0

ريحانة برس – محمد عبيد
يطلع علينا كل يوم بلاغ عن توقيف على الأقل مروج مخدرات،،، وإن كانت السلطات الأمنية تقوم بما يمليه عليها واجبها في إطار مكافحة المخدرات، فهل مثل هذا الإجراء كافي للإعلان عن حرب شاملة تفضي للقضاء على هذه الظاهرة؟ وهل هو كفيل لإنقاد جيل من المدمنين لكل أنواع السموم الرائجة في المجتمع؟
إن التحديات المتعلقة بالمخدرات هي من أكبر المشاكل التي يواجهها مجتمعنا المغربي لما لها من آثار واسعة النطاق على الصحة والأسر والمجتمع، وكذلك الأمن والتنمية المستدامة..
ويرى مهتمون ومتتبعون أن من أبرز أسباب الإدمان على المخدرات لدى الشباب الفراغ والبطالة وعدم الوعي بأضرارها على الصحة.
فهل الجهود التي تبذلها الدولة كافية لمكافحة الإتجار بالمخدرات لحماية الشباب من هذه الآفة؟
وما الوسائل التي وضعتها الحكومة لمساعدة المدمنين على الإقلاع عن المخدرات؟
لماذا يقبل البعض على الترويج او تعاطي المخدرات رغم علمهم بمخاطرها؟
هل يمكن القول بأن الحرب لمكافحة الإدمان وتوغل ترويج السموم وسط المجتمع من مخدرات وأقراص وما شابهها والتي تخوضها الدولة هي معركة خاسرة ضد انتشار المخدرات والترويج لها؟
من خلال القراءات التالية ونظير ما يسجل من تفشي بشكل ملفت لانحرافات في أوساط المجتمع سيما منه الشبابي والمتمدرس إذ كل أنواع السموم من مخدرات وأقراص مهلوسة وقرقوبي وماء الحياة وشيشة أضحت تقض مضجع الضمائر الحية بالوسط المجتمعي، مستنكرة ما يطال هذه الظواهر المشينة من جهل من قبل كل الدوائر المسؤولة على أمن وصحة وحياة ورعاية المواطن، ومستغربة من أن هذه السلوكيات لن تكون قطعا قائمة في غفلة من عيون اليقظة•؟؟؟• وأنها  ليست بالأمر الخفي على العديد من أصحاب القرار بالبلاد الذين منهم من يقر بوجود هذه الآفات المضرة، نقف على بعض المواقف التي سبق وان وقفنا عليها كذلك أنه ذات مناسبة وفي دردشة مع مسؤول امني – لم يعمر طويلا بمدينة ازرو- ، وعلى إثر مقال حول انتشار المخدرات بالمدينة، كشف لنا أن ابنه المتمدرس بالثانوية الوحيدة آنذاك، أشعره بأن أكثر من نصف المتمدرسين والمتمدرسات يتعاطون للتدخين وأنواع المخدرات بالثانوية دون ارتباك ولا هم يحزنون.. وفي فرصة اخرى، فتيات أخريات حدثتنا على أن القربوبي والأقراص المهلوسة تفعل فعلتها داخل الفصل للتشويش على الأساتذة والراغبين في التمدرس دون أن يحاول أحد ردع هذه السلوكيات.. وفي إحدى المرات كنا نمر بباب مؤسسة تعليمية إعدادية بإفران، (عند الساعة 10 صباحا) عاينا 3 متمدرسين يتوسطهم زميل لهم يحمل قارورة الشيشة وهم يلجون المؤسسة كأنهم يلجون حانة..
ففضلا عن عن هذه الوقائع، و استنادا إلى ما سبق ذكره من إصدار تقارير شرطية توزع يوميا على مختلف المنابر الإعلامية معلنة عن توقيف أحد مروجي السموم، فإن تقارير اخرى تطلع علينا من جهات مسؤولة عن واقع وآفة السموم المنتشرة في الوسط الاجتماعي بالمغرب، كالتقرير الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في إطار إحالة ذاتية ظاهرة الإدمان في المغرب… والذي استعرض فيه التعاريف الدولية للإدمان، وتناول تنوع أشكاله، ونطاق انتشاره ومدى خطورته في المملكة، واقترح جملة من التوصيات المتعلقة بالحماية الاجتماعية، والصحة العمومية، وطب الشغل، وتحيين الإطار القانوني من أجل الارتقاء بجهود الوقاية من المخاطر المرتبطة بهذه الظاهرة المجتمعية وتقليصها وإرساء حماية أفضل من تداعياتها النفسية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والمالية، سواء على الأفراد، وخاصة الشباب، أو على المقاولات والمجتمع بصفة عامة.
كما كشفت أرقام تخص دراسة وطنية أعدتها خلال السنوات الأخيرة وزارة الصحة مع المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد عن واقع مخيف حول إدمان المخدرات في المغرب خاصة منها القوية أن نسبة 4٪ من المغاربة هم مدمنون لأنواع مختلفة من الكحول ، بينما تصل نسبة مدمني القنب الهندي وأنواعه إلى 1.4٪ من المغاربة، فيما انه هناك  نسبة 6٪ لمستهلكي باقي أنواع المخدرات.. و يشير مجموع النسب إلى أن 11,4٪من المغاربة مدمنون مخدرات وكيف وكحول..
هاته الأرقام لا تشمل في المقابل أفواجا من متعاطي مخدرات جديدة غير معلوم وجودها، كما أن الرعاية الصحية لا تتوفر لنسبة كبيرة من هؤلاء المدمنين.. فحسب آخر رقم صادر عن وزارة الصحة لشهر مارس الأخير، فإن 8 آلاف مدمن هروين هم فقط الذين يمكن رعايتهم صحيا من طرف وزارة الصحة..
ويرجع هذا الأمر إلى ضعف عدد مراكز معالجة الإدمان أمام ارتفاع تكلفة العلاج بالنسبة إلى المدمنين خاصة منهم من الطبقة الفقيرة، بالمقابل يزداد الوضع سوء بدخول موجات جديدة من المخدرات، إذ أن الحبوب الجديدة التي أصبح التعاطي إليها أكثر انتشارا تعمق أمراض الهلوسة والفصام وهو ما تفسره فضاعة الجرائم المرتبطة باستهلاكها مثل الجرائم ضد الأصول والاغتصاب والوحشية ..
وليست بلادُنا استثناءً عن هذه الوضعية، حيث تكشف دراسة مختلف مظاهر الإدمان أنها ظاهرة متفشية ومتعددة الأشكال في عدد من الدول العربية…
وإن كان المغرب أكثر الدول العربية سمعة لانتشار هذه الظاهرة، وذلك بناء على أحدث المؤشرات والمعطيات المتوفرة هذه الوضعية المثيرة للقلق:
يُقَدَّرُ حجم تعاطي المواد ذات التأثير النفسي والعقلي بـ 4.1٪ من عدد المستجوبين في إحدى الدراسات، ويناهز الاستهلاك المفرط للمخدرات والإدمان عليها 3٪، كما يقدر الإفراط في استهلاك الكحول بـ2٪ والإدمان عليها بـ1.4٪، ويُقَدَّرُ عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات عن طريق الحُقَن بـ18.500 شخصا، مع تسجيل معدل انتشار مرتفع في صفوف الأشخاص المصابين بالإلتهاب الكبدي “C (٪57)”،وكذا بداء فقدان المناعة المُكتسَبة (11.4٪).
فيما يوجد في المغرب كذلك زهاء 6 ملايين من المدخنين، منهم نصف مليون من القاصرين دون سن 18 سنة.
ويمارس ما بين 2.8 إلى 3.3 مليون شخص ألعاب الرهان، علماً أن 40٪ منهم معرضون لخطر الإدمان على اللعب.
هذا الى جانب تنامي الاستخدام الإدماني للشاشات وألعاب الفيديو والأنترنت في بلادنا، وخاصة في صفوف المراهقين والشباب.
وتنجم عن كل هذه السلوكات الإدمانية انعكاسات خطيرة على الأشخاص المعنيين بها في سلامتهم النفسية وصحتهم الجسدية… كما أنها تشكل في الوقت نفسه، بالنظر لتكاليفها الباهظة وانعكاساتها التي قد تكون وخيمة جدا، معضلة حقيقية تلقي بظلالها على توازن العلاقات بين الأفراد وأسرهم وعلى دخلهم ومواردهم المادية، وعلى الوضعية الصحية والنفسية للمجتمع ككل، وبالتالي تكون لها تداعيات سلبية على إمكانات وديناميات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا.
هذا وسبق أن دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى الاعتراف بالإدمان كمرض ينبغي التكفل به وتغطية مصاريف علاجه.. كما أنه أشار في هذا الصدد بأن العالم يشهد تنامياً للسلوكات الإدمانية، سواء تلك المرتبطة باستخدام مختلف المواد ذات التأثير العقلي والنفسي (التبغ، السكر، الكحول، المخدرات، وغيرها)، أو بممارسة أنشطة تنطوي على خطر إدماني كبير (ألعاب الرهان، ألعاب الفيديو، الأنترنت وغير ذلك).
فلقد بات أمر التعاطي لهذه المادة المسمومة أمرا عاديا وبكل ترحاب في مقاهي لفئة عريضة من الشباب سيما منهم المتمدرسون والمتمدرسات بالإعداديات والثانويات الذين يلتفون حول طاولة وهم ينفخون في أنابيب شبيهة بالأفعى…
أصوات المواطنين المستنكرين تطالب بالضرب بيد من حديد على أيدي المخربين سماسرة الفساد وبالطرق التي يخولها القانون بتفعيل مقتضيات الميثاق الجماعي الذي ينص على اختصاص الجماعة بالحفاظ على الأمن الصحي للمواطن (المادة 50)..
وإن كان عدد من المواطنين يقرون بهذا الإجراء الأخير لمكافحة الإدمان، وعلى الرغم من وضع القطاع الحكومي المكلف بالصحة لاستراتيجية وطنية لمكافحة الإدمان، تهم الفترة ما بين 2018 و2022، فالسلوكات الإدمانية لا تحظى لحد الآن بالقدر الكافي من الاعتراف والتكفل بها من قبل هيئات الحماية الاجتماعية والتعامل معها بوصفها أمراضاً رغم إدراجها في قائمة منظمة الصحة العالمية.
وعلاوة على ذلك، كون السياسات العمومية في هذا المجال تظل غير كافية، في ظل هيمنة المقاربة الزجرية المرتكزة في محاربة الإدمان على إطار تشريعي متقادم ولا يوفر الحماية.
وبناءً على هذا التشخيص، فمؤخرا اقدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على تقديم جملة من التوصيات، نذكر منها:
* الاعتراف بالإدمان، سواء باستخدام مواد مخدرة أو ممارسة إدمانية، بوصفه مرضا يتطلب علاجا قابلا من الناحية القانونية للتكفل به من طرف هيئات الضمان والتأمين الصحي والحماية الاجتماعية.
* مراجعة الإطار القانوني المنظم للتغطية الصحية وتحيينه، بما يُمَكِّن من توضيح طبيعة اضطرابات الإدمان والتحديد الدقيق لتصنيفاتها المعتبرة أمراضاً تتطلب علاجات.
* مراجعة القانون الجنائي، بما يسمح من جهةٍ بالتطبيق الممنهج للمقتضيات القانونية التي تمنح متعاطي المخدرات الحق في الخضوع للعلاج، ومن جهة أخرى، العمل على تشديد العقوبات ضد شبكات الاتجار في المخدرات والمواد غير المشروعة.
* توجيه نسبة ثابتة من مداخيل الدولة (10٪) التي يتم استخلاصها من الأنشطة المشروعة التي قد تسبب الإدمان (التبغ، الكحول، رهانات سباق الخيول، اليناصيب، الرهانات الرياضية) نحو العلاج والبحث والوقاية. والجدير بالذكر أن هذه المواد والخدمات تحقق رقم معاملات يبلغ أزيد من 32 مليار درهم، أي ما يمثل نحو 9٪ من المداخيل الجبائية للدولة و3٪ من الناتج الداخلي الإجمالي.
* الاعتراف القانوني باختصاص علم الإدمان وبالشهادة الجامعية الممنوحة في هذا المجال واعتماد الأنظمة الأساسية للمهن المرتبطة بهذا الاختصاص (المعالجون النفسيون، والمعالجون المهنيون، وغيرهم)، وذلك بما يُمَكِّن من تعزيز الموارد البشرية العاملة في هذا الميدان.
* تعزيز موارد المرصد المغربي للمخدرات والإدمان والعمل على التتبع والنشر المنتظم للمعطيات المتعلقة بانتشار الإدمان على المواد ذات التأثير العقلي والنفسي والإدمان على أنشطة معينة وأشكاله وآثاره وطرق التكفل به.
* إطلاق مخطط وطني للوقاية من الإدمان ومكافحته في الوسط المهني.
* إحداث هيئة وطنية للتقنين التقني والأخلاقيات ومراقبة أنشطة المؤسسات والشركات العاملة في مجال ألعاب الرهان، وذلك من أجل الوقاية من السلوكات الإدمانية والتصدي لها.
* تعميم الولوج إلى العلاجات البديلة للمواد “الأفيونية” على مستوى جميع المؤسسات السجنية وضمان إمكانية الولوج إلى العلاجات لفائدة أي شخص مدمن يبدي رغبة في ذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.