في أحدث التصريحات الصادرة عن الرئيس السوري، يُمنّي بشار الأسد نفسه بتحوّل في الصراع الدائر منذ ثلاثة أعوام لصالح قواته، بل ويستعد لترشيح نفسه من جديد
في أحدث التصريحات الصادرة عن الرئيس السوري، يُمنّي بشار الأسد نفسه بتحوّل في الصراع الدائر منذ ثلاثة أعوام لصالح قواته، بل ويستعد لترشيح نفسه من جديد رئيسا للبلاد، لكنه لم يحدِّد بالضبط ما هي سوريا التي سيواصل حُكمها أو التي سترجّح قواته كفّة الميزان فيها لصالح النظام.
روبرت فورد
وكانت صحيفةswissinfo.ch السويسرية قد قامت بإجراء سلسلة من المقابلات للتوصل إلى توقعات جادة حول مستقبل الأوضاع في سوريا قامت خلاله بتوجيه سؤال “لروبرت فورد”، السفير الأمريكي السابق في سوريا عما إذا كانت سوريا ستخرج من هذا الصراع دولة موحدة دون المساس بوحدة أراضيها، فقال إنه الهدف الذي تصبو إليه الولايات المتحدة والدول العربية والمجتمع الدولي، ولكن ليس كل ما يتمنّاه المرء يُدركه، حيث “يبدو أن الدولة السورية تنهار بالتدريج، فيما تواصل الأطراف الإقليمية دفع مقاتلي المعارضة السورية الذين تؤيِّدهم لمواصلة القتال، رغم عدم قُدرتهم على حسْم الصراع، فيما يبدو النظام عاجزا عن استخدام القوة العسكرية في استرجاع مناطق، مثل الرقة ودير الزور أو ترجيح كفّته على الأرض؛ بدليل لجوئه لتكتيكات العصور الوسطى في الحصار والتجويع لقوات المعارضة.. والنتيجة المتوقّعة، هي أن سوريا ستتحوّل إلى كانتونات يُسيطر النظام السوري فيها على دمشق وضواحيها وحتى جنوب حلب، ومدن ساحلية مثل اللاذقية وبانياس وطرطوس، بينما تفرض كل جماعة من جماعات المعارضة المسلحة والمتنافسة سيْطرتها على المناطق التي أخرجتها من قبضة النظام.
السفير فورد أشار أيضا إلى أن انقسام جماعات المعارضة السورية المسلّحة على أسُس عقائِدية وطائفية وفشلها في طمأنة الأقليات التي يعتمد عليها النظام، كالعلويين والدروز والمسيحيين ونخبة رجال الأعمال السُنّة “يغذّي سيناريو التقسيم ويمدِّد عمر نظام بشار الأسد”. كما نبّه فورد إلى أن أيّ تلويح أمريكي باستخدام القوة في سوريا، دون استعداد حقيقي لاستخدام الخِيار العسكري “سيُـقوِّض مصداقية الولايات المتحدة“.
سيناريو دعم المعارضة لتغيير الواقع
ديفيد إجناشيوس
في الأثناء، وبسبب الضغوط السعودية من أجل حثّ إدارة أوباما على بذل جهود حقيقية لتغيير الواقع على أرض سوريا، أعدت وكالة المخابرات الأمريكية برنامجا جديدا لمساعدة جماعات المعارضة السورية المعتدِلة، وفي هذا السياق، كشف المحلِّل السياسي الأمريكي المشهور ديفيد إجناشيوس النِّقاب عن بعض تفاصيل برنامج المساعدة الأمريكي الجديد للمعارضة السورية، الذي قال إنه يستهدِف إرسال رسالة واضحة للرئيس الأسد، الذي بات يعتقد أنه ينتصِر، مفادها أنه “لا يوجد حلّ عسكري للصراع”، حيث أشار إلى أنه:
–سيتِم تقديم التدريب الأمريكي لمقاتلي المعارضة السورية في معسكرات في كل من قطر والأردن وشمال السعودية بواقع 600 مقاتل كل شهر.
–ستُشرف المخابرات الأمريكية على البرنامج الجديد وتوسّع نطاق البرنامج الذي تديره حاليا.
– تواصِل إدارة أوباما بحْث ما إذا كان يتعيَّن أن يكون للقوات الخاصة الأمريكية وعناصر عسكرية أمريكية أخرى دور في التدريب، وهو ما تفضِّله المعارضة السورية.
– تريد المملكة العربية السعودية الحصول على إذْن من الولايات المتحدة بتزويد المعارضة السورية بصواريخ مضادّة للطائرات، لوقف هجمات طيران النظام السوري على أن تشمل الدّفعة الأولى خمس منصّات إطلاق.
– سيتِم التأكّد من خلفيات المقاتلين أثناء التدريب، لاستبعاد مَن تكون لهم صِلة بالتنظيمات المتطرِّفة، ووافقت المملكة العربية السعودية على استِبعاد أي مقاتلين سبَق لهم الانضِمام إلى تنظيمات أحرار الشام وجبهة النصرة وداعش.
–وافقت قطر على وقف تمويلها لمنظمات تُعرف باسم الجبهة الإسلامية، بعد أن تبيَّن وصول التمويل لعناصِر تنتمي إلى تنظيم القاعدة
آن باترسون
غير أن هذا السيناريو محفوف بمخاطر نبَّهت إليها السفيرة آن باترسون، مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأوسط، فقالت: إن الولايات المتحدة تتّفق مع دول مجلس التعاون في أنه لا مكان للرئيس بشار الأسد في مستقبل سوريا السياسي، ولكنها تختلف مع دول المجلس في سُبل التعامُل مع الحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ ثلاثة أعوام، وشرحت ذلك بقولها: “لقد أصبحت تلك الحرب بُؤرة اجتِذاب لمقاتلين متطرّفين يمارسون العنف، أتى عدد منهم من بعض دول الخليج أو تلقّوا تمويلا منها أو من أفراد في دول مجلس التعاون الخليجي، ويسعى هؤلاء المقاتلون إلى إقامة ملاذ آمن للإرهابيين في سوريا ويشكِّلون تهديدا للعراق، وبالتالي يمكن أن يشكِّلوا خطرا حقيقيا في المستقبل على دول الخليج، لذلك يجب على دول المجلس اتِّخاذ موقف موحَّد لتجفيف منابِع تمويل المقاتلين المتطرفين”، على حد قول السفيرة.
السيناريوهات السبعة المتوقعة
وبغَضّ النظر عمّا إذا كانت إدارة أوباما ستلقي ببعض من ثقلها في أتون الحرب الأهلية السورية التي قد تستمر حسب البعض لعشرة أعوام أم ستواصل التردّد وانتظار ما ستئول إليه على أرض الواقع، يرى سيث كابلان، المحاضر بجامعة جونز هوبكنز والمتخصّص في دراسات الدول الهشّة، أن هناك سبعة سيناريوهات لن يخرج عنها مستقبل سوريا بعد الصراع الدموي المتواصل وهي:
انتصار الأسد: مع أنه سيناريو محتمل بالنظر لاستمرار روسيا وإيران في دعمه وتدخّل مقاتلي حزب الله لمساعدته في القتال ضد المعارضة- فإنه يبدو صعْب المنال؛ نظرا لعجز قوات النظام عن استِعادة الأراضي التي فقدتها في الشمال والشرق.
انتصار المعارضة المعتدلة: ويتطلب هذا السيناريو وقف المساعدات من إيران وحزب الله وإقناع العلويين بأنهم سيكونون آمنين إذا تخلّوا عن أسلحتهم وتزويد قوات المعارضة المعتدِلة، مثل الجيش السوري الحر بتفوق نوعي يمكِّنها من بسط نفوذها على مساحات أكبر في سوريا، بحيث تديرها دون رغبة في الانتقام ممّن خسروا أمامها. ويرى السيد كابلان أن هذا السيناريو صعْب التحقيق، نظرا للانقسام الشديد في صفوف المعارضة المعتدِلة وتغلغُل جماعات متطرِّفة في مناطق تسيْطر عليها المعارضة المعتدلة.
