وحدة الوجود والإتحاد والحلول ووحدة الشهود والتوحيد الخالص

0

عبد الله الجباري – فايسبوك

وحدة الوجود هي عقيدة الإسلام التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وعلماء الإسلام وشيوخ التصوف وابن العربي الحاتمي وابن تيمية الحراني. وألفاظ ابن تيمية متطابقة مع ألفاظ ابن العربي في هذا الباب.

وأحيانا تدق العبارة في مقاربة هذه العقيدة الخالصة. فيلجأ العارفون إلى لغة القريض. وأول من نظم الشعر في وحدة الوجود هو الشاعر لبيد. وذلك قوله

ألا كل شيء ما خلا الله باطل.

فلا وجود في الوجود إلا لله. لذلك كان وجودا واحدا ووحيدا. وهو الذي يسمى بالوجود الذاتي المستقل. أما وجود الأغيار فهو وجود غير ذاتي بل وجود بذات الله.

ووجود الله غير مسبوق بالعدم كما أنه غير ملحوق به. بخلاف وجود باقي الموجودات.

فلا وجود بحق إلا لله. والوجود الآخر مخالف لوجود الله. فاعتُبر باطلا. وبما أنه مسبوق بعدم وسائر إلى الفناء والعدم كان وجودا عدميا. أو وجودا غير موجود. لذا اعتبر باطلا. وهو مصداق قول لبيد: ما عدا الله باطل. والباطل ضد الحق. فكان وجود الله وجودا حقا. ووجود الموجودات وجودا باطلا.

وبما أن الوجود الحق لا يتعدد ولا يتكرر ولا يماثله وجود آخر. كان وجودا واحدا. واصطلحوا على الفكرة بوحدة الوجود.

وقد عبر عنها غير واحد من العارفين. مثل العارف أبي مدين التلمساني قدس الله روحه ورضي عنه فقال:

               اللهَ قل وذر الوجود وما حوى

                إن كنتَ مرتاداً بلوغَ كمالِ

أي. إن كنت تريد الكمال، أي التوحيد الخالص، فلا تقل غير الله. ولا تلتفت إلا لله. واترك كل شيء عدا الله. وهو الذي سموه: السوى.

لماذا لا نلتفت إلا لله.؟

الجواب أن ما عدا الله عدم سواء تأملت فيه إجمالا أو تفصيلا. وهو قوله:

           فالكلُّ دون اللَهِ إن حقّقتهُ

           عدمٌ على التفصيل والإجمال.

وبما أن العوالم موجودة وقد تشوش على الوجود الذاتي. فقد نبهَنا إلى أن تلك العوالم لا تقوم بنفسها. بل لا تقوم إلا بالله. ولولا الله تعالى لكانت مضمحلة ممحوة لا أثر لها. فقال:

               واعلَم بأنك والعوالم كلَّها

               لولاهُ في محو وفي اضمحلال

ويزيد في البيان أن كل موجود ليس له وجود ذاتي. فوجوده متوقف على الموجد. ولولاه لكان محالا:

               من لا وجودَ لذاتهِ من ذاته

               فوجودهُ لولاهُ عينُ محالِ

وبما أن الحجة في قول ومشاهدة العارفين. وليس العوام الهوام. حكى عن مجاهداتهم التي لم توصلهم إلى مشاهدة غير الله:

               فالعارفونَ فنوا ولمّا يشهدوا

               شيئاً سوى المتكبر المتعال.

وبما أن أعينهم تبصر المخلوقات من بشر وحيوان وغيرهما. وهي المشاهدات التي قد تشوش على “المشاهدات”. فإن التلمساني رضي الله عنه يوضح أن من كان أصله أو مآله الهلاك فهو هالك لا محالة. كل شيء هالك إلا وجهه:

               ورأوا سواهُ على الحقيقةِ هالكاً

               في الحال والماضي والإستقبال

أما ما في الوجود من الخلق فليس إلا تجليا من تجليات الله تعالى وأثرا من أثر أفعاله:

               فالمح بعقلك أو بطرفك هل ترى

               شيئاً سوى فعل منَ الأفعال.

وكل ما في الكون إضافة إلى أنه من أفعال وصنع الله تعالى وتقدس. وليس بفعل وتأثير المخلوقين. فإنه أيضا دليل على الجلالة الإلهية والعظمة الربانية والأحدية التي لا تُثَنّى:

               وانظُر إلى علو الوجود وسفلهِ

               نظراً تؤيدهُ بالإستدلالِ

                تجد الجميع يُشيرُ نحو جلالهِ

               بلسان حالٍ أو لسان مقال

               هو ممسك الأشياء من علوٍ إلى

               سفلٍ ومُبدِعُها بغيرِ مثالِ.

هذه هي وحدة الوجود. وهي لب العقيدة وجوهرها. وهي التوحيد الخالص.

رضي الله عن الصوفية الذين لهجوا بها وحاروا في أسرارها وفنوا في عجائبها ودعوا إلى اعتقادها. ولا حرمنا الله من أسرارها وبركاتها.

وللشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي جولات وصولات في السباحة في بحرها والغرق في نعيمها ولذاتها. ورضي الله عن القطب الفرد مولاي عبد السلام بن مشيش القائل: وأغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وجمعة مباركة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.