كتاب “موسى والتوحيد” لبوهندي كتاب إيديولوجي وليس أكاديمي

  • الكاتب : محمد سعيد: باحث في مقارنة الأديان
  • بتاريخ : 8 مارس، 2025 - 21:17
  • ريحانة برس

    هذه القراءة المتباينة هي لكتاب “مصطفى بوهندي” الموسوم ب”موسى والتوحيد: أكثر من 200 إضافة نوعية قرآنية على سفر الخروج”، والتي هي عبارة عن ورقة تحليلية نقدية لما أتى بهذا الكتاب، وقد قمنا بطرحها في رحاب كلية الادب بن مسيك، جامعة الحسن الثاني في (2 ماي 2019) أمام طلبة شعبة الدراسات الإسلامية بنفس الكلية.

     فهذا السفر، أي سفر “الخروج”، الذي أخده الكاتب كمادة للدرس النقدي، أتى باللغة العبرية باسم “حوميش شيني” وتعني الثاني من الخمسة كما يدعوه اليهود، وأيضاً يسمى “إله سيموت” أي “وهذه أسماء”، فبواسطة الخروج أنشأ الله له شعبا (خروج 4 : 22)، وتبنى إسرائيل ليكون ابنه البكر، ونشيد موسى يصور هذا العمل باستخدامه للفعل “قنا” بالعبرية، الذي تفسيره أنشأ أو أبدع، فيقول: “أليس هو أباك و مقتنيك، هو عملك و أنشأك” (التثنية 32 : 6)، و”يقيمك الرب لنفسه شعباً مقدًساً كما حلف لك إذا حفظت وصايا الرب إلهك، وسلكت في طرقه” (التثنية 28 : 9).

    لقد ابتدأ الكاتب تصديره لهذا الكتاب بفقرات كتابية من الإنجيل، وأية قرآنية تتفق بعدم زوال كلمة الله (ص 9)، مع العلم أن هذا الكتاب يتكلم عن مراجعة قرآنية نقدية، وإضافة نوعية تسترجع الأبعاد الرسالية لسفر الخروج حسب الكاتب (ص 11) -فكيف لنا أن نتفق مع هذا الكتاب الذي يدعي بأنه يضيف ويسترجع ما غاب بالمتن التوراتي؟ وكيف نسلم بنقده ما دام صاحبه حصر الكتاب المقدس عند البروتستانت في سبعة وستين سفرا، مع العلم أنها ستة وستون فقط؟ (هذا خطأ فادح لباحث متخصص في مقارنة الأديان).

     فكيف نصدق من وقع في هذا الخطأ الجسيم الذي استدركه عند تنبيهنا له في الطبعة الثانية؟

     إن هذا الكتاب يتحدث عن أكثر من 200 إضافة نوعية قرآنية على سفر الخروج (ص 12)، ولكن عند قراءة محتوياته بكل تمحيص سيجده القارئ مجرد محاولة لهدم ما لم تستطع أساطين النقد العالي من هدمه علميا وكتابيا.

    ففي الفصل الأول (ص 17 – 28) الذي عنونه ب”قابلتا العبرانيات وامرأة فرعون”، يقول الكاتب: “أن الحاخام الإسرائيلي انتزع فضلا ونسبه إلى بنات شعبه من امرأة فرعون”، دون أن يحدد لنا هذا الفضل، ودون أن يذكر لنا اسم هذا الحاخام الإسرائيلي (ص 19)، وأيضاً إذا استتبعنا القراءة في نفس الصفحات (ص 19 – 20)، نرى أن الكاتب تحدث عن نفي القرآن أن يكون الفرعون المصري، أمر القابلتين بقتل الأولاد باستشهاده بآيات قرآنية لا تفيد هذا المعنى، وهما سورة القصص (4) التي تقول: “إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم، يذبح أبناءهم ويستحًيي نساءهم، إنه كان من المفسدين”، وسورة غافر (25) التي تقول: “فلما جاءهم بالحق من عندنا، قالوا اقتلوا أبناء الذين أمنوا معه واستحيوا نساءهم، وما كيد الكافرين إلا في ضلال”، وهذا لا ينفي بالضرورة ما أتى بسفر الخروج عن أمر الفرعون بقتل الذكور من العبرانيين عند كل ولادة من طرف القابلتين، إذ يقول سفر “الخروج” في الإصحاح الأول، الفقرتان (15 – 16) “وكلم ملك مصر قابلتي العبرانيات اللتين اسم احداهما شفرة واسم الأخرى فوعة، وقال: “حينما تولدان العبرانيات وتنظرانهن على الكراسي إن كان ابنا فاقتلاه وإن كان بنتا فتحيا”.

