حتى لا يشكل التوظيف الدارجي الاستثناء لتأصيل كلمة “مول” وما يتداخل معها في الدارجة المغربية

0

ريحانة برس محمد عبيد

خلق توظيف كلمة “مول…” في مقالنا يوم العيد السعيد عند اثارتنا للحالة الاجتماعية لعمال النظافة وحرمانهم من فرحة العيد، ولكون الكلمة تم توظيفها عند تناول موضوع مهمة اصحاب النظافة جدلا وامتعاضا من بعض القراء الذين لم يتقبلوا أن تربط الكلمة ب”مالين الزبل”… معتبرين أن توظيف الكلمة تحقير أو إهانة لشخصية العامل في مجال النظافة… ومتجاهلبن أصل الكلمة التي تندرج ضمن قاموس كلمات العامية المغربية (الدارجة) وأنها لصيقة بعدد من الوظائف والأشغال والأعمال والمهام يطلقها عموم المغاربة في تعابيرهم اليومية، وبأنه في الأوساط الشعبِيَّة المغربِيَّة ينعَتون لهجة تواصُلِهِم بالعربيَّة وأحياناً الدَّارِجة.
وتجاهل المنتفضون توظيف كلمة “مول” وعطفها على الزبل كغيرها من بعض الكلمات بالدارجة المغربية بأنها كلمات من عمق اللهجة المغربية المعروفة بالدارجة هي اللغة العامية المستعملة لدى كل المغاربة، وقد تكون بعضها خليطا من العربية الفصحى وكلمات بعضها من اللغة الفرنسية أو الإسبانية خاصة منها ما يرتبط بالعمل أو الوظائف عند القيام بوصف شخص معين تعتبر من المهارات الأساسية لكل متعلم في تعلم لغة أو لهجة ما.
وكثيرا عند وصف شخص معين ما نحتاج إلى التعبير بشكل دقيق عن ما يميزه عن غيره إما من حيث المظهر الخارجي أو من حيث شخصيته أو مشاعره…
هذا فضلا عن كون استخدام المظهر الخارجي كثيرا كذلك ما كان هو إحدى الطرق المعبرة عن وصف شخص ما باللهجة المغربية… ولكن على مدى قدرة الذاكرة لتمثيل خصائص الوجهه والطول وحجم الشخص وغيرها من الخصائص التي تميز الشخص الذي نريد وصفه.
فلتعميم الفائدة، ومن حيث المعجم لغويا تفيد كلمة /مـول/ ترخيم في الدارجة المغربية لكلمة /مولى/ بمعنى “صاحب”، بمفهوم مِلكية المالك للشيء أو لـزوم الشيء له (مولى نوبة = مول النوبة، مول البلاد، مول الموسطاش، مول اللحية، مول الصداع، مول العربية، مول الماط، مول الخُضرة، مول النخّالة، مول الضو، مول الطاكًية، مول الزيعة، مول الشكارة، مول السبّاط …)…
وكلمة /مولى/ في العربية من الأضداد، فهي تستعمل لـ”السيد”، كما تستعمل لمن هو تحت ولايته (“المولى إدريس”، و”مولاه راشد”)… أما استعمالها في الدارجة المغربية، فهو ترجمة سوسيو-لغوية لـكلمة “بابا” التي تفيد في الأمازيغية “الأب” (/باباس/ “أبوه”) أو “السيّد” (/بابا ربّي/ = “سيدي ربّي”؛ /بابا حقّي/ = “سيدي حقي” …) أو الربّ المالك (/باب ن-تكًمّي/ “ربّ البيت”، /باب ن-وولّي/ “صاحب الغنم”، /باب ن-يكًنوان/ “ربّ السموات”).
وقد أدّت تقاليد ترجمة كثير من الأسماء الأمازيغة بالمعنى إلى العربية إلى انتشار كثير ممّا يسمّى بالفرنسية بـ/البليوناسم/ (pléonasme) في الدارجة المغربية، وهو ما يسمى بـ”الإرداف الترجمي”… من ذلك مثلا، في ما يتعلق بموضوع الثنائي سّيّـد/مولـى، قولهم: /بابا-سيدي/، /بَّـا-سيدي/، /سيدي-مولاي/، /يا بابا، يا سيدي/، /دوّار-يغرم/، /جبل-ادار/، /كدية-تاوريرت/، /جنان-اكًافاي/، /العربية-تاعرابت/، /عين-اغبال/ (/اغبال/ “الينبوع”)، وقد ثلّث الفرنسيين بعد الحماية التسمية الأخيرة، فقالوا La fontaine de Aïn Aghbal (ثلاث كلمات تفيد نفس الشيء)… الخ.
أما المقابل المؤنث لـكلمة مولى/مول في العربية المغربية، فهو /لالّة/،وهي كلمة أمازيغية (/لالّا/) بمعنى سيّدة/مولاة بنفس مفاهيم ملكية الشيء أو لزوم الشيء لصاحبه (/تاويّا د-لالّاس/ “الخادم ولالّاتها”).
