داخل القاعة سبعة بالمحكمة الابتدائية بمدينة الدار البيضاء، عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، من يوم الاثنين 04 ماي، ينادي القاضي: “السيد حميد المهدوي”،
داخل القاعة سبعة بالمحكمة الابتدائية بمدينة الدار البيضاء، عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، من يوم الاثنين 04 ماي، ينادي القاضي: “السيد حميد المهدوي”، بعد إلقاء التحية أمثل امامه، فيطلب مني القاضي العودة إلى مكان جلوسي، لتستأنف المرافعات في الشكل، على خلفية قضية شاب الحسيمة كريم لشقر، قبل أن يقول دفاع المدير العام للأمن الوطني، بأنه “يعرف أصحاب سوابق باتوا صحفيين اليوم”، لم يستسغ المحامي الحبيب حاجي هذا القذف المبطن تجاه موكله، ليقول وهو يدير رأسه جهتي ويشير بسبابة يده اليمنى إلي: حميد المهدوي راجل، مغربي، وطني، وهو صحفي يعرفه القاصي والداني بأنه لا يبيع ولا يشتري، وهو لم يسقط من السماء على مهنة الصحافة، بل حاصل على الإجازة من جامعة ابن طفيل، وحاصل على دبلوم من المعهد العالي للصحافة ومهن التلفزيون، كما أن له تجربة صحفية طويلة مع أشهر الصحافيين المغاربة ولمدد طويلة، ولهذا لا أسمح لأحد بأن يوظف معنا لغة إياك أعني واسمعي يا جارة”.
ويشهد الله، على الألم الذي استشعرته من عبارات دفاع المشتكي، غير أن عبارات الحبيب حاجي، نزلت علي بردا وسلاما، وشعرت معها بنوع من رد الاعتبار، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي يقذفني فيها هذا المحامي، فقد سبق له أن قذفني وقذف دفاعي في جلسات سابقة.
“سيدي القاضي أنا هنا مُتابع لاقترافي “جريمة” واحدة وهي أني رفضت “البيع والشّرَا، ولست مستعد اليوم للخوض في كل هذه التفاصيل، التي أملك بشأنها دلائل مادية تؤكد ما أقول، وسيأتي اليوم الذي سأقول فيه كل شيء للعالم”، هكذا قلت للقاضي، بعد المناداة علي للمرة الثانية، وسط صمت القاعة، وهي تعج بالمحامين وأشخاص غرباء، لم يتوقفوا لثانية واحدة عن تدوين كل ما يدور داخل الجلسة، مع تبادلهم بين الفينة والأخرى لإبتسامات خفيفة مع دفاع المدير العام للأمن الوطني.
لم يقاطعني القاضي، بعد أن طلبت منه الكلام حتى يكون في الصورة ليعرف قضيتي وما يحاك ضدي، وسياق هذه المتابعة، ثم أضفت “سيدي القاضي أنا طرف أساسي في هذه اللحظة القضائية، وأعتقد أن الغاية من هذه الجلسة هو تحقيق العدالة، فكيف سأتجاوب مع أسئلتكم، وأنا غير مقتنع بعدالة هذه المتابعة، عشرات المواقع الإكترونية تحدثت عن نفس الخبر، العديد منها كتب عن الموضوع قبلنا، ادريس لشكر، الكاتب الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي، قال بالصوت والصورة الشرطة قتلت كريم داخل مخفرها، وحسن أوريد، الناطق الرسمي باسم القصر الملكي سابقا، قالها أيضا صراحة وبشكل أقوى مما قال لشكر: الشرطة قتلت كريم، وبأن المواطنين أصبحوا لا يساوون بعوضة في مخافر الأمن المغربية، فكيف أطمئن لهذه المتابعة، وأتفاعل مع أسئلتكم، وأنا أشعر بالغبن، خاصة وأن ملك البلاد يقول المغاربة عندي سواسية”.
ثم زدت قائلا: “سيدي القاضي، مع تقديري واحترامي لك، أشعر بالخجل وأنا أقف أمامك وحدي هنا، علما أن تغطيتنا للوفاة، كانت أكثر حيادا وتجردا من أي تغطية أخرى، وما دُمت لا أرى بجانبي ادريس لشكر وحسن أرويد وكل من تحدث عن الموضوع، فإني أؤكد لكم أن القضية سياسية، ولها خلفيات أخرى، تتعلق برغبة جهات في إخراسنا، خاصة وأننا تعرضنا لأبشع التضييقات، تجلت قساوتها، أكثر، بوقوف سيارة الشرطة أمام منزلنا، في وقت لم يكن يفرق زوجتي عن الولادة سوى أيام قليلة معدودة”.
ظل القاضي يستمع إلي، في وقت كانت تصدر فيه عن دفاع المشتكي “همهمات”، محاولا المعني التأثير على القاضي لإسكاتي، غير أن الأخير، لم يفعل، خاصة بعد أن وضَّحت له أن كلامي غايته مساعدته في تكوين قناعته القضائية ليكون على بينة واطلاع من أسباب وجودي أمامه، ثم زدت قائلا: وتأكدوا السيد القاضي بأني قوي داخليا وأشعر بالاطمئنان مهما كان قراركم ضدي، وحين يربح المرأ نفسه ويكون واثقا في براءته من المنسوب إليه، فإنه لا يهمه العواقب”.
لم يُبدِ القاضي أي اعتراض على كلامي ولا علق عليه، وبعد طلب الإذن منه سألني دفاع المشتكي وهو يُشير بسبابة يده اليمنى إلى عنوان يهم خبرا من بين الأخبار، التي هي موضوع متابعة: هل أنت من كتبت هذا العنوان: ريف توداي: بوليس الحسيمة طلب من إدارة المستشفى شهادة تثبت وفاة كريم لشكر داخل المستشفى المحلي بالحسيمة و إدارة الأخيرة ترفض”؟ فرددت عن سؤاله: أنا من كتبت جميع العناوين والمقالات، موضوع المتابعة، وأتحمل فيها وحدي كامل المسؤولية”. فسألني القاضي: هل تحريت الخبر قبل نشره: فأجبته: يمكنكم السيد الرئيس أن تطلبوا من “اتصالات المغرب” مدكم بالاتصالات الهاتفية التي أجريناها في حينها مع المسؤولين المحليين بالحسيمة، ومع الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، وكل تلك المحاولات باءت بالفشل، ويمكنني أن أهاتف من هنا والآن أمامكم السيد الخلفي أو السيد الرميد لتروا هل سيجيبون على هاتفي أم لا، بل إن السيد الرميد أعلنها صراحة بقوله: أنا لا اعرف موقعا في المغرب اسمه بديل، وهو الذي ظل يتواصل مع هذا الموقع لشهور، بل حاول التودد له في أكثر من مرة ولكننا رفضنا أن نتواصل معه بمستوى غير مستوى صحفي مع شخص يدبر الشأن العام، لكن حين فضح الموقع خطته ضد الموظف فاضح الفساد بوزارته هنا لم يعد يعرف موقع “بديل”، وأضيف السيد القاضي، بأني لم أكتب الخبر إلا بعد أن رأيته منشورا على العديد من المواقع الإلكترونية، وحرصا مني على المهنية، حرصت على الإشارة إلى موقع “ريف توداي” في العنوان، ونسبت له كل المعطيات، كما ترون أمامكم، وفي جميع القصاصات التي تهم هذه القضية، ستجدون أننا تارة نحيل على أسرة الضحية، وتارة نحيل على الجمعية المغربية لحقوق الانسان، وحتى عندما أصدر الوكيل العام للملك بيانا في الموضوع، سارعنا إلى نشر بيانه، دون أن نتوصل به، ما يعكس، حسن نيتنا وانعدام وجود أي سوء نية أو رغبة في إهانة أي جهة، ثم اسمحلي السيد القاضي، أن أضيف أمرا، مع تقديري واحترامي الشديد للفقيد كريم لشكر، حتى إذا جاز أن نصدق رواية دفاع المشتكية وبأني لي مصلحة في ما كتبت، فأين هي مصلحتي، بالله عليكم، هل مع السيد كريم لشقر الذي لا تربطني به لا رابطة حزبية ولا نقابية ولا أسرية سوى رابطة المواطنة، أم مع البوليس، الذي لولاه ربما لما وصلت إلى هنا، ولربما ما وجدت أسرتي بخير عند عودتي إلى المنزل، يمكن أن نختلف على تفاصيل في الديمقراطية، وأن نحتج على غياب حقوق معينة للمواطنين ونتصارع بسلم بيننا من أجل إحقاق المواطنة الكاملة والعدالة الاجتماعية، لكن مع غياب الأمن، الذي يسهر عليه البوليس إلى جانب أجهزة أخرى، فلا يبقى مجال للتفاوض حول أي شيء، وبالتالي، كيف استهدف جهازا، أعتبره عنصرا أساسيا في استقرار الأمن الذي هو قاعدة كل شيء”.
