0

ريحانة برس – محمد عبيد

في إقليم إفران وحيث “النشاط حتى شاط”هذه الأيام، ومن كثرة التغني بالانجاز العظيم لتنظيم مهرجانات، تفجرت بين سكان مدينة أزرو مع انطلاقة “مهرج المدينة” رائجة تقول ان عامل إفران أقدم على إلغاء تنظيم ,”مهرج مدينة إفران”، وأنه أعجب بتنظيم مهرجان أزرو فرخص لمنظميه بإضافة يوم آخر في عمر المهرجان الذي انطلق منذ الجمعة الأخير وينتهي يوم الاحد، وبالتالي تتفاخر به بعض مكونات المهرجان بآزرو لتمييع ثقافة السفاهة وميوعة الشأن الثقافي…(اللهم اجعله خيرا وسلاما!)… في وقت يتزاحم فيه المتفرجات والمتفرجون لقضاء حاجاتهم بجنبات حديقة مسجد النور، هذه المعلمة التي عانت هذه الليالي حديقتها ومحيطها من كثرة الفضلات البشرية لغياب على الأقل مرحاض عمومي… دون الحديث عن ما مورست بفضائها تحت الأنوار الضعيفة من رذيلة.

 كما أنه للاسف يسجل على البعض من فناني الأطلس المتوسط بالمدينة تباكيهم لإقصائهم من المشاركة في مهرج آزرو معتبرين انفسهم مايستروات الفن الأمازيغي الذين لا هوادة للاستغناء عنهم في هذه المهرج…

ويأتي هذا في وقت تذكرنا هذه الايام لمهرجانات محلية تدعي الاسهام في التنمية وما هي بذلك حين نتمعن في شكلها ومضمونها اللذين يفرزا لثقافة هز وحط ياوز، وتكليخ العقول.. خاصة عندما يغالط منظمو المهرجان الجمهور بادعاء انها مهرجانات ثقافية؟

يحشرون أنف الثقافة في كل عمل مائع ويتهافتون على التنظيم أو المشاركة باسم الفن والثقافة، وبذلك يحورون مفهومي سواء الفن أو الثقافة الحقيقيين؟!! خاصة عندما يفرز هذا عقلية عكس المفهوم الراسخ في ألاذهان للفن والثقافة…

منظمون يدرجون اسم الثقافة في كل المهرجانات المائعة التي لاتجد فيها الثقافة حيزا ضيقا من جحر الضب على مستوى الواقع الثقافي، باستثناء اسمها المكتوب بأحرف فضفاضة على خرق من قماش الأكفان البالية، المطلية بمادة مخدرة كالحبر تستدرج بريحها وسحرها كل من يبحثون في هذا المحيط عن روح الثقافة، حتى أوقع بالكثير من عشاقها المنخدعين باسمها في شراك الميوعة.

فمتى كان الرقص بحركة المؤخرات العارية ثقافة؟..ومتى كان الغناء بكلمات ساقطة فنا مرتبطا بالثقافة؟ ومتى كان الفسوق المكشوف والفواحش المفضوحة فنا ملتصقا بخواتم المعرفة؟ لماذا يريدون أن يصنعوا من الثقافة أفيونا، ومن الفنون عفونا، ومنهما الاثنين ميوعة تسود وجوه المثقفين؟… ترى متى يظهر في هذه المجتمعات المريضة مثقفون بمعنى الكلمة يغارون على هويتهم  فيصونون كرامتهم بنزع كلمة الثقافة من قواميس المتاجرين في الميوعة باسمها؟.. ترى ومتى يظهر في هذه الفضاءات الموبوءة فنانون ملتزمون يغارون على صفتهم فيحترمون انفسهم ليحترمهم جمهورهم؟

وإلى متى سيظل هذا الجمهور المستهدف في الأول والأخير، لايميز بين ما هو فن وماهو ثقافة؟ يهيم في كل واد ويضرب في كل مضرب، يميل مع كل الحركات ويهتز لكل الإيقاعات، يسير كالتائه المجنون ويحضر في فضاءات مسماة مهرجان ثقافي مكبا على وجهه نادبا، ويمشي في مواكب الجنائز راقصا طروبا، ليخالف بذلك كل التقاليد ويخرق كل الأعراف السائدة؟

. إلى متى سيظل هذا الجمهور لا يميز، إن كان يملك أداة للتمييز، بين ماهو صالح أو طالح؟ وبين ما هو باهت أو واضح؟ وماهو ثقافي أو فني؟ وبين ماهو لا ثقافي ولا فني؟

أليس للثقافة أصولا بينة تتقيد بها وقوعد ثابتة تتاسس عليها؟

ياسادة، وقد استفخلت ميوعة تنظيم مهرجانات كثيرا ما وقفنا خلالها على فنانة تغني أغنية “ذوق الحلاوة فين كاينة” ويتابعها الملايين، لباسها أيضا بالملايين، و إكسيسواراتها كذلك بالملايين..