وعلى غرار وجهي مولى/مول، طورت كلمة /لالّا/ في الأمازيغية صيغة مرخّمة هي /لال/ (/لال ن-تكًمّي/ “ربّة البيت” = “مولاة الدار”، /تاويّا د-لال نس/ “الخادم ومولاتها” = “الأمة ومالكتها”، /لال ن-تزارّارت/ “مولاة الكًـُلادة”، /لال ن-وفولكي/ “مولاة الزين”).
ونادرا ما تترجم كلمة /لالّا/ الأمازيغية في الدارجة بلفظ /سيدْتي/. فعلى خلاف أسامي الأولياء والصالحين و”رجال البلاد” (“مُّالين البلاد) التي تتراوح في المغرب ما بين /سيدي/ و/مولاي/ (ونادرا /بويا/ أي /بابا/ مثل بويا-عومار) اللتين هما في الأصل ترجمة للقب /بابا/ الدال حسب السياق على الأبوة أو الربوبية أو المِلكية (/بابا-ربّي = باب ن-يكًنوان)، تُلقب جميع الصالحات في المغرب بـ”لالّا” (لالّة شافية، لالّة ميمونة، لالّة عزيزة، لالّة تاعلّات)، وليس هناك سوي اسم الوليّة الصالحة /سيدتي فاطنة/ (الضاحية الجنوبية لمراكش)، التي أصبحت تنطق [سيتّي فاطنة] بإدغام الدال الساكنة في التاء، والتي هي ترجمة لتسمية /لالّا فاضمة/.
وكان أن نشبت خصومة بين بعض فقهاء القرويين وأبي علي اليوسي في شأن ما درج عليه الأمازيغ من إطلاق اللقب المثنى ما بين الأمازيغية والآرامية في الفترة الهيودية-المسيحية، أي /بابا-ربّي/ على اسم الجلال (لفظ “الله” لم يدخل إلى القاموس الأمازيغي في ما عدا العبارات المسكوكة)، فتمّ تبادل منافرات نقائضية شعرية في المسألة بين الطرفين…
فللأماتة وللتاريخ، فإن اللَّهجة المغربِيَّة أو الدارجة المغربية، هي إحدى اللهجات العربية، تُصنَّف ضِمنَ اللِّسان المَغارِبي (وهو لِسَان المغارِبَة، والجَزائِريِّين، والتُّونسِيِّين)، يستعمِلُها أغلب المغاربة كلُغة التواصل كمَا أنَّها اللَّهجَة الأم لِ 50% مِن المَغارِبة، ومحكية في بعض المناطق كَلِسان ثانوي وذلك في الأقاليم الناطقة باللغة الأمازيغية.
اللِّسان المغربي عَامَّة هُوَ إرث للحضارة الإسلامِيَّة حيث تأثَّر بِلسَان الشُّعوب غير العربِيَّة التي ساهمت في بناء هذه الحضارة كالسكان الاصلين الامازيغ، الأندلسيِّين، والفرنسيين.
إن اللَّهجَات المغربيَّة (بِمُختَلف أنواعِها) تَدخُل ضِمْنَ اللُّغة العربِّية وهي حسب الدستور المغربي اللغة الرسمية لِلبَلَد، حَيثُ تُمَثِّل هُوِيَّة جميع المغارِبة التي تأصَّلت فيهم لِأزيَد مِن 12 قَرناً… وفي إسبانيا يتم الإستعداد لاتخاذ قرار حول القيام بتدريسها إلى جانب الإسبانية وذلك في مدينة سبتة المتمتعة بالحكم الذاتي… رمز الأيزو للدارجة المغربية هو ary.
&✓ملحوظة خاصة: كل الاحترام والتقدير لعمال النظافة… ننحني لهم احتراما وتقديرا نظرا لما يقومون به من دور مهم في المجتمع، وتفانيهم في أداء واجبهم ولاسيما في المناسبات والأعياد التي تكثر فيها النفايات عيد الأضحى مثلا… الأساسي هو وجب تحسين حالتهم المادية والمعنوية (وهو ما لم يدركه قراء مقارنا عن مالين الزبل يوم العيد الذي اكتشفوا بقراءة” ويل للمصلين!).. راهم شرفاء وأما ما يطلق عليهم ب” مول الزبل” هي فقط عبارة شكلية متجدرة في اللهجة المغربية ك:(مول السفنج، مول البوسطة، مول الضريبة، موالين البلاد….ووو).. لم نأت بها لتحقيرهم أو للتقليل من شخوصهم ولا لنَحُطَّ من كرامتهم… كلنا مالين الزبل وكلنا أصحاب الزبل.. الجاحد فقط من سينكر هذه الصفة على شخصيته… وشرف الله قدر الجميع لأن “النظافة من الإيمان”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.