لا تعطينش القفة، خدمني باش نجيبها!”…شباب أزرو: “لا لسياسة الخنوع!”

0

ريحانة برس – محمد عبيد

أطلق نشطاء فايسبوكيون بمدينة آزرو هاشتاغ للتنديد بالعملية التي كثيرا ما تم تعويمها بالإحسان للفقراء ودعم العاطلين عن الشغل، