كارل ماركس على حق: الدين أفيون الشعوب؟ الحلقة الثانية

0

الدكتور محمد وراضي – ريحانة برس

    أكدنا في الحلقة الأولى من هذا الموضوع أن هذا الفيلسوف لم ينشأ مسلما، وإنما نشأ وتربى في وسط مسيحي، إلا أنه كفر بالدين الذي نشأ في وسطه، واعتبره أفيونا، يقدم إلى جمهور المصدقين بما يمليه عليهم القساوسة المشرفون على تدبير شأنه ونشره.

وهؤلاء دعاة مقدسون مقربون من الله الذي هو المسيح ذاته، بينما المسيح عليه السلام بريء مما يدعون. يكفي أن يصل جهلهم بما جاء به إلى حد أنهم مقابل مبالغ مالية يبيعون العفو من الذنوب بإسقاطها، بل يبيعون، أو يشترون حتى الدخول إلى الجنة، بناء منهم على دين محرف مشوه.

   فقبل ماركس، وبعد نزول القرآن بقرون، يقول فولتير: “أخذ كل من الكنيسة والآباء المقدسين على عاتقهم أن يجعلوا الديانة المسيحية أقل تماسكا، إلا أنهم هم الذين يدعوننا إلى الإيمان بالثالوث الأقدس، الأمر الذي يشكل سانحة لمجادلات دامية، ولكن لا توجد كلمة واحدة عن ماهية هذا الثالوث لا في التوراة ولا في الإنجيل، إنما تبحثه مؤلفات الأفلاطونيين الحديثين، وهم الذين يعرضون قانون الإيمان على أنه المبدأ الذي أملاه الحواريون (أصحاب عيسى). ولكن هذا النص لم يدون إلا في عهد جيروم، أي بعد انقضاء أربعمائة سنة على وفاة معاصري يسوع المسيح. وهم الذين يؤكدون عصمة المجامع المقدسة عن الخطأ (ما اجتمعت عناصرها لاتخاذ قرارات لا يمكن أن تكون خاطئة). ولكن هذه المجامع على غير وفاق”.

    غير أن القرآن قبل فولتير وقبل ماركس يقول: “لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وما من إله إلا إله واحد”. ويقول سبحانه: “لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم”. ويقول عز وجل: “ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام (…) قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم”.

    مع التأكيد على أن ما ادعاه المسيحيون بخصوص الألوهية كذبه الله وفضح أمره، واعتبره منطقيا تطرفا عن الحق المبين لا حد له. وها هو الدليل الواضح الصريح على أنهم أفاكون: “قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل”.

    وكون المسيحيين يعتبرون سيدنا عيسى إلها، يقول تعالى: “يا عيسى ابن مريم آنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟ قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق، إن كنت قلته فقد علمته، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك. إنك أنت علام الغيوب. ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم. وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد”.

    مع الإشارة إلى أن من المسلمين من سلكوا نفس مسلك غلاة المسيحيين في الألوهية والربوبية وكيفيات التعبد، إلى حد أنهم شوهوا الدين بكذبهم على الله وعلى رسوله. وهذا من الأفاعيل الشنيعة لمعروفين بشيوخ الطرق الصوفية. والذين لم يغفل الله سبحانه عن ذكر المصير السيء الذي ينتظرهم يوم القيامة، هم وأتباعهم أم مريدوهم على حد سواء. ففي سورة “البقرة” قوله تعالى: “إذ تبرأ الذين اتبعوا (= شيوخ الطرق) من الذين اتبعوا (المريدون) ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب. وقال الذين اتبعوا ( المريدون) لو أن لنا كرة (عودة إلى الدنيا) فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا، كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار”.

    فلماذا يصبح هؤلاء المريدون أو الأتباع المصدقون لما يدعيه شيوخهم الصوفيون من أهل النار؟ لأن شيوخهم هؤلاء ضالون. فبعضهم كالتجاني يدعي أن النبي ص أخبره أن من صلى عليه باسم “صلاة الفاتح لما أغلق” مرة واحدة يحصل على أجر من قرأ القرآن وختمه ستة آلاف ختمة؟؟؟ وبعضهم كالبوصيري صاحب “البردة” يزعم أنه لولا رسول الله ما خلق الله العالم، ففي بردته يقول: “لولاه لم تخرج الدنيا من العدم”. وبعضهم يدعي إحياء الموتى كأبي العباس السبتي، وعلي الدرقاوي والد محمد المختار السوسي، صاحب سوس العالمة وحاسرتاه. فضلا عما ادعى منهم أنه لا وجود في العالم إلا الله، وأن المخلوقات جميعها صور مصغرة له سبحانه حسب مسمى “نظرية الحلول والاتحاد”؟ إلى آخر ما أثبتناه في مختلف مؤلفاتنا من بدع مشينة مرفوضة، انطلاقا من كتابنا “عرقلة الفكر الظلامي الديني للنهضة المغربية”. أما تقديس مسمى الأولياء الصالحون فينظر إليهم عندنا في صور من صور العبادة، وبرعاية من الدولة، مما يؤكد كون ماركس على حق حين يقول “الدين أفيون الشعوب”، يقصد الدين المسيحي كما يفهمه القساوسة والراهابين، وبالمثل ديننا، كما يفهمه الشيوخ المتصوفون الكذابون؟؟؟ 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.