ريحانة برس – الرباط
في ظل تنافس الشركات العالمية على تقديم خدمات الإنترنت بأسعار تنافسية، تبرز حالة فريدة من نوعها في السوق المغربية. شركة اتصالات المغرب، التي تُعتبر الفاعل الرئيسي في قطاع الاتصالات بالمملكة، تثير تساؤلات اقتصادية حادة بعدما طرحت خدمات الألياف البصرية في دول إفريقية مثل ساحل العاج بأسعار أقل بكثير مما تقدمه في المغرب. هذا التفاوت الكبير بين الأسعار في الداخل والخارج يفتح الباب لنقاشات أعمق حول سياسة التسعير التي تنتهجها الشركة وأثرها على الاقتصاد المغربي.
عند النظر إلى الأسس الاقتصادية التي تقف وراء سياسات التسعير للشركات، من المتوقع أن يكون هناك اختلاف في الأسعار بين الأسواق المختلفة بناءً على عدة عوامل، مثل تكلفة البنية التحتية، القدرة الشرائية للمستهلك، وحجم السوق. ولكن في حالة اتصالات المغرب، يبدو أن هناك فجوة غير مبررة بين ما يُقدَّم للمواطن المغربي وما يُقدَّم للأسواق الإفريقية. لماذا يدفع المواطن المغربي سعراً مرتفعاً مقابل خدمات الإنترنت، بينما يحصل المستهلك الإفريقي على خدمة أفضل بسعر أقل؟
من منظور اقتصادي، يمكن تفسير هذه الفروقات برغبة الشركة في التوسع في الأسواق الإفريقية، حيث تتمتع بفرص أكبر للنمو والاستحواذ على حصص سوقية جديدة. ومع ذلك، هل هذا التوسع يجب أن يكون على حساب المستهلك المغربي؟ وهل يعكس هذا توجهاً نحو إهمال السوق المحلية لصالح الأسواق الخارجية؟
السياسات التسعيرية المرتفعة لشركة اتصالات المغرب تؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمغاربة. في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام، يمثل ارتفاع أسعار خدمات الإنترنت عبئاً إضافياً على الأسر المغربية، التي تعتمد بشكل متزايد على الاتصال الرقمي في حياتها اليومية. وبالنظر إلى أن قطاع الاتصالات يُعدّ من القطاعات الحيوية التي تساهم في دفع عجلة الاقتصاد وتحسين الإنتاجية، فإن رفع الأسعار دون تحسين الجودة يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي المحلي.
إضافة إلى ذلك، يؤثر ارتفاع الأسعار على تنافسية الاقتصاد المغربي على الصعيد الدولي. ففي الوقت الذي تفتح فيه الحكومة أبواب الاستثمارات الأجنبية وتحاول تحسين بيئة الأعمال، قد تنعكس هذه السياسات سلباً على جهود التحول الرقمي في المغرب، ما يُضعف جاذبية البلاد كوجهة استثمارية.
من الأسباب المحتملة لهذا التفاوت السعري هو غياب المنافسة الحقيقية في السوق المغربية. ورغم وجود شركات أخرى تعمل في قطاع الاتصالات، إلا أن اتصالات المغرب تحتفظ بحصة الأسد، ما يتيح لها القدرة على فرض أسعارها دون مواجهة ضغوط تنافسية حقيقية. هذه الحالة تعيد فتح النقاش حول مدى فعالية دور الجهات التنظيمية في حماية المستهلك وضمان تحقيق التوازن في السوق.
وفي المقابل، تُظهر العروض المقدمة في دول إفريقية أخرى أن اتصالات المغرب قادرة على تقديم خدمات بأسعار تنافسية وجودة عالية، ما يطرح السؤال: لماذا لا تنعكس هذه القدرة على السوق المغربية؟ هل المواطن المغربي أقل استحقاقاً للحصول على خدمة متميزة بأسعار معقولة؟
في ظل هذه المعطيات، يبدو من الضروري أن تعيد اتصالات المغرب النظر في استراتيجيتها التسعيرية داخل المملكة. النمو الاقتصادي المستدام لا يتحقق فقط من خلال التوسع في الأسواق الخارجية، بل يتطلب أيضاً الاهتمام بتعزيز الرضا لدى المستهلك المحلي. فالسوق المحلية ليست مجرد وسيلة لتمويل التوسع الخارجي، بل هي الأساس الذي تقوم عليه سمعة الشركة واستمراريتها.
على الشركة أن توازن بين التوسع الدولي والمسؤولية الاجتماعية تجاه مواطنيها. تحسين جودة الخدمة، وتقديم أسعار تتناسب مع القدرة الشرائية للمغاربة، يمكن أن يسهم في دفع عجلة التحول الرقمي في المغرب ويعزز من تنافسية الاقتصاد المحلي.
في النهاية، يجب أن تكون الأولوية لأي شركة وطنية هي تلبية احتياجات السوق المحلية بشكل عادل وفعال. فالمعادلة الاقتصادية التي تتبعها اتصالات المغرب حالياً قد تكون مربحة على المدى القصير، لكنها قد تؤدي إلى تآكل الثقة لدى المستهلك المغربي، ما يؤثر على سمعة الشركة مستقبلاً. الأسواق الخارجية قد توفر فرصاً كبيرة للنمو، ولكن النجاح الحقيقي يكمن في تحقيق التوازن بين الربح والمسؤولية الاجتماعية.