    الإضافة الرابعة من هذا الكتاب بالصفحة (ص 20 – 21)، عنونها “مصطفى بوهندي” ب”نفي نسبة الإيمان وخوف الله إلى القابلتين”، دون تعليل بآيات من القرآن، لكنه في الإضافة الخامسة (ص 21 – 22) نفى الكاتب أن الله صنع لقابلتي العبرانيات exposition the bible بيوتاً، إذ اعتمد على ما قدمه اللاهوتي “جون جيل” في كتابه التفسيري “عرض الكتاب المقدس”، تفسيره لكلمة بيوت المذكورة بسفر الخروج، مع العلم أن ما قدمه هذا اللاهوتي لا يتعارض مع ما جاء بسفر الخروج، لكن ما حدى بالكاتب أن يقحم هذا التفسير، هو إيهام القارئ بأن هناك خلل تفسيري عند المسيحيين واليهود في فهمهم لكلمة “بيوتا” التي أتت في سياقها الكتابي بسفر الخروج، الإصحاح الأول، الفقرة (20 – 21) “فأحسن الله إلى القابلتين ونما الشعب وكثر جدا، وكان إذ خافت القابلتان الله أنه صنع لهما بيوتا”، ودليلنا على ذلك ما أتى به الكاتب في الإضافة السابعة والتاسعة والعاشرة (ص 24 – 28) من كتابه بقوله، أن البيوت التي صنعها الله هي بيوت بالجنة، وليس بمصر الفرعونية، إذ سألت زوجة الفرعون الله أن يبني لها بيتاً بالجنة حسب الآية القرآنية التي تقول: “رب ابن لي عندك بيتا في الجنة، ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين” (سورة التحريم 11)، مع العلم أن السياق الكتابي يتحدث عن القابلتين وليس عن زوجة الفرعون أو ابنته، هذا من جهة، ومن جهة ثانية كلمة “بيوتا” تعني نسلا أو ربة بيت، أي أسرة لهاتان القابلتان، ولا تعني بيوتا بالجنة، حسب ما أتى بسفر الخروج، وأيضاً حسب الترجمات المعتبرة، سواء باللغة العربية أو الإنجليزية للكتاب المقدس، إذ نقرأ في الكتاب المقدس باللغة العربية* “وإذ خافت القابلتان الله أثابُهما نسل” 1، وأيضاً في ترجمات أخرى بنفس اللغة العربية نقرأ: “فجعل كل واحدة منهما ربة بيت” 2، أما ترجمة “شهود يهوه” والتي لا يعتبرها المسيحيون البروتستانت والكاثوليك كترجمة معتبرة للكتابات العبرانية، فقد أكدت على أن الله أتاهما عائلات، إذ تقول هاته الترجمة: “وكان إذ خافت القابلتان الله أنه رزقهما عائلات” 3، وأما بالترجمة الإنجليزية، فنقرأ هاته الترجمة he gave them familes،فالكاتب تكلم عن رد الاعتبار لزوجة فرعون حسب السياق القرآني، مع العلم أن سفر الخروج يتكلم عن ابنة الفرعون وليس زوجته (سفر الخروج 2 : 5 – 9) 4، ثم أن القراءة التوراتية هي سرد للأحداث، ولم تتكلم عن ابنة الفرعون بشيء يحط من قيمتها الإنسانية، لكي نقول أن القرآن أعاد الاعتبار حسب رأي الكاتب لزوجه الفرعون، فهناك خلاف ما بين سفر الخروج والقرآن في الشخصية التي أنقدت موسى من الموت المحقق، وليس هناك أي خلاف في رد الاعتبار من عدمه، فالقس “أنطونيو فكري”، يشرح “أعطاهم الله بيوتا”، أي أعطاهم أولاد وأزواجا، وفي النص العبري، أنه: صنع لهم (يهم) بيوتا، ويأتي بالضمير في الجمع المذكر الغائب ، وأحيانا يستخدم جمع المذكر للتعبير عن المؤنث في اللغة العبرية، لكنها تأتي بالسبعينية: صنعتا لأنفسهما “بيوئا” أي عائلات، وتتفق الترجمة القبطية مع السبعينية 5.

    خلاصة: ابن بطوطة نقل معارف عن الصين كان العالم يجهلها في وقته، إضافة إلى نقل معارف عن الكنيسة القبطية وعن الأقباط إلى المغرب، وأيضاً “الحسن بن محمد الوزان” الذي درس اللغة العربية بالفاتيكان، أما “مصطفى بوهندي” فقد نقل الأكاذيب بسرقاته الأدبية من هنا وهناك، فكتابه ليس كتاب أكاديمي بل كتاب كاذب.

    المراجع:

    *الكتاب المقدس باللغة العربية، أقصد به هنا ترجمة van dayk

    1 –الكتاب المقدس / ترجمة فندايك لسنة 2005 (ص 66) الطبعة الأولى، مكتبة المنار / القاهرة، أنظر أيضا التفسير التطبيقي للكتاب المقدس / الصادر سنة 1997 (ص 131) عن شركة ماستر ميديا / القاهرة.

    2 –الكتاب المقدس حسب الترجمة العربية المشتركة / 1996 (ص 68)، جمعية الكتاب المقدس بلبنان.

    3 –الكتاب المقدس ترجمة العالم الجديد / الصادر سنة 1984 (ص 91).

    4- quest study bible / copyright 1994 published by zondervan. And bible english new international version (niv) published by zondervan 1997

    5 –سفر الخروج: الترجمة السبعينية للكتاب المقدس بالمقارنة مع النص العبري والترجمة القبطية / إعداد الراهب “إبفيانوس المقاري” -دير القديس أنبا مقار.

    ملاحظة

    مقال الرأي لا يعكس الخط التحريري للموقع ، وإنما يعكس رأي صاحبه

    محمد سعيد: باحث في مقارنة الأديان، عضو سابق بالمكتب التنفيذي لمركز الدراسات والأبحاث الإنسانية (2015 –2023) / البيضاء