0

عبد الإله شفيشو – rihanapress

من خلال قراءتنا للتاريخ نجد أن المؤسسة الملكية في المغرب منذ مطلع القرن 20 دأبت على إقامة نظام دستوري تيمنا لما و صلت إليه الديمقراطيات الغربية فكانت البداية سنة 1908 تاريخ تبني أول مشروع دستوري إلا أن هذا المشروع لم يكتب له الولادة بسبب الظروف المتلاحقة خاصة مع إبرام اتفاقية الحماية سنة 1912.

فمنذ ذلك التاريخ لم يعد التفكير لدى المؤسسة الملكية هو المسألة الدستورية كأولية الأولويات بل هو العرش و تركيز أعمدته ، وفي عهد الملك “محمد الخامس” سيتم التأكيد على ضرورة منح دستور للبلاد و إرساء قواعد الملكية الدستورية بالمغرب.

ففي 1956 تم افتتاح أول دورة للمجلس الوطني الاستشاري ثم تلاه تأسيس المجلس الدستوري، إلا أن تلك التجربة باءت بالفشل بسبب تشبث الأحزاب السياسية الوطنية آنداك، خاصة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية بانتخاب جمعية تأسيسية تسهر على و ضع الدستور مما حدا بالملك للتدخل لإيجاد حل توافقي، غير أنه حدث أن وافته المنية و في ظروف حرجة، 1962 والتي قيل عنها سنة الدستور و المؤسسات التمثيلية.

ففي07/12/1962 عرف المغرب أول دستور عرض على الاستفتاء الشعبي ثم تلاه مسلسلات تحديثية 1970/1972/1992/1996 إلى 2011 الدستور الحالي للبلاد مع فترة تعليق أو حالة الاستثناء 1965 إلى 1970.

إن سلطات المؤسسة الملكية تعتمد على مشروعية رباعية أولا مشروعية تعاقدية (البيعة) ثانيا مشروعية دينية(إمارة المؤمنين)ثالثا مشروعية تاريخية(تجربة قرون)رابعا مشروعية دستورية (القانون الوضعي) والتي يمكن اختزالها في مشروعان أو سلطتين دينية وسياسية :

السلطة الدينية (إمارة المؤمنين): إنها الرئاسة العظمى و الولاية العامة الجامعة القائمة بحراسة الدين و سياسة الدنيا و القائم بها يسمى خليفة و إماما و هو الوالي الأعظم الذي لا والي فوقه و لا يشارك في مقامه غيره و هو ما يقصد به بإمارة المؤمنين في شريعة الإسلام، فما يمكن استنتاجه من هذا التعريف هو أن نظام الحكم في الإسلام بدأ خلافة ثم انقلب ملكا،

يقول الملك الراحل “الحسن الثاني” في كتابه (ذاكرة ملك): (لم نأتي إلى هذا البلد لنستولي على الحكم و إنما أتينا لأنه طلب منا ذلك…فقد ظن الناس أن وجود واحد من آل الرسول سيقيهم سوء هذا البلد، و شاءت معجزة التاريخ أن يصادف وصول جدي الحسن إلى المغرب السنة التي نجت فيها تلك الواحات من الهلاك فمكثنا هنا).

يبدو أن هنالك ترابط بين الشرعية و المرجعية التاريخية كأساس للملكية المغربية التي انتقلت خلال مرحلة الاستقلال إلى إعادة هيكلة ذاتها بحيث لا يمكن تصور وحدة وطنية بدون مؤسسة إمارة المؤمنين و هنا لا بد من الإشارة بأن الدولة المغربية هي ملكية بالأساس أكثر منها دولة أو شعب, بحيث الوحدة تتمحور حول شخص الملك وليس حول المؤسسات وهذه المقاربة أنتجت ازدواجية في منزلة الملك, فهو أمير المؤمنين ورئيس دولة و به تصبح المشروعية الدستورية مضافة، فالدستور وما يتضمنه من نصوص لا تقيد الملك بل هي كاشفة لأمر قائم في الواقع المكرس عرفيا و تاريخيا, و عليه صارت الملكية بالمغرب موروث ينطلق من الماضي و يستمر في الحاضر كضرورة.

السلطة السياسية (الدستور): سنحاول في هذه النقطة الوقوف على مجمل الصلاحيات الممنوحة للمؤسسة الملكية انطلاقا من الدستور بدءا من الفصل 4 الذي ينص على أن شعار المملكة هو (الله، الوطن، الملك) إلى الفصل 180فمن خلال قراءتنا لهته الفصول يتضح جليا بأن الدستور المغربي المعمول به حاليا يقر بسلطات واسعة للملك خاصة في مراقبة العمل الحكومي، فدور الحكومات في ظل الأنظمة البرلمانية هو الطابع المؤسساتي, بحيث لا يمكن تصور مجهودات الحكومة إلا ضمن مشروع يصب في تحقيق النفع العام وبه تكون الحكومة خاضعة للمراقبة السياسية، أما في المغرب فالنظام المغربي قنن مسؤوليتها أمام سلطات المؤسسة الملكية, و ذلك عبر نمطين من المراقبة الأول التعيين و الثاني الإعفاء بل تمتد هذه الوصاية-المراقبة- حتى أثناء مزاولتها لمهامها عبر المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك الأمر الذي يدرج فيه جميع القضايا المسموح بها مما يجعل من الحكومة في نهاية المطاف سوى أداة لتنفيذ برنامج المؤسسة الملكية، فللمجلس الوزاري الذي يترأسه الملك كل الصلاحية للبث في اي مشروع قانون الذي يقر فيه بشكل نهائي قبل إيداعه على أنظار البرلمان الذي يقتصر دوره على التزكية كيفما كانت توجهاته, و لو إن كان لا يخدم المصلحة العامة أو يتعارض مع برنامج الحزب (الحاكم) والذي يعتبر بمثابة ميثاق تعاقدي مع الشعب بصفة عامة، هذا في الفترات العادية أما في حالة الاستثناء فإن جميع السلطات تعود للملك وحده فجل التعديلات حافظت على نفس المبتغى هو سيادة المؤسسة الملكية على الشأن العام بل صار من الثوابت التي لا جدال عليها.

الخلاصة التي يمكن أن نخرج بها في كون سلطات المؤسسة الملكية يجب أن تكون موضوع تداول ومساءلة تطرح على مائدة نقاش مفتوحة حتى تمارس كل مؤسسة سلطتها و تحاسب انطلاقا من برامجها لا من خلال التعليمات وهو ما يشير إليه الملك “محمد السادس” مرارا في خطاباته الموجهة للشعب بحيث يتطرق لضرورة الوصول إلى التداول الديمقراطي حول السلطة إلا أن مفهوم التداول هذا يصاغ بطريقة فضفاضة يحتمل أكثر من تفسير فغياب الدقة يجعل الباب مشرعا لكل الاحتمالات و التأويلات حسب مصلحة المشرع في الزمان و المكان، في الأخير وفي نفس السياق التاريخي فإن اشتغال المؤسسات الدستورية ظل يثير العديد من الإشكالات المتعلقة بسلطات المؤسسة الملكية اتجاهها سواء على مستوى التقاطع أو الهيمنة, من هنا تلوح بوادر الإشكال المتعلق بمحدودية تلك السلطات أين تبتدئ وأين تنتهي؟، وسيبقى السؤال المحوري حول الدستور المغربي مطروحا حتى تحصل القناعة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.