المحامي عبد المولى المروري يكتب : العفو بين حسابات السياسة وأجواء التعاسة

0

عبد المولى المروري – فايسبوك 

في كل مناسبة دينية أو وطنية تشرئب أعناق أسر المعتقلين الصحفيين والمدونين ومعتقلي الحراك إلى عفو قريب وصفح جميل..

يترقبون البشرى عبر اتصال هاتفي أو طارق يطرق بخير .. يُذهب الحزن ويرفع الغمة وينهي الألم والعذاب .. وتمر المناسبة بحرقة الشوق إلى حضن الزوج، أو دفء الأب، أو أنفاس الابن، أو كتف الأخ.. تمر المناسبة ثقيلة متثاقلة .. كئيبة أليمة، بلون الحزن.. بطعم الأسى.. بلا سعادة تجمع.. ولا أنين يُسمع.. ولا رحمة تَشفع .. ويستمر الوجع .. في ملاحقة تلك الأسر المكلومة ومعتقليهم الذين يقبعون في برودة السجن وكآبة القضبان وبؤس الجدران.. بين غربة المكان، وغدر الزمان، وخذلان الخلان.. وصمود الشجعان.. وقليل ما هم في هذا الزمان.

تمر المناسبة مخلفة وراءها دمارا نفسيا عظيما.. وسؤالا كبيرا .. يحدث ضجيجا مهولا في قلوب وعقول الأسر والمعتقلين.. لماذا يتم العفو عن مسجونين جرائمهم كبيرة وواضحة .. وخطورتهم على الناس والمجتمع ما تزال قائمة .. ؟ ولماذا يتم استثناء فصيلة الصحفيين والمدونين ورجال الحراك الاجتماعي والحقوقيين؟ هل هناك عفو دون عفو، وحق دون حق، وفضل دون فضل، ومسجون دون مسجون؟ لماذا هؤلاء دون هؤلاء؟

حقيقة غالبة

لا أحد من العقلاء – سواء في الداخل أو الخارج – أصبح يصدق الجرائم التي يتابع بها كل الصحفيين والمدونين ومعتقلي الحراك والحقوقيين، بل لم يعد يصدقها حتى من قَبِل بها من قبْل وصدقها تحت تأثير الإعلام المضلل و المخادع، فعامة الناس و خاصتهم، وصغارهم وكبارهم، أصبحوا مقتنعين أن تلك الجرائم خيالية، ومحاكمتهم وسجنهم بدوافع انتقامية، وبطرق كيدية.. بمعنى أنهم أبرياء في منظور الرأي العام الوطني والدولي .. هذه هي الحقيقة الغالبة التي تؤكدها التقارير الوطنية والدولية، ويؤمن بها العوام قبل النخبة.. وكل من يروج للعكس، فإنما ذلك معاندة ومكابرة .. لا تغني عن الحق شيئا، ولن تحجب شمس الحقيقة الساطعة .. وأقصى ما يمكن أن تحققه هذه المكابرة، هو إطالة اعتقال هؤلاء، والرفع من منسوب مصداقيتهم، واتساع رقعة التضامن معهم ومع أسرهم، وانخفاض منسوب مصداقية مهندسي هذه الأفلام الرديئة، وانكماش رقعة الدفاع عنها.. فهل من رجل رشيد؟

محظوظون وومقصيون

من غرائب العفو أن يحظى به من ثبتت جرائمه مع ما تحمله معها من فظاعة وخطورة وصلت الى حد اغتصاب وقتل الأطفال وتشويه جثتهم، ومن تعددت جرائمه واستمرت ولو بعد العفو.. ومن المحظوظين من كان وجودهم داخل السجن عبئا ثقيلا على الدولة، ومن كان وجودهم خارجه كارثة عظيمة وخطورة جمة على الفرد والمجتمع .. فمعظم هؤلاء هم المحظوظون والمستفيدون من فضيلة العفو ..

