كلنا فاسدون.. فهل حان الوقت لنرى كبار الفاسدين خلف القضبان مكبلين ومقيدين قبل صغارنا؟

0

ريحانة برس – محمد عبيد

محاربة الفساد، وإنصاف الناس، وإقامة العدل، وإصلاح القضاء، ومحاربة الرشوة، كلها خطوات تعلن عن السير موضوعيا على طريق بناء دولة مؤسسات، دولة النظام والقانون.

وقد سجلت مؤخرا عن اتخاذ الدولة لخطوات جريئة للسير على طريق مكافحة الفساد، رغم العوائق التي تقف في طريقها، والتي منها القوانين والتشريعات التي تمنع مسألة ومحاسبة موظفي السلطة العليا.

فما اتخذته الهيئة القضائية لمكافحة الفساد، من قرارات ضد مجموعة من المسؤولين أو كبار المستشارين يعتبر اول قرار يتم اتخاذه ضد مسؤولين الرؤوس الكبار في تاريخ المغرب، وهي البداية لكسر حاجز القوانين والتشريعات التي تحمي الفاسدين الكبار، والتي نتمنى ان لا تقف عند هؤلاء وحسب، فهناك فاسدين ومفسدين في كل المجالات والقطاعات والهيئات دون الاكتفاء بالحديث عن وزارات و مؤسسات ودوائر وهيئات الحكومة.. فلا تخلوا وزارة او مؤسسة من الفاسدين، وإن محاربة الفساد ليس بالآمر السهل، وليس بالآمر المستحيل كذلك..فمتى ما وجدت القيادة الوطنية الصادقة مع الله ومع الشعب، والإرادة الحقيقية للقضاء على الفساد لا يبقى امامها أي شيء مستحيل، ولن يبقى فاسد، ومتى ما تم محاسبة الجميع دون استثناء، فهناء توجد المساواة.

فخدمة الجمهور، وارقام الشكاوى، وهيئة رفع المظالم، ولجنة الإنصاف، كلها تصب في طريق محاربة الفساد، وتسهل الطريق على من يتعرض للابتزاز او غش، أو ظلم أو من يقوم بتزوير، أو نهب مالٍ عام أو خاص.

عقود من الزمن وشعبنا يتعرض للظلم من قبل من يتدبرون اموره ويسيرونها في شتى مجالات وقطاعات، وممن هم مسؤولون عليه، وعلى توفير الخدمات له، ومن كانوا يصفون انفسهم خداما له، فثرواته نهبت، وحقوقة سلبت، وحريته قيدت، فهل حان الوقت لنقول لا للفساد والفاسدين؟

ويبقى الامل غالبا نظير ما يحدث من حملات (شعبية) على مكافحة الفساد وحديث عن الفساد حتى لا يكون عبارة عن مسخرة مضحكة جدا… ومضحكة حد الغثيان واعتبار من يصدرها مضحكا أكثر ونعثع إما بمارق أو بهارب من البلد… أو بعميل خارج البلد… وأما نحن فما علينا إلا الترويج والنسخ واللصق.

فالكل يطالب بمحاربة الفساد… الكل يقول يجب خلع الفساد… الفساد ارتبط أصلا من مشكلة اجتماعية تتجلى في عمد الغش… إذ قد تجد طبيبا يحارب الفساد، وفي نفس الوقت يزرق وصفه بأدوية ممنوعة… وصيدلي يحارب الفساد، وفي نفس الوقت يصرف أدوية منتهية الصلاحية…

موظف ينادي بأعلى الصوت لا بد من محاربة الفساد، وفي نفس اللحظة يهرب من الدوام… والأستاذ يحارب الفساد، ويهرول خلف إعطاء الدروس الخصوصية… أما المضحك عندما ترى شخصا يحارب الواسطة ولم يبق احد إلا ووسطته لتمرير أمر.

موظف إداري يبكي من الفساد…ويغلق شارعا أمام بيته… وآخر يقول نهبوا أموال المغاربة، ويرتشي بأرخص الوسائل مادية أو معنوية… شخص لا يسمع إلا أغاني وطنية وتراه ينشر إشاعات تمس بالوطن… والغريب انك ترى إنسانا قي عمله يمتدح عمله ويدافع عن مؤسسته، وما ان يغادر حتى يبدأ بنبش قصص الفساد عن نفس إدارته.

والذي يصيبك بالشلل الرباعي ان ترى موظفا راتبه على قد الحال ومتزوج وعنده أولاد وله سيارة قيمتها لا تقل عن 4ملايين سنتيم، ويسكن بيت قيمته ما لايقل عن 100مليون سنتيم، ولا يوجد له أي دخل غير راتبه، لا ميراث ولا هو ملاقي كنز، ويعلل أو يبرر الوضعية بالقول:”أكلنا الفاسدون”!؟… ولا يستحيي إن وجهت إليه سؤال:”من أين لك هذا؟”

ويستمر الحديث… مواطن ضبطه الرادار يتجاوز السرعة القانونية، يشتم البلد بمن فيها لأنه تخالف بسبب تجاوز السرعة… وآخر لقطته الكاميرا يقود بالسرعة الجنونية يصاب بالجنون، وربما يخطط لتكسير الكاميرا رغم ان السرعة محدده بالشواخص والحق عليه.

وأما الموضة الجديدة وهي موضة أنت ضدي لأنك تنبش في طابوه ممنوع… وموضة أنا ابن فلان وأنت ولد من؟… وموضة الحر والطبال… والسب وشتم الأعراض…

يبدو أن الفساد منظومة بقاعدة متينة… ومصيبته ليست في كبار الفاسدين… إنما هي في صغارهم… علاماته ومؤشراته هي في الموظف المترشي… والإداري المتزلف والراشي والصحفي المأمور..

والمشكلة بأن الجميع يريد محاربة الفساد!؟… والكل منقوع بالفساد من رأسه حتى أخمص قدميه… بمعنى ان الكبار يستندون على قاعدة متينة، ونحن إن رأينا فاسدا كبيرا، نتهافت لنتصور معه .

في سالفة ثانية وهي الفساد الفكري والركوب على الأحداث… حيث صرنا نرى أشخاصا امتهنوا ترويج أنفسهم عبر الفيديو أو المواقع الاجتماعية أو يسخرون أزلاما من العاطلين أو المتزلفين وبعضهم تحت غلاف جمعوي….

بصراحة لم يعد شيء في المغرب عموما أو من مؤسسة إلا اتهمت بالفساد… إن خصخصت، قالوا فسادا… إن بقيت مع الدولة، قالوا فسادا… إن جاء وزير، قالوا فسادا… ان طار وزير، قالوا فسادا… ان عين موظف، قالوا فسادا… وإن تقاعد موظف، قالوا فسادا… وكأنهم هم الأشراف على وجه هذه الأرض! وما دونهم فساد في فساد..

أفلا نعود قليلا لما كانوا يفعلون!؟؟؟

وأما الخطورة فهي أقلمت الفساد وعنصرته، ووضعه بقالب واحد باتهام جهة معينة فقط بل تغذيته بالإشاعات والاتهامات حتى تصبح في أذهان الناس أمرا صحيحا… بينما ترى الذي عنصر وأقلم ما هو إلا عبارة عن مدرسة الفساد وهي منه براء.

لو أردنا الحديث أكثر عن الفساد لوجدنا أن الشعب هو مصدر الفساد… فساد الفزعات والمناصب التي تليق وفساد الثقافات، والأخطر هو الفساد الفكري…

أقسم بالله، الفساد يكاد يدخل كل بيت والكل يحرم على غيره ويحلل له… بينما الفساد واحد.

بات الحديث أشبه بالمهزلة… ومن الواضح جدا أن هناك من يريد ان يعرقل أية مسيرة إصلاح بالتشكيك.

والواضح أكثر ان هناك من يصدر إساءات بالغة للوطن… ومن يقول أعطونا الدليل سيكون متهما بالخيانة العظمى… وسيجاب بالرجم والسب والشتم.

خلاصة القول الفسادهرم… ولا يمكن ان نهدم هذا الهرم بضرب الرأس مثلا… لأن الهرم سيبقى ثابتا ولكنه مشوها بعض الشيء لكن إن أردنا هدمه فما علينا إلا ضرب القاعدة وبعنف…ووقتها سيهتز الهرم بأكمله… ومن هنا علينا أن نبدأ.

همسة: من لم يدخل الوطن لا يتكلم بالوطنية… ومن لم يذق الفقر لا يتكلم عن الفقراء… ومن نشأ بين أحضان الفساد عليه ان لا يتكلم بمحاربة الفساد.. وأما آخر طقطوقة:<<فسروا لنا بالله عليكم وفهموا لينا افهم: هادوك اللي عينوا أنفسهم كقوى وطنية!!! شكون اللي نصبهم أو اختارهم!؟ يعني هم وطنيون والباقي خونة؟… اقسم بالله هذه هي قمة الفساد!!!.

هناك شيء واحد مؤكد وهو أن الديمقراطيات لا يمكن أن تستمر كما هي الآن. يجب أن تعيد أنظمتنا السياسية العامل البشري إلى الحكم الديمقراطي وأن تضع الناس واحتياجاتهم في المقام الأول… إذا لم يفعلوا ذلك، فسيكونون قد خذلوا مواطنيهم… فالأساس الذي قامت عليه الديمقراطية هو خدمة مصالح الشعب.

نحن بحاجة إلى ديمقراطيات صحية حيث يكون الناس على اطلاع جيد بما يدور من حولهم وحيث تكون مصالح المواطن هي الأولوية القصوى.

فهل حان الوقت لنرى المسؤول الكبير يقف إلى جنب المواطن المستضعف في قاعة المحكمة وكلهم سواسية؟

وهل حان الوقت لنرى كبار الفاسدين في هذا الوطن خلف القضبان مكبلين ومقيدين قبل صغارنا الفاسدين؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.