انتصار المعارضة المتطرفة: وسيؤدي مثل ذلك السيناريو إلى أجواء من التطرّف وأعمال الانتقام، التي ستُسفر عن موجة أكبر من نزوح اللاجئين السوريين هرَبا من تطرّف ميليشيات منضوية تحت لواء تنظيم القاعدة، حيث سيجد ملايين السوريين من العلويين والمسيحيين أنفسهم مضطرِّين للهرب إلى تركياولبنان.
سيناريو العقدة المستعصية: وهو السيناريو الأكثر احتمالا لدى السيد كابلان، الذي يبرر ذلك بقوله: “يعجز طرفا الحرب الأهلية السورية عن السيطرة على مُعظم أنحاء البلاد حتى الآن. فإذا تمكّن أيّ من الطرفيْن من إحراز مكاسِب رئيسية، فسيلجأ الطرف الآخر إلى تعزيز قُدراته العسكرية بالاستِعانة بالخارج، بحيث يمكنه استعادة ما فقد، وبالتالي، قد يقتنِع طرفا الصِّراع بأنه لا يمكن حسْم الموقف عسكريا وأنه لا بد من التفاوض بجدية للتوصّل إلى حل سياسي“.
سيناريو تفكيك سوريا: إذا امتد أمَد الحرب الأهلية السورية وبقِي الوضع على ما هو عليه، فإن نظام الأسد مدعوما بالعلويين وكثير من المسيحيين السوريين وبعض من النّخبة السُنية القديمة- سيحتفظون بسيطرتهم الحالية على منطقة دمشق وضواحيها ومُعظم المنطقة الساحلية المُطلّة على البحر المتوسط، وستساندهم إيران وروسيا، التي تحتفظ بقاعدة بَحرية لها في طرطوس. ووفقا لهذا السيناريو، يتوقّع السيد كابلان أن يُسيطر السُنّة السوريون على مساحة مُماثلة من أراضي سوريا، تمتد من الشمال الغربي وحتى الحدود مع العراق، بما في ذلك شمال حلب، وستحظى المنطقة بمساندة دول كالسعودية وقطر وتركيا،فيما قد يحاول أكراد سوريا السَّعي للاستقلال في الشمال الشرقي أو تشكيل تحالُف مع أكراد شمال العراق.
سيناريو الصراع الإقليمي: وتزيد احتمالات هذا السيناريو، إذا امتد أمَد الحرب الأهلية السورية واتّسع نِطاقها في شكل صراع سُني- شيعي من خلال تطرّف سُنّي داخل العراق ولبنان، يدفع بالمنطقة كلها إلى عُنف طائفي وتناحُر مذهبي، قد يشمل أكثر من خمسين مليونا من المسلمين في منطقة الهلال الخصيب.
سيناريو الفوضى: ويُـشبِّه السيد كابلان هذا السيناريو بما حدث من قبل في الصومال، إذا تواصل الصراع وامتدّ أمَد عجْز الدولة عن بسط سيطرتها، حيث ستنشَأ فئة من تجّار الحرب وزعماء الميليشيات المسلّحة وتصبح لهم مصالح اقتصادية في تمديد الصراع، مما يُجبر السوريين الذين نزحوا على عدم العودة، فيما سيُحرم السوريون في الداخل من خدمات التعليم والعمل وسط شيوع حالة من الفوضى العامة.
وفي الختام، يخلُص السيد كابلان إلى أنه لا زال بوسع المجتمع الدولي استغلال سيناريو “العُقدة المستعصِية” الحالي في الترتيب لوقف لإطلاق النار وانتهاز فرصة عجز كل من النظام والمعارضة عن حسم الصراع عسكريا في إقناعهما بالدخول في مفاوضات أكثر جدية من مؤتمرات جنيف العقيمة.. إلا أن الوقت بدأ بالنفاذ.
إرسال تعليق