0

عبد النبي الشراط – ريحانة برس

“هذا المقال ليس تاريخياً بالمعنى الدقيق للتأريخ، وإنما محاولة لتسليط الضوء على مرحلةٍ هامةٍ من مراحل تطور الفكر الشيعي”
ثانيا: التشيع الصفوي
إطلالة على التاريخ: التشيع منبته عربيٌ أصيل وخالص، وقد تعرضنا في المقال السابق لنشأة التشيع، وكيف اختص به علي دون غيره من الصحابة، ولم يكن التشيع يوماً ما فارسياً/ إيرانياً.
موطن التشيع الأول في مكة والمدينة، وتطور بعد موقعة الجمل ثم انتقل إلى العراق مع وفود علي إليه في زمن خلافته، ولم تكن فارس/ إيران تسمع بالتشيع حتى. وبعد قرون خلت أضحت إيران هي الدولة الشيعية الوحيدة في العالم..كيف حدث ذلك؟
في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي بدأت فكرة تشيع إيران مع مجيء الملك إسماعيل الصفوي ولكن ما هي الأسباب؟
في تلك الحقبة كانت السلطنة العثمانية تحكم أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي وبعض دول أوربا،باسم الإسلام السني، وبالطبع كانت فارس تحاول أن تتخلص من الإزعاج العثماني، وكانت بين الدولتين صولات وجولات عسكرية، وكان محور الصراع هو العراق (كما يحصل الآن بطريقة أو بأخرى) كانت إيران سنية المذهب وكان أهلها يعتمدون المذهبين الشافعي والحنفي، ومع مجيء الشاه إسماعيل للسلطة مطلع القرن الخامس عشرأعلن إيران دولة تدين بالمذهب الشيعي الجعفري الإثنى عشري، وكان لهذا القرار ثمناً باهضاً دفعه المواطنون السنة الذين خيروا بين أمرين: التشيع أو الموت، ولكي يفرض النظام مذهبا معينا على شعبه فإن هذا النظام يحتاج إلى قرارات صارمة ومواجهات ساخنة، وهكذا بدأت عمليات القتل والذبح والتهجير في صفوف كل من يرفض الإذعان لقرارات النظام الصفوي في إيران التي كانت تدين بالمجوسية واعتنق أهلها الدين المحمدي بلا مقاومة تذكر، لأن الفرس في الغالب أذكياء ويستعملون العقل، ولذلك فإن اعتناقهم للدين الإسلامي كان سلسا، لكن في حالة فرض مذهب معين فإن الأمر يختلف..
قبل ذلك كان إسماعيل الصفوي قد قضى عقدا من الزمن تقريبا ( 1501/1508) في الحروب والمعارك استولى خلالها على خراسان الكبرى وغزا تبريز وأرمينيا، وفي سنة 1504م كان قد تمكن من السيطرة على جنوب غرب إيران، وكانت الأسرة الصفوية التي ينحدر منها إسماعيل شاه الأول قد تأسست على قاعدتين:
الأولى، العرق الفارسي. الثانية، المذهب الشيعي الجعفري(الذي شوهوه وحرفوه). ولعل السبب الرئيس وراء قرار الشاه إسماعيل فرض المذهب الشيعي هو التميز عن الدولة العثمانية السنية التي كانت تتمتع حينئذ بقوة عسكرية قوية جدا، وكانت سلطتها تمتد من آسيا الوسطى غربا، إلى أوزباكستان شرقا، وبسبب الصراع الطويل بين الأتراك والفرس، كان لابد من التميز، وكان المذهب الشيعي النظيف الحلقة التي كانت مفقودة لدى حكام الفرس السابقين، ولكن إسماعيل هذا كان أذكاهم وأشدهم بطشا وعدوانا، بالتالي خلق هوية جديدة للإيرانيين في عهده..لكن الذين دفعوا فاتوراة هذا التغيير هم المسلمون السنة، إذ قُتلوا وشُردوا وعُذبوا ودمرت مساجدهم وصودرت أملاكهم وتم تحويلها لفائدة بناء مؤسسات شيعية جديدة.
ولعل الكثير من المتشيعين العرب، وضمنهم المتشيعين المغاربة طبعا، والذين يدينون بالولاء لإيران بدل الولاء لأوطانهم لا يعلمون أن الشاه إسماعيل هو من أجبر خطباء المساجد على لعن الخلفاء الثلاث: أبو بكر وعمر وعثمان، فضلا عن السيدة عائشة زوج النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.على اعتبار أن هؤلاء اغتصبوا الخلافة، وهذا موضوع آخر.
إيران أو فارس خلال هذه الحقبة لم يكن بها علماء دين شيعة ولا ملالي ولا حجة الإسلام،، لأن معتنقي المذهب الشيعي في إيران كانوا قلة، وكانوا يعيشون مع السنة جنبا إلى جنب وبلا مشاكل تذكر، وهكذا اضطر الشاه إسماعيل إلى جلب علماء وفقهاء شيعة من بعض الدول العربية ضمنها لبنان، حيث وفر لهم الحياة الرغيدة والأموال وكل شيء، مقابل نشر معالم المذهب الجديد.
احتلال العراق:
لعل التاريخ يعيد نفسه بطريقة أو بأخرى، ففي سنة 1508م استولى الشاه على بلاد الرافدين بشكل هادئ جدا، مستغلا عاطفة شيعة العراق الذين أغراهم ووعدهم بكل ما يطلبون، وفي المقابل كانت جيوشه تدمر مؤسسات السنة ضمنها المساجد، وعمد إلى تدمير مرقد الشيخ الجيلاني (الكيلاني) ومرقد الإمام أبي حنيفة النعمان وقام الجيش الصفوي المحتل بطرد عائلة الشيخ الجيلاني من العراق.
علما أن العراق في تلك الفترة كان يخضع للحكم العثماني.
بهذه الطريقة الوحشية تم فرض المذهب الجعفري المزيف على إيران والعراق وكافة الأقاليم التي احتلها الشاه الجديد، ولذلك فإن الخميني كان ملما جدا بتاريخ الدولة الصفوية التي سعى لإحياء مجدها من جديد خلال ثمانينيات القرن الماضي، ولذلك أعلن تصدير ما سماه بالثورة الإسلامية لدول الجوار وتحديدا الدول الخليجية، وما يليها..ولا فرق بين أسلوب الشاه إسماعيل والخميني في موضوع فرض التشيع المزيف بالقوة على الآخرين.
ومع استتباب الأمر لإسماعيل الذي سعى إلى إدخال بدع وهفوات على مذهب آل البيت الذي تم تشويه معالمه الروحية والحضارية وأضحى مذهبا إيرانيا خالصا لا علاقة له بالشيعة والتشيع، وهو ما نراه اليوم من طقوس وممارسات وخرافات وخزعبلات لا تمت بصلة للمذهب الشريف، وتتجلى هذه الطقوس والخرافات ما نراه من لطم على الصدور، ومشي على الأقدام في ذكرى عاشوراء أو في أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، ثم بدعة وجوب الصلاة على التربة الحسينية.
في المقال القادم نتطرق إلى هذه الخرافات التي أضحت جزءً أساسيا من مذهب نظيف تمت السيطرة عليه بالقوة وتم فرض نسخته المزيفة بالقوة، وهدفنا هو أن يعود التشيع سليما معافى كما كان أول مرة..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.