وكلما شعر دفاع المشتكي بوجاهة فكرة صادرة عني يرى أنه يمكن أن تكون لصالحي، يبدأ في إحداث جلبة خفيفة، محاولا إثارة انتباه القاضي، لطرح سؤال، فيسألني :”ولماذا تنشر خبرا منشورا في مواقع آخرى؟ هنا يتدخل المحامي الحبيب حاجي قائلا: ذاك عمله، وأعترض السيد القاضي على هذا السؤال؟ فيرد دفاع المشتكي، خالقا جلبة كبيرة داخل القاعة بصوته القوي الذي يهز أركان القاعة، محاولا إقناع القاضي بوجاهة سؤاله، وحرصا مني على أن لا يُفهم بأنه أعجزني بسؤاله، أجبته: نعيد نشر الخبر لأمرين: الأمر الاول شبيه بما يجري في السوق فنحن لا نستطيع أن نقول لخضار لماذا تبيع الطماطم، بحجة أن غيره يبيعها، لأن المستهلك ليس بالضرورة أن يشتري الطماطم من نفس الشخص، وكذلك هي الأخبار، فهناك زوار لا يثقون إلا في موقع “بديل”، ولا يقرأون إلا أخبار هذا الموقع، فكيف تهتز البلاد على وقع وفاة غامضة لشاب مغربي، ومعظم المواقع المغربية تنشر الخبر، ونحن نمتنع عن نشره وإخبار زوارنا به، فقط لأن مواقع أخرى نشتره، كيف سيكون حالنا مع زوارنا إذا علموا أننا لم ننقل لهم خبرا مهما؟ ثم ألا تنشر الجزيرة والعربية عشرات الأخبار نقلا عن مواقع إلكترونية، ألا تنشر المواقع الإخبارية يوميا اخبارا نقلا عن وكالة المغرب العربي للأنباء والقناة الأولى والثانية” أو وكالات الاخبار الدولية؟ فيتدخل القاضي ويسأل: ولكن ليس كل ما يُنشر صحيحا حتى تعتمد نشره؟ فأجيبه :السيد القاضي في كل عمل صحافي نقوم بالآتي: نسمع خبرا، نتصل بالجهات الرسمية، وإذا تعذر، نبحث وسط مصادرنا المحلية والمواقع الإلكترونية ، فنجد العديد منها نقلت الخبر، ثم نتصل برئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان فيؤكد لنا صحة الخبر، فهل أنتظر شهورا حتى يظهر تقرير الطبيب لأكتب خبرا، وأنتم تتذكرون كيف ظل التقرير الطبي مغيبا ولم يحفظ الملف إلا بعد شهور بل ويا للطرافة والغاربة أن الملف حفظ مساء نفس اليوم الذي عقدت فيه اول جلسة هنا؟ السيد القاضي أنا صحفي ناقل معلومة، ولا أستطيع افتحاص جثة الفقيد لأنشر الخبر، أكون مدانا في الحالات التالية، إذا كان هناك تقرير طبي أو بيان رسمي من الوكيل العام او ماشابه، ومع ذلك تماديت في نشر خبر مخالف لرواية الطبيب والنيابة العامة، كما أكون مدانا إذا اعتمدت مصدرا لا يتمتع بالأهلية أو معروف أنه يعادي مصالح المغرب ومؤسساته بينها مؤسسة الأمن، أو مشتبه به من الناحية العقلية والنفسية، أما وأن مصادري رئيس جمعية حقوقية تتمتع بصفة المنفعة العمومية، وعم “الضحية” وهو بالمناسبة طبيب، فإنه لا مسؤولية لي على كلامهم، ماداموا عقلاء ولهم مكانة اجتماعية، وما هم بحمقى أو مشتبه بهم من الناحية الوطنية، وأريد أن أضيف أمرا السيد القاضي هل حين أعلنت الدولة عن وجود البترول في تالسينت هل سأل أحد عن خلفيات نشر هذا الخبر، هل بسوء نية ام بحسن نية، ألم تنشر معظم وسائل الإعلام الخبر، وتعلمون السيد القاضي الأثر السلبي البالغ لذلك الخبر على مشاعر المغاربة حين تبين أن الخبر زائفا بعد أن عقدوا أملا عليه لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
ثم تساءلت مع القاضي : السيد القاضي أليس حسن أريد وادريس لشكر مصدرين للأخبار”؟ فرد القاضي” مع احترامي وتقديري لشخصهما، هما ليسا نبيين، حتى يعتد بروايتهما؟ وهنا تساءلت مع القاضي من جديد وهل كان وزير الداخلية السابق شكيب بنموسى نبيا حين عرض أسلحة ومسدسات منسوبة لما يسمى بخلية بليرج، حتى قبل أن يقول القضاء كلمته في حقهم؟ هل تحرى صحفي في الخبر، قبل نشره؟ علما أن هذا الخبر نشر على نطاق واسع، وكذلك الأمر مع جثة الشباب الخمسة، التي وُجدت متفحمة داخل مؤسسة بنكية بالحسيمة؟ فقاطعني القاضي الوزير ليس نبيا ولكنه مسؤول رسمي: فأجبته: ولكن السيد لشكر بدوره مصدر مسؤول باعتراف الدولة، وإلا هل كان سيجلس الملك معه؟ وهل حين ننشر أخبار تفكيك خلايا إرهابية، بناء على بيان وزارة الداخلية نتحرى الخبر قبل نشر البيان؟ طبعا نفعل ذلك دون تحري لأننا نعتبر الداخلية مصدرا موثوقا وهو نفس التقدير الذي نقدره للجمعية المغربية لحقوق الإنسان وادريس لشكر وحسن اوريد وموقع “ريف توداي” وغيره عديد.
ثم يسألني دفاع المشتكي: هل أنت من وضعت هذه الصور على الموقع: فأجيب: سبق وقلت أن كل ما ينشر في بديل على مسؤوليتي؟ ثم يسأل نفس الشخص: ما هي الغاية من نشرك لخبر منشور؟ فينتفض المحامي الحبيب حاجي: هذا غير معقول، يجب طرح أسئلة معقولة، هذا السؤال سبق وأن اجاب عنه موكلي”. فيصف دفاع المشتكي حاجي بـ”السداجة” وبأنه لا يعرف المغزى من أسئلته، محاولا تخويفه، فتتور ثائرة حاجي، قبل أن يطلب من المحكمة تسجيل هذا القذف الصادر في حقه، وهو يرد على محاولات تخويفه بأنه “لايخاف من احد” ثم يقول بصوت جهوري والغضب يطفح من وجهه “أنا تنَخرُج في الذباحة والقتالة وتنواجهْهُم”، وهو القول الذي حاول دفاع المشتكي استثماره بادعاء أن حاجي يعاشر “الذباحة والقتالة” وبأن هذا لا يليق بمحامي، غير أن حاجي فطن للأمر، وأصر على موقفه، بل وألح على تسجيل القذف الصادر في حقه مع إضافة “أنه كيخرج في الذباحة والقتالة وكيواجههم”، قبل أن يهدأ الوضع بعد أن أشاد القاضي بخصال حاجي ومعرفته له لما يزيد عن عقد من الزمن.
عدت مرة أخرى لأتأمل وجه القاضي وأنا أقول” سيدي القاضي أمامكم خمسة اخبار، تهم هذه القضية، وأنا ادعوكم أن تُشهروا خبرا واحدا في وجهي، لم أشر فيه إلى مصادر معلومة نقلت عنها أخباري، أو لم أشر فيه إلى الرواية الأمنية، وبالتالي تأكدوا أن هذه القضية فارغة، وأن أصل الحكاية أن جهات “بغاتنا نكونوا شمايت، وأنا لن اكون شماتة، وسأظل صحفي مستقل حتى ولو كان هناك الإعدام في حقي” فيرد القاضي بابتسامة عريضة “ليس هناك إعدام هنا”.
تواصل الشد والجدب بين المحامي الحبيب حاجي ودفاع المشتكي، ليعلن القاضي انتهاء الجلسة، وتحديد يوم 18 ماي موعدا لجلسة، جديدة قد تكون هي جلسة النطق بالحكم، حاولنا إقناع القاضي بأن يوم 18 ماي لنا جلسة أخرى في محكمة مكناس، غير أن القاضي أصر على هذا التاريخ، بعد أن خرج دفاع المشتكي مُسرعا دون إعطاء فرصة من أجل التداول في تحديد موعد آخر للجلسة، مما خلف استياء شديدا لدى الحبيب حاجي وعدد من المحامين الحاضرين بالقاعة، الذين نددوا بهذا السلوك.