محمّد محمّد المحب يكتب : اللباس والتنكر وسلوكيّات “الزّومبي” التي لا تراعي مقتضيات الأصالة

0

محمّد محمّد المحب – ريحانة برس

لم ينته الانسان الى استعمال الرياش لغرض إخفاء تضاريس الجسد وتوفير ما يلزم من دفء وحماية فقطّ.

وإنّما استخدمه كرسالة مشفرة تبث تصورا عن الذات بشقيها الفردي والجمعي، وتترجم قيما ومواضعات اجتماعيّة متداولة في بيئة طبيعية وثقافية معينة.

ومن ثمة قد يستغلّ اللباس أحيانا في انتحال صفة أو في التّغطيّة عن التّشوّهات العقليّة والخِلْقِيّة. وطالما يبقى اللّباس وسيلة يقدّم بها ومن خلالها الشّخص نفسه للغير، فإنّه يغذو بالنّسبة له تلك الواجهة التي تضفي عليه قيمة مضافة، وقدرا من الاحترام والثّقة التي يدير عبرها علاقاته وتعاملاته اليوميّة.

لقد تنوّعت أزياء اللّباس وتصاميمه، فكان منها ما هو رسميّ ومنها ما هو مدنيّ، وكان منها ما هو مخصوص بكلّ حرفة أو مكانة اجتماعيّة معيّنة، ومنها ما هو خليع مبتذل يحيد عن السواء فتعافه النفس الأبية. وككلّ واجهة فإنّ الزّيّ مظهر خادع وقناع للتّنكّر ليس إلاّ، ومع ذلك فهو يعكس جانبا من شخصية الفرد، ويعبر عما قد يعتريها من انحرافات.

فقد تجد لصّا بزيّ شرطيّ، ومجرما بزيّ فقيه .. وفي مجتمعاتنا التي دخلت الحداثة متعثّرة من الباب الخلفيّ بعد أن هاجمها العصر بمتغيّراته المهولة فصارت مجرّد سوق استهلاكيّ، لا تجد لدى فئام كثيرة من الناس ذلك القدر المطلوب من الاتّساق بين العقليّة ونمط التّفكير، وبين السّلوك الظّاهر. ويزداد الأمر سوءا وتعقيدا في أيامنا هذه بظواهر تنضح بالقرديّة وانعدام الاتّساق، وبقابليّة المسخ ونزع الجلد طوعا وولعا بكل غريب. ولعل سلوكيّات “الزّومبي” التي لا تراعي مقتضيات الأصالة، ولا تبالي قطعا بما تستلزم السّياقات والمقامات، والتي تعلن عبر ما توظف من إشارات ورموز هروبا ثقافيّا يسعى عبر (التنكرية) إلى البحث عن هوّيّة افتراضية منبتة خير دليل. والأمثلة عنها هي من الكثرة والتنوّع ما لا يسع المجال لبسطه. إذ تكفي الإشارة، وبالإشارة يفهم اللبيب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.