0

ريحانة بريس

لم تنجح حركة حماس فقط في إذلال جيش العدو وتركيعه عسكريا، وتركيع كل من يقف في صفه بالدعم السياسي والعسكري، بل تفوقت عليهم جميعا حتى في معركة الصورة، فإعلام القسام بإصداراته المرئية تمكن من تمرير رسائل مؤلمة جدا للصهاينة وللمتصهينين.
لكن الفيديو الأخير المتعلق بالمجندات الأسيرات فاق كل ما سبقه من الإصدارات من جوانب مختلفة:
فنيًّا: الإخراج احترافي بكل المقاييس، ولا يظهر على المجندات أي ارتباك يشي بتعرضهن لضغط أو تهديد ليقلن ما قلن، فلغة الجسد على الأقل تؤكد أن كلامهن خرج بعفوية وبثقة ظاهرة، مع ظهور أنيق بملابس نظيفة يوحي للمشاهد بأنهن في حال جيدة بيد المقاومة، ولا خوف عليهن إلا من الهلاك بالقصف الأخرق لرعاديد الجيش الذي لا يقهر.
سياسيًّا: تحمل كلمات الأسيرات سما زعافا لا شك أن كل المسؤولين الصهاينة -بدءًا من نتن ياهو- قد احتسوه لا هنيئا ولا مريئا، بما يحمله من إدانة لهم ولفشلهم الذريع وعجزهم الشنيع عن تحقيق أي نصر بعد أكثر من مئة يوم، باستثناء استهداف آلاف النساء والأطفال.
إنسانيًّا: ظهرت الأسيرات بصحة جيدة بعد قضاء أكثر من ثلاثة أشهر في الأسر، في ظروف صعبة حيث يتعرض كامل قطاع غزة لقصف صهيوني همجي غير مسبوق يحرق ويدمر كل شيء، ما يؤكد أن رجال المقاومة يحرصون بشدة على سلامة الأسرى، بل ويطعمونهم مما يطعمون، ويأوونهم في نفس المساكن حيث يرابطون، وهذا وغيره من صور المعاملة الحسنة أكده كل الذين أفرجت عنهم كتائب القسام في صفقة التبادل قبل شهرين، على عكس معاملة الصهاينة لأسرانا التي تتنوع بين التعذيب بالضرب والتجويع والحرمان من النوم.
لكن الرسالة الأقوى التي حملها الفيديو، والتي ستكون وبالا على حكومة نتنياهو الفاشلة، هي التحريض المباشر من الأسيرات للمجتمع الصهيوني على كل المنظومة التي تدبر شؤون كيان الاحتلال، بتعرية فشلها العسكري الذريع في حسم الحرب التي يُفترض أنها سهلة جدا كما أوهم ساسة تل أبيب مواطنيهم عشية ضربة السابع من أكتوبر، وكيف لا تكون سهلة وهي -في غرور الصهاينة الواهمين- مواجهة بين واحد من أقوى الجيوش عالميا، وعصابة من الإرهابيين المحاصرين منذ أكثر من 17 سنة، ولا يملكون من السلاح سوى خردة تجاوزها الزمن؟
رسالة أخرى لا تقل أهمية، بل قد تكون الأهم باعتبار شمول فائدتها للأمة الإسلامية بأسرها، وهي أن هذا الفيديو خاصة، وما سبقه من رسائل أسرى العدو عامة، يهدم كل سردية الغرب التي تمتد لقرون، والتي مفادها وحشية أمة الإسلام، وانتهاجها العنف والإرهاب وسفك دماء الأبرياء من سائر الأمم غير المسلمة، في سياق ترويج الكذبة الغربية الكبرى “انتشار الإسلام بالسيف”، فها هم الأسرى بالمئات في قبضة من يشيع أعداء الأمة عنهم أنهم وحوش متعطشون للدماء، ومغتصبون وقتلة لا يترددون في إيذاء من لا يدين بدينهم، ها هم يخرجون من الأسر سالمين غانمين! وتصريحاتهم بعد الانتقال إلى بر الأمان وسط ذويهم برهان لا يُرد وحجة لا تدحض، فقد أجمعوا على حسن معاملة رجال المقاومة لهم، وكشفوا في المقابل كذب حكومتهم وتلاعبها بأرواحهم واستهانتها بسلامتهم بهجماتها المدمرة التي سقط بسببها بعض الأسرى.
إنها قوة الحق التي قد تنهزم في بعض معاركها في مواجهة حق القوة، لا لضعف فيها أو عجز يفت عضد رجالها، ولكن لخذلان من قريب، وخيانة ممن يفترض أنه أخ حبيب، فوا أسفا على جيوش الأمة تخزن أسلحتها ليأكلها الصدأ، ولا تشهرها إلا لتفرغ ذخيرتها في صدور أبناء أمتها المنتفضين على سياسات الإذلال، المتطلعين إلى التحرر والتحرير، وإن حفنة من الرجال استطاعت تركيع جيش مدجج ومدعوم بجيوش لحجة على أمة تملك الكثير، وتستطيع تحرير مقدساتها واستعادة ريادتها لأمم الأرض بناموس السماء الأقوم، ولكنه وهن إيثار الدنيا والإعراض عن ساحات الرباط، أصابنا فأحالنا غثاء تستضعفنا حثالة الأمم، فها قد علَّمنا رجال المقاومة أن المجد والشرف وقهر العدو لن يكون إلا بلغة الرصاص، وأن الخُطَب في ميدان النزال هراء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.