فناناتنا الجليلات وفنانونا الأجلاء وهم كُثُر منهم يقطنون فيلا فاخرة ويمتطون سيارة فارهة، وقنانة… يلعبون بالملايين، بيد أن رجال الجامعات من الباحثين الكبار يقطنون إقامات خاصة برفع الضغط الدموي وتحريك غضب القولون العصبي ولا تتعدي حجم على السردين.

المثقف الجامعي لا يمكن إلا أن يملك شقة تؤدى عليها “طريطات” سنوات من العمر الذي يُستهلك في عذابات الدنيا باسم الثقافة والإلتزام الذي ينتهي إلى الوعي الشقي. واستناجا لكل الباحثين والملتزمين في وطني أهمس إن العلم لا يمكن عندنا إلا أن يكون شقيا، فالعلم الحقيقي يحتكره من يغني “ذوق لحلاوة فين كاينة “؟… وهذا السؤال يستعصي فهمه على كل من قرأ مقدمة إبن خلدون، لأن جيل المحظوظين يعرفون جيدا أن زمن المقدمة إنتهى وأن زمن المؤخرة قد بدأ.

 زمن يربح فيه العباقرة من أصحاب “إيني حا إيني حاحا” الملايين ويمتلكون السيارات الفارهة ويقضون الصيف في منتهى اللذة مساء صباحا في أفخم الفنادق بين عطور بلاد الغال ومع رقصات الرشيقات ذوات مقدمات أفضل مما أنتج صاحب العبر وديوان المبتدأ والخبر..

بيد أن المثقفين ببلدي في الغالب الأرجح يعانون من فقر الدم بدليل سحناتهم التي تعكس اصفرارا بيّنا وهشاشة العظام لدرجة أن كل أمراض العصر تجتمع لدى فئة هؤلاء المثقفين وخصيصا لدى الأساتذة.

كيف لا؟ ومِن الأساتذة من قضى عمرا كاملا في مهمة التدريس ولم يقضي ليلة واحدة في عمره بفندق خمسة نجوم، وبمجرد هفوة بسيطة تقام له محاكم التفتيش على مقاس الرعب في ظل الجحود بما قدم من تضحيات؟

فكيف لا؟ ومعظم المثقفين يقضون عطلتهم في شواطيء “لفوقية” و “لعباية” وسروال قندريسي وزيارة المقهى مرة واحدة في اليوم رأفة ب”الجِّيبْ”.

 هذا زمن وطن نجح بإمتياز في منح التافهين من المخنثين ومن المسترجلات الصدارة في كل شيء، حتى أصبحت الثقافة مرادفة ل”الزلط” والإلتزام مرادف ل”محتاج شي سلف”.

كيف لا؟ والسواد الأعظم من المغاربة لا يعرفون الثقافة إلا بذكر مذكرها ويعني “الثِّقاف”! ولا يقرؤون إلا “ورقة ديال الضوء وديال لما”!… ثم يعبرون فورا عن غضبهم من ارتفاع تكلفة الإستهلاك، ومعظمهم تحت عنف سياسات التنميط يقدس المدعو بالفنان الذي يغني في حضرة الجمهور الذي يتجاوز سبعين ألفا، والجميع يهتف باسمه العظيم الذي كسب لنفسه مكانة اعتبارية لدى الجميع بفضل “لكامانجا” و”الطر” و”الغيطة” و”التعريجة” و”البندير” التي تحرك عواطف الجمهور ليس بألحان موزار أو بيتهوفن؟! بل فقط بلحن لا يخضع لأية قوالب فنية سوى تحريض المؤخرات على الرقص.

المناضلون الكبار الذين يفكرون لقضايا الأمن القومي للوطن، فلا ينامون من أجل الصالح العام.. فيما ينتهج فنانات وفنانون منعطفا عنوانه مكر التاريخ في لحظة عصية عن الفهم وترتيب المنطق.

فيا أساتذة وطني، يا من قرأ لنيتشه ولفوكو ولسبينوزا ولدرويش ولعبد الرحمان منيف ولأمين معلوف وغيرهم من ضحايا الوعي الشقي تأكدوا أن العقل محنة، وأن محنة المعتزلة التي أرهقت المفكر المصري محمود إسماعيل صاحب الكتابات العميقة تتكرر الأن، حيث إن مدخل المحنة كما كان يؤكد إبن رشد ليس إلا امتلاك العقل في مجتمع سقف انتظاراته إشباع ما بين الفكين وما بين الفخذين!.. لدرجة أن كل المدن بوطني أضحت لا تستقطب غير مشاريع بناء المحلبات والمقاهي والملاهي وفق تلازم لازمة “كول وتقهوا و…”..

ومن أسف هذه حدود التنمية الثقافية في مجتمع لا تتجاوز فيه برامج التهيئة الحضرية إنجاز قنوات الصرف الصحي وربط المنازل بالماء الشروب بمنطق لا يتجاوز أدنى عتبة في هرم ماصلوا…

إن “العقل لا غرو عذاب” كما أكد أبو حيان التوحيدي الذي أغضبته استفزازات الغوغاء فأحرق كل كتبه وظل معتكفا يتجرّع مرارة استئساد القطيع واحتقار السلطة للعقل إلى أن مات في الخامس والتسعين من عمره..

ونحن هنا لسنا مع فكرة كون التاريخ يعيد نفسه، بل نحن بالأحرى مع تصور نيتشه للتاريخ في معرض قوله إن التاريخ يعيد نفسه أولا كسخرية وثانيا كمكر..

وفعلا نعيش لحظة مكر التاريخ تحت عنوان عريض مفادها أننا أصبحنا ضحايا الوجود تتقاذفنا أمواج المكر ونتيه من جراء هوس حزننا الكبير.

لقد تيقنت صادقا أن زمننا ليس زمن الفكر والثقافة والعقل، بل على نقيض هذا، زمن تواطأ فيه الجميع من أجل محاصرة العقل والإنتصار لمنطق المعدة وما بين الفخذين تلبية لجوع تاريخي يلازم التجربة الجماعية للأنا الجمعية المتشظية..

فنحن يقينا أمام كل مظاهر البؤس الممنهج على كل المستويات نعيش لحظة العار التي تجعل الشرفاء يتحملون وجع الإغتراب بين أهلهم وذويهم ضمن سياجات اللهو المتحكمة في كل ضوابط الأنا، والشرفاء يتحملون عناء التهميش بين جحافل الجياع فكريا والذين يقفون إجلالا لفناني “هز وحط ياوز”… و”ذوف الحلاوة فين كاينة؟”!!..

 هذا عنوان المرحلة و”الله ينعل بو لوقت” الذي جعل المثقفين أضحوكة، وجعل جحافل المنحطين فكريا أصحاب الحضوة والبريستيج… زمن يتلذذ فيه السطحيون ويتمتعون، ويعيش فيه المثقفون البؤس والحكرة والإقصاء وتجدهم مغتربين بين ذويهم.

كيف لا؟ وإعلامنا يستثمر الملايين من مال الشعب في برامج التفاهة الممنهجة كما هو حال إعلام لالة لعروسة وجزيرة الكنز وأفلام تركيا المتخصصة في تحويل المرأة إلى “كفتة” متحركة، وتحويل الرجل إلى نموذج لذكر مكبوت وجاهل وعنيف، مع موفور تقديرنا للجميع بصرف النظر عن الجنس.. كيف لا؟ ومواقع إلكترونية شاهدة هذه الايام على تمييع صور قلة الحياء ونقل مباشر واعداد لايڤات البالي وسهرات ازعجت البيوت الهادئة حيث اصوات الابواق لا تتوقف إلا عند وقت الفجر… وبالتالي تجد اصحاب الهواتف الذكية والان التصوير العدغبية تتهافت على ابواب الادارات والجماعة المنظمة من أجل التمني ببعض الاظرفة الكاتمة لكل كلمة حرة بالنبل آمنة.

هذا زمن تتحقق فيه التحالفات من أجل شرعنة العار وتكريس نمطية الإستهلاك حتى أن المستشفيات مثخنة بالمثقفين والشرفاء المصابين بارتفاع الضغط النفسي والهيستيريا والمرارة، في حين أن القيصاريات مملوءة بالمحظوظين الذين نجحوا في الإندماج في قوالب التفاهة وكل ما يملكون لا يتجاوز حدود “ذوق الحلاوة فين كاينة ” أو ” دور بيها يا الشيباني دور بيها $ دور بيها تخدم عليك وعليها”!؟..و “تخدم عليك” يعني ما يعني ضمن نظيمة “ثقافة ” المعي الغليظ وما جاوره من أمعاء أخرى.

لا يجوز إذن الإعتراف إلا بشيء واحد هو أن معظم المثقفين و اصحاب الضمير الحي في وطني ماتوا ب “الفقصة” أو ب “الحكرة” أو بالصمت اللعين وهم يتجرعون كؤوس خيباتهم بصمت قاتل.

ومع الٱسف نجحت ماكينة التدجين..

وعليه ختاما، هنيئا لكل من يتقن حمل الكمانجا أو لبندير او التعريجة او الطبل أو الغيطة…

وهنيئا لكل من تملك الأرداف، في سوق ثقافية مضمونها اللحم فحسب..

هنيئا ألف مرة، وهنيئا لنا بتمويت المثقف او الضمير الحي ودفنه حيا.

وهنيئا لنا باستئساد نخبة من الإنتهازيين الذين لا يكتبون جملة عن الشأن العام، فيستغلون الدولة فيراكمون الخيرات بتكتيك البحث عن موطيء قدم في مساحة الريع وقضي لغراض..

وهنيئا لنا بكل من يقضي عطلته بين ألحان الشطيح والرديح ولهمزة على حساب أهات المثقفين وعذاباتهم.

@ملحوظة هامة:النص مقتبس من نص مقال سبق نشره في موقع العاصمة وتم حجبه من بعد، استقيت منه ابرز الأفكار وبعض المواقف التي تبرز التفشي السارخ لميوعة ثقافة المهرجانات ككل، وأثرها على واقع الحياة المغربية التي تئن من وطأة استفحال هدر المال العام بمباركة من عدد من الجهات المسؤولة سيما على المستوى الترابي، حين يتم فرض المساهمات لتنظيم مهرجان إقليمي أو محلي، يوفر الملايير من الدراهم بالمقابل لا تصرف إلا الملايين لمغالطة الرأي العام ككل..

ويزيد الموقف غرابة عندما يتعمد بعض المسؤولين الترابيين واحيانا رؤساء بعض الجماعات الترابية بانتقاء او لنَقُل لتكوين جمعيات كوكوت مُشَكَّلَة على مقاساتهم ومن محيطاتهم إما الإدارية أو الجماعية، واسنادها فورا وصول ابداع قانوني دون الحاجة إلى انتظار زمن البحث والتحقيق الذي عادة ما يطلق على جمعيات او هيأت تنتظر اشهرا على الاقل التوصل بليداع مؤقت اما النهائي فعاليات ما يتاخر ولا يتم تسليمها الا بعد معاناة واستنكار… في حين تباشر الجمعيات المطبوخة على المقاس مهمة الإشراف على المهرجان، وبالمقابل تبقى الاغلفة المادية بين يدي المسؤول الترابي او الجماعي يفك خلال المهرجان منها ما يشاء دون الكشف فيما بعد عن تقرير مالي لما تم صرفه في المهرجان الذي اصلا هو من مال عام ماخوذ ومن ميزانيات الجماعات والمجلس الإقليمية وادعاء شراكة مع مؤسسة جهوية يكفيها ان يشار لها في الإعلانات العمومية ويُشْهَر إسمها فقط في إطار تبادل المصالح والمنافع.

مهرجانات إقليمية او محلية تطلبت توفير أغلفة، على سبيل الوقف مهرجان إفران الذي تم تجميع ماليته من ميزانيتي المجلس الجماعي (100مليون درهما) والمجلس الإقليمي(100مليون درهماا)؟ الى جانب مساهمات غير معلومة القيم من منعشين ومقاولين وأصحاب الصفقات العمومية والخدمات القطاعية، لتفوق الميزانية العامة للمهرجان الملايير…

المهرجان الذي لا تصرف فيه حسب ما يلاحظ على فقرات البرنامج وباقي المتطلبات العشرات فقط من الملايين!؟!! ولا حسيب ولا رقيب، ولا يهم يهتمون إن كانت هناك من عيون يقظة!؟..

 وفي وقت تئن فيه البنية التحية بهذه المناطق من ضعف وهشاشة بل يكثر التعاظم حين تكشف بعض المشاريع عن نوعية العقلية التي دبر بها انجازها تعري عليه ظروف طبيعية كما حصل مؤخرا بإقليم إفران حين تسببت عاصفة مطرية الخميس 10 غشت 2023 في تعرية واقع بناء قنطرة حديثة بمخرج آزرو تجاه جماعة سيدي المخفي (قنطرة بوحنّاش بالقرب من دوار آيت تاجر ، جماعة سيدي المخفي)… والتي تاثرت بسبب فيضان المياه وانجراف جوانب القنطرة بالتراب، وتسبب في عطالة حركة المرور بها… في وقت إفران وازرو تميعان لنشاطات هدر المال العام كان الاجدر أن تصرف بشكل جدي ومسؤول في مثل هذا الانجاز الذي فضح في زمانه ومكانه غياب الموضوعية في انجازه واشغال بنائه؟!! وفي وقت تغلب عليه تنمية من نوع اخر وبشكل فاحش لجميع أنواع الفنون والموسيقى المتمردة على عادات وأعراف المجتمعات والممانعة الدينية والثقافية، والتي تشكل تهديدا لتماسك المجتمع، وتخديرا لعقول الشباب عن القضايا الأساسية والاستراتيجية… وتهبط بالذوق والثقافة بدلا من ان تحصنه من الغزو الفكري والعولمة الثقافية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.