0

ريحانة برس- محمد عبيد

عندما يعرض المغرب ويعلن علناً عن طموحه المتمثل في القدرة على بناء طائرة محلية 100٪ بحلول عام 2030، فإن هذا لا يعني بالضرورة أنه يخطط ليصبح صانع طائرات بين قادة العالم، بل وأقل من ذلك للتنافس غداً مع كبريات شركات صناعة الطيران العاملية وأبرزها العملاقتين ”بوينغ”(Boeing) و”إيرباص”(Airbus).سيكون هذا خيالًا، أو حتى مدينة فاضلة. 

ومن المؤكد أن هذا يمكن القيام به، ولكن على المدى الطويل جدا. لكن الشيء الأكثر أهمية في مثل هذا النهج وتحقيق الهدف، ولو جزئيا، هو إعطاء مصنعي الطيران العالميين ضمانة الدراية والدليل على أن المغرب قادر على الوصول إلى المستوى التالي والنهائي في هذه الصناعة من خلال التحرك من مورد من الدرجة الثانية لقطع غيار الطائرات إلى حالة الشركة المصنعة للطائرات.

وهذا يعني، بالنسبة لقادة العالم، أنهم سيجدون الآن في المغرب منصة متكاملة حقيقية حيث يمكنهم ليس فقط التعاقد من الباطن على التصنيع، بل وتنفيذ سلسلة القيمة بأكملها بدءًا من البحث والهندسة والتصميم. وصولاً إلى المنتج النهائي، وهو الطائرات في هذه الحالة.

 وبالمناسبة، وهذا هو أهم شيء في هذه العملية، فإن علامة “صنع في المغرب” ستصبح حقيقة صناعية ذات مصداقية مع نتيجتها الطبيعية وهي خلق الثروة والإنتاج مع المزيد من محتوى البحث والتكنولوجيا، وبالتالي المزيد من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وأخيرًا، وظائف أكثر قابلية للحياة وذات قيمة مضافة عالية.

لم تكن لتكون قصة نجاح صناعة الطيران الوطنية ممكنة دون الرؤية الاستباقية والمتبصرة لصاحب الجلالة.

وقد شيد المغرب خلال المرحلة الأولى، التي انطلقت منذ تولي صاحب الجلالة الملك محمد السادس العرش، منصة من الطراز العالمي في وقت كان فيه الطيران – ولا يزال – حكرا على القوى الاقتصادية الكبرى. حلم عظيم كرس له المغرب كافة الوسائل لتحقيقه.

وبعد تجاوز عشرين سنة، لم تعد المنصة المغربية لصناعة الطيران بحاجة إلى تقديم نفسها حيث أضحى القطب التكنولوجي بالنواصر قبلة لكبريات الشركات الصناعية العالمية من أجل تحقيق نمو أفضل. نجاح باهر لدرجة أصبح فيها المغرب المصدر الرئيسي لإمدادات الطيران وقطع الغيار وأجزاء الطائرات على صعيد القارة الأفريقية.

ففي مرحلة مبكرة جدا، اختار المغرب وضع اقتصاده على مسار المهن العالمية ذات القيمة المضافة العالية على غرار السيارات والأوفشورينغ (ترحيل الخدمات).

لم يمض وقت طويل حتى احتشد الصناعيون والشركات العالمية الكبرى، مقتنعين ببراغماتية مغرب جديد ورغبته الحازمة في التحديث.

هذا هو حال كل من “سافران” (Safran) و”بوينغ” (Boeing) و”إيرباص” (Airbus) و”بومباردييه” (Bombardier) و”سابكا” (Sabca)، و”هيكيل” و”إياتون” و”ألكوا” و”ستليا”… على سبيل المثال لا الحصر، بصفتهم “الفاعلين الكبار” الذين اختاروا المغرب مقتنعين بالفرص التي تتيحها البلاد للمستثمرين…

وقد نجح المغرب في استقطاب هذه الشركات العالمية، وهي شركات توظف أطرا مغربية مؤهلة في عدد من التخصصات التقنية والهندسية.

هكذا اذن تكون صناعة الطيران المغربية قطعت، اعتمادا على خبرتها وحزم الفاعلين بها، شوطا طويلا وتتهيأ اليوم لدخول منعطف جديد في تاريخها.

ويتوفر المغرب حاليا على 142 شركة في مجال صناعة الطيران تؤمن أزيد 20 ألف منصب شغل، وتطمح وزارة الصناعة والتجارة إلى استقطاب شركات جديدة ورفع نسبة الإدماج المحلي في صناعة الطائرات.

وفي مجال التكوين، ساهم مخطط تسريع التنمية الصناعية في توسيع معهد مهن صناعة الطيران بالنواصر لتصبح قدرته الاستيعابية 1200 متدرب سنويا من أجل الاستجابة للطلب المتزايد على اليد العاملة المؤهلة من طرف القطاع. وتمت إتاحة الإمكانية لمقاولات صناعات الطيران للاستفادة من مساعدات مباشرة في مجال تكوين الموارد تبلغ قيمتها 60 ألف درهم للشخص الواحد.

ويهتم معهد مهن صناعة الطيران بتكوين أطر في 8 ميادين ذات قيمة مضافة عالية؛ مثل اللوازم التركيبية، وتشكيل المعادن، والتجميع، والهندسة، والتصميم، والأنظمة الكهربائية والأسلاك الكهربائية، وإصلاح المحركات، والقطع والتجهيزات، والصيانة والتحويل، وتعديل وتفكيك الطائرات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.