ومن غريب الإقصاء من العفو أن يحرم منه من لم تثبت جرائمه، بل عرفوا بحب الوطن، وصدق الكلمة، ونبل الرسالة، بعضهم أنكر منكرا بقلمه، وبعضهم دافع عن حق بلسانه، وبعضهم كشف مخبوء بتحقيقه، وبعضهم طلب تعليما أو دواء، وبعضهم ذنبه أن قال ربي الله.. وحَّدهم طلب الحق وحب الوطن.. وجمعتهم ظلمة السجون .. هذا ذنبهم.. وهذه جريرتهم.. وذلك جزاؤهم..

حسابات العفو

لا أحد بمقدوره معرفة المعايير والضوابط التي يعتمدها من يقترحون لائحة المشمولين بالعفو على الملك، ذات يوم كتب أحدهم : العفو في المزاد العلني، فتسبب ذلك المقال في عاصفة جعلت العفو الملكي موضوع تساؤلات ومجادلات بين ألسن الشعب المغربي.. والأمر نفسه والجدل عينه، ولكن بعاصفة أقوى عندما تم العفو عن البيدوفيل الإسباني .. وفي كل مناسبة صدر فيها عفو إلا ويطرح السؤال نفسه؛ ما هي المعايير المعتمدة من أجمل تمتيع بعض السجناء بالعفو الملكي دون آخرين عرفوا بإخلاصهم للوطن وغيرتهم على مصلحة البلاد؟ وإلى حدود اليوم يظل هذا السؤال بدون جواب!

في منتصف تسعينيات القرن الماضي، عندما أصدر الملك الحسن الثاني عفوا شاملا على مئات المعتقلين السياسيين (الذين أدينوا بجرائم الحق العام وليس لأسباب سياسية) كان ذلك من أجل تحقيق انفراج سياسي وحقوقي أمام ما كان يعيشه المغرب حينئذ من تأزم اقتصادي واختناق سياسي أقترب بالدولة إلى “السكتة القلبية” كما عبر عنها الملك الراحل حينها.. وحتما كان المغرب وقتها (اقتصاديا وحقوقيا وسياسيا) أحسن حالا بكثير مما يعيشه ويعانيه الآن، ومع ذلك اهتدى الحسن الثاني إلى ضرورة وأهمية تحقيق انفراج عام تفاديا لأي انفجار عام يصعب تطويقه .. فالانفراج أسلم من الانفجار ..

فما هي الحسابات التي يجب أن يعتمدها إصدار العفو؟ هل تلك المرتبطة بالحسابات الشخصية والحساسيات النفسية؟ أم تلك المرتبط بقياس ضغط الشارع ودرجة الاحتقان الاجتماعي والغضب الشعبي؟ ناهيك عن ضرورة النظر إلى حقيقة الملفات وعدالة المحاكمات التي يجب أن تكون محددا رئيسيا في سلوك مساطر العفو تحقيقا للإنصاف والعدالة.. واستدراكا على الأحكام الخاطئة.. وكذا تحقيقا للأمن القضائي والاستقرار الاجتماعي والأمني..

 

أجواء التعاسة

مرة أخرى تمر أجواء عيد الفطر في شقاء وتعاسة، بعد أن تلهفت قلوب المعتقلين وأسرهم إلى عفو ملكي يعيد إلى قلوبهم سعادة افتقدوها لسنوات.. وإلى أفواههم ابتسامة غابت عنهم لأعوام، وإلى وجوهم إشراقة اختفت عنهم لشهور وأحوال .. عيد بطعم الحزن الذي يمزق الأحشاء.. وبحرقة الشوق الذي يكوي الفؤاد.. عيد حجب الابتسامة .. واعقبها انتكاسة .. أمات الأمل .. وأحيا الألم .. عيد طرد الفرح .. واستضاف القرح .. عيد انهمرت فيه الدموع .. وانطفأت فيه الشموع .. واستمرت معه الأيام العجاف .. وأنين النسوة الضعاف .. وانكسار الصبية الكساف.. فإلى متى؟

يقول الله سبحانه وتعالى: (إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) (النساء: 149).

وقوله: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (المجادلة: 2).

فما الذي يمنع من التخلق بأخلاق العفو الغفور؟ ما الذي يمنع من إدخال السعادة في قلوب الأمهات المكلومات والزوجات المهمومات .. ؟ ما الذي يمنع عنهم هذا الخير ؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.