تحقيق/ ميشليفن:الاستثمار المفقود في “الحفرة الكبيرة”، والحاجة الى تخطيط عقلاني لقطب السياحة

0

ريحانة برس- محمد عبيد

سنقف من خلال هذه الورقة البحثية في موقعنا الإعلامي الإليكتروني “ريحانة برس” على ملف أثار حوله الكثير من التساؤلات والنقاشات وأسال الكثير من مداد الحبر بخصوص محطة ميشليفن التزحلق بإقليم افران..

وقبل التطرق لواقع وتاريخ هذه المحطة، نستهل موضوعنا بالتذكير على أهمية الاستثمار السياحي ودوره في تحقيق تنمية مستدامة، نظرا لأهمية السياحة في التنمية الاقتصادية من خلال التطرق إلى واقع محطة ميشليفن بإقليم إفران التي ترتبط وجدانيا بقطاع السياحة وما له من دور في التنمية المستدامة والتي تعني بشكل عام الاستغلال العقلاني للموارد المتوفرة دون إسراف، حماية للمستقبل، بالإضافة إلى المعايير والمؤشرات المتبعة دوليا و كيفية تطويرها..

كما نتطرق إلى أهمية التنمية السياحة المستدامة من خلال التخطيط المتكامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية داخل الدولة ككل أو داخل أي إقليم تتجمع فيه مقومات التنمية السياحية من عناصر جذب طبيعية وحضارية.

فكما هو معلوم، يمتلك إقليم إفران مقومات سياحية طبيعية وحضارية وموروث تاريخي وتقليدي غني. إلاّ أن مساهمة القطاع السياحي في الاقتصاد الوطني تبقى ضعيفة مقارنة مع هذه الإمكانيات، ومن الأسباب التي حالت دون تطوير النشاط السياحي بإقليم إفران هو العجز الكبير الموجود في تدبير وتسيير المؤسسات الفندقية والسياحية، وغياب علاقتها الواضحة بمؤسسات ووكالات الاسفار حيث تكتفي هذه الاخيرة باعتبار إفران محطة عبور الى وجهات اخرى تجاه شرق او جنوب المملكة، وهو السعي الذي نتوخاه وراء هذه الورقة لتخطي هذه العراقيل، في وقت تعطي الدولة اهتمامًا كبيرًا للاستثمار السياحي الذي يعتبر من بين أهم الاستثمارات الخدماتية التي تعمل على تطوير القطاع السياحي، وهذا ما تجسد في الأولوية التي أخذها الاستثمار السياحي في المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية.

ولذلك يهدف هذا التحقيق الصحفي إلى ابراز مساهمة الاستثمار السياحي في تطوير و ترقية مناطق التوسع السياحي ككل من خلال الوقوف على وضعية الاستثمار السياحي ببلادنا المغرب.

علما ان أهم مكونات العقار السياحي حسب ما هو منصوص عليه في النصوص القانونية والتنظيمية المنظمة له تكمن في مناطق التوسع السياحي والمواقع السياحية، ولكي تكون كذلك لابد على السلطات تسخير كل الجهود من أجل إستثمارها، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال تهيئة سياحية لمناطق التوسع السياحي والمواقع السياحية والعمل على كونها خيار إستراتيجي من أجل تحقيق تنمية مستدامة للعقار السياحي ليصبح أداة لتحقيق التنمية السياحية، خاصة وما يزخر به المغرب عموما وإقليم إفران على وجه الخصوص، وهو الإقليم الذي أنعم الله عليه بخيرات طبيعية كان مأمولا أن يرتقي من السياحة التقليدية إلى صناعة السياحة الجبلية خاصة منها السياحة البيضاء، بتهيئة الأوعية العقارية وفق المعايير الدولية، لكسب العملة الصعبة وجلب المستثمرين وتوفير لهم المناخ الاستثماري المناسب لتحقيق تنمية مستدامة للمدن.

ويسجل المتتبعون والمهتمون بالشأن الرياضي الشتوي وخاصة فيما يتعلق بالتزخلق على الثلج (التزلج) الحاجة إلى وضع رؤية استراتيجية عالمية لتطوير وتعزيز هذا المجال خاصة ما يهم محطة التزلج ميشليفن، وتنظيم هذا الموقع الشهير من بين أبرز المحطات الجبلية في المملكة.

وأن ياخذ ذلك في الاعتبار، جميع الشركاء المعنيين بإدارة وتنظيم هذه المحطة، والعمل على تجهيزها بالمعدات الضرورية لممارسة رياضة التزلج، وتزويدها بالثلوج الاصطناعية على مدى السنة دون انتظار التساقطات الثلجية (في أحسن المواسم الممطرة) حتى تكون بمثابة قطب يمزج بين الرياضية والترفيه والمتعة والسياحة البيضاء.

إن المتتبع لواقع منتجع مشليفن للتزلج والجبل يتساءل: ألَمْ يحن بعد وقت الحد من اللامبالاة واللامسؤولية التي تتطلب اعتماد اساليب تتناسب كباقي مناطق مختلفة من بلدنا، وبشكل رائع لممارسة الرياضات الشتوية بشكل عام والتزلج على المنحدرات بشكل خاص، والتي تشهد نموًا هائلاً في كل مكان آخر؟

 نذكر بالمناسبة كذلك إلى أنه في الواقع وفي تاريخ هذه المحطة، وبأنه في المغرب، كان الأطلس المتوسط ​​أول من شهد تطور المتزلجين مع ولادة حركة مواتية لتطوير التزلج الألبي وإنشاء أول مدرسة للتزلج في المغرب خلال الموسم. حين نعلم أن متزلج فرنسي، (السيد ماليسيت)، طالب سابق في مدرسة ميجيف، هو الذي استطلع أراضي برج دوميرغي وجبل هيبري.

علاوة على ذلك، يجب أن نتذكر أنه على ارتفاع 2000 متر، يوجد تيزي نتغاتن (ممر الماعز) وميشليفن (جبل الصوف الصوفي) على الجانب الآخر من برج دومرقوي وهبري.. حقول ثلجية معروفة للجميع لفترة طويلة لدى المتزلجين في مناطق مكناس وفاس، وليس القول، من جميع مناطق المغرب… وهي منطقة تيزي نتغاتن الواقعة على بعد 11كيلومترًا من إفران والتي كانت الأولى في المغرب عام 1936 موضوعًا موجزًا ​​للتطوير مع إنشاء مسار حصى تم تنفيذه بواسطة وسائل المباني وإنشاء سيارة الحدائق وتشييد شاليه – ملجأ مع تركيب قفزة متواضعة للتزلج.

اليوم ، للأسف!، هذا التطور هو مجرد ذكرى لأنه، بعد التخلي عن حقول الثلج في تيزي لمنحدرات مكشوفة بشكل أفضل، واصلت الإدارة المحلية، المسؤولة سابقًا عن تطوير إفران، أعمال الوصول على مسافة 6 كيلومترات وراء الممر، لميشليفن.

في هذا الموقع ذو الجمال النادر للغاية، بنى نادي التزلج في إفران، في عام 1937، ملجأ شاليهات يضم غرفة مشتركة كبيرة وصالة نوم مفروشة، ومطبخًا صغيرًا ومراحيض.

على حافة غابة الأرز، منحدر لطيف للغاية، مناسب للتجارب وبدء المبتدئين، ينحدر إلى الملجأ بالقرب من شاليهات النادي، ولا سيما في مكان يسمى “الحفرة الكبيرة” لميشليفن، سيرك طبيعي شاسع، ومنحدرات أخرى شديدة الانحدار إلى حد ما؟!..

لكن إذا كان الموقع ساحرًا، فإن شعره الوحيد، كما قال الصحفي جاي إيفين، لا يمكنه الاحتفاظ بهواة متحمسين للتزلج هناك، لأنه كان من الضروري التفكير في تجهيز هذه المحطة.

ففي عام 1936 تم تنظيم أول مهرجان للثلج في إفران، بمناسبة ولادة نادي إفران للتزلج، والذي لا يزال ينظمه هذا النادي حتى اليوم أيضًا، والذي تم إنشاؤه في 10 أكتوبر 1936.

ولهذا السبب كذلك، في 5 ماي 1950، تم إحضار لجنة مؤقتة من المشتركين المحليين، بدعم من نقابة المبادرة وسياحة إفران ونادي إفران للتزلج، الذي جلب معه نادي التزلج لأزرو من فرنسا الشركة المصنعة المتخصصة في تصنيع مصاعد التزلج، السيد Pomagalski، للقيام، على الفور، بفحص متعمق لمشاريع المعدات الرياضية لمنتجعي ميشليفن وبرج دوميرغ.

 هكذا ولدت شركة Sports Ifrane SA، التي كانت شركة لتطوير السياحة والرياضات غير الهادفة للربح في منطقة إفران، في 18 يوليوز 1950 برأسمال 3.500.000 فرنك مقسم إلى 700سهم، قيمة كل منها 5000 فرنكا واكتتب فيها 105 مساهم.

من الواضح أن تطوير إفران، المنتجع الصحي، لا يهم الدولة فحسب، بل يهم أيضًا عددًا كبيرًا من الأفراد المقيمين في إفران والمنطقة، بما في ذلك أصحاب الفنادق وأصحاب المتاجر ورجال الأعمال، وليس أذكر جميع عشاق التزلج، نظرا الى الحاجة للتعاون الوثيق والشراكة بين الخدمات العامة والمبادرة الخاصة…

لسوء الحظ، في الوقت الحاضر، يعد منتجع التزلج والرياضات الجبلية أكثر من مجرد محطة تعيش حياتها متى جادت السماء عليها بتساقطات ثلجية… فهذه الحالة تفرز أن أعضاء المجالس البلدية المتعاقبين عبر التاريخ إلى اليوم لم يبدوا ولا يبدون أي اهتمام بإعادة تنظيم وتعزيز هذه الجوهرة من الرياضات الشتوية في المغرب.

ويذكر أنه كان أن ظهرت خاصة قبل حوالي 20سنة من الآن بعض المشاريع بغرض تزويد منتجع ومحطة ميشليفن بالثلج الاصطناعي للتزحلق، لكنها لم تظهر للوجود! لحد الآن؟؟؟

وبحسب معلومة مفيدة من أحد ابناء مدينة افران، فإنه في سنة 1990 فكرت شركة كندية في بناء منتجع سياحي، غير أن الحكومة المغربية لم تف بالتزاماتها، فتخلى الكنديون عن المشروع.

وفي سنة 1991 كان أن حلت بإفران مجموعة سييرا نيفادا الإسبانية، وهي مجموعة تمتلك قناة تلفزية وطائرات هليكوبتر ومحطة للتزحلق على الثلج، وسبق لها ان نظمت كأس العالم بنجاح بحضور العاهل السابق ملك اسبانيا خوان كارلوس، والتي حلت بافران بهدف إقامة استثمار هائل يعود بالنفع على كل المنطقة، كانت الفكرة هي تحويل محطة مشليفن لوجهة عالمية، وذلك بتوفير الثلج الاصطناعي وجعل المحطة وجهة عالمية على امتداد فصول السنة وليس فصل الثلج وحده… حلوا بإفران يحملون التصميم الجديد للمحطة… يتذكر المتهمون والمتتبعون لهذا الشان، ان الحاملين لهذه الفكرة قدموا معززين بآلات تمتص الماء وتنفثه جليدا، فأقاموا التجربة بجزيرة الحب وكانت ناجحة.

والمشروع الثاني كان في سنة 2004 لشركة مغربية أن فكرت في بناء مشروع، إلا أن عراقيل حالت دون ذلك… بالرغم من انها كانت قد أعلنت نيتها في تنفيذ المشروع في سنة 2006.

كما أن المتتبع لواقع محطة ميشليفن يذكر ان منتجع ميشليفن للتزلج والجبل كان أن سجل به في 2016 مع أول تساقط للثلوج في موسم 2016-2017 ، بدء تشغيل مصاعد التزلج المثبتة آنذاك على المنحدر الأسود حيث رفع مصعد التزلج الكبير والمنحدر الأخضر لمصعد التزلج الصغير، بحضور رئيس الجامعة الملكية المغربية للتزلج ورياضات الجبل الذي اشرف تنفيذ اتفاقية شراكة متعددة الأطراف بتعبئة تمويل قدره 17،850،000.00 درهم.

اتفاقية الشراكة، لنتذكر، تم التوقيع عليها من قبل عامل إقليم إفران -بصفته رئيسا للجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية- من جهة وشركائه الذين يمثلون على التوالي: ممثل وزارة الشباب والرياضة بإقليم إفران، ورئيس الجماعة الترابية لمدينة إفران ، ورئيس الجامعة الملكية المغربية للتزلج والرياضات الجبلية، ونادي التزلج إفران وجمعية مشليفن للتنمية السياحية، والمتخصصين في تأجير معدات التزلج من ناحية أخرى، وتعلق الأمر بإنجازات مشروع التخطيط والتطوير لميشليفن منتجع التزلج بما في ذلك وفوق كل شيء: تطوير وتجهيز مستوصف وغرف رعاية الطوارئ بسعر 200.000.00 درهم من قبل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وإنشاء 16 كشكًا مخصصًا لتأجير معدات التزلج والرياضات الجبلية مع غرفة مخصصة لذلك… تزلج نادي إفران مدرسة تزلج وكافيتريا بمبلغ 1،650،000.00 درهما بتمويل من مجلس جماعة إفران، لشراء مع تركيب مصاعد تزلج جديدة (مصاعد تزلج) بمبلغ إجمالي قدره 16.000.000,00درهما بتمويل من وزارة الشباب والرياضة.

في هذا الإطار نفسه للجهد الهادف إلى تعزيز وتطوير السياحة البيضاء بشكل عام والشتاء والرياضات الجبلية بشكل خاص في هذا المنتجع الجميل للتزلج والجبال في ميشليفن، حيث كان أن شرعت وزارة الشباب والرياضة في أعمال التطوير والإرشاد الخاصة بشباب ميشليفن، ومركز استقبال بميزانية تزيد عن 200مليونا وقد زادت طاقته الاستيعابية من 30 إلى 50 سريرًا.

في أعقاب جهود التطوير والترويج الرئيسية هذه، لم يبق نادي التزلج في إفران مقيدًا لأنه شرع أيضًا في تطوير وتجهيز ملاذ الشاليه الذي تم بناؤه منذ عام 1939 في منتجع تزلج مشليفن… وتم تنفيذ هذا المشروع من قبل هذا النادي الرائد للتزلج على جبال الألب الوطنية بالشراكة مع اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في إفران بميزانية قدرها 327000 درهما بما في ذلك المعدات.

ومع كل هذه الاستثمارات وهذه الجهود الكبيرة التي تم بذلها من مختلف الجهات والفعاليات لتطوير السياحة البيضاء والترويج لها وممارسة التزلج والرياضات الجبلية في منتجع مشليفن الجميل هذا، نرى اليوم للأسف مع الكثير من المرارة والقلق، كإعلان غير معلوم لاستقالة الدولة وفقدان الحماس لديها لرفع الغبن عن هذه المحطة التي تجد نفسها بسببها في وضع حزين نتيجة لغياب الإرادة واستحضار العقلانية وفرض العقلنة لإشعاع أكثر فاعلية ومثمر سواء رياضيا او سياحيا..

إن اللا مبالاة التي يعيش عليها منتجع التزلج والجبل اليوم تتطلب من كل من المجلس الجماعي لإفران والسلطات الإقليمية وكل الجهات المختصة، وكذلك التجار وأصحاب الفنادق في المنطقة، التفكير مليا في استثمار هذه المعلمة لتكون قطبا سياحيا ممتازا يستقطب هواة التزحلق على مدار السنة وليس انتظار شهور التساقطات الثلجية وان تجود السماء بالثلوج؟

مع وضع ذلك في الاعتبار، يجب وضع رؤية استراتيجية عالمية لتطوير وتعزيز هذا المنتجع الجميل للتزلج والرياضات الجبلية في المملكة ومناقشتها من قبل جميع هؤلاء الشركاء المعنيين بإدارة وتنظيم الموقع.

لقد حاولنا في هذا التحقيق الصحفي توضيح أهمية مناطق التوسع السياحي والمواقع السياحية بإقليم إفران ارتكازا على محطة ميشليفن من خلال دراسة تحليلية انطلاقا من مختلف المقومات السياحية التي يتمتع بها الاقليم وكذا دور هذه المناطق في تحقيق التنمية السياحية. ولنخلص إلى أن صناعة السياحة في إقليم لا تزال تعرف الركود والتأخر، وأن السياسة المتبعة ليست بمستوى الإقليم كواجهة سياحية، رغم الإمكانات التي تتمتع بها هذه المنطقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.