا يعد الصمت على ما يجري اليوم على هامش الانتخابات الجزئية في عدة مدن ومناطق بالبلاد مسا صريحا بهذه المشروعية..؟! إن استعادة الثقة في العمل السياسي ومصالحة المواطن مع السياسة يقتضي تقوية المؤسسات المنتخبة وتعزيز الأدوار الدستورية للأحزاب، وتشجيع المشاركة السياسية للشباب، إضافة إلى التخليق المستمر للممارسة الانتخابية، وفسح المجال للمواطنات والمواطنين للتعبير عن آرائهم وتقييمهم للسياسات الحكومية المتبعة والمساهمة في الاختيارات المستقبلية وإحداث انفراج سياسي وحقوقي والعمل على تقوية تموقع الأحزاب وإعادة الثقة للمواطنين في علاقتهم بالعمل السياسي. وللحديث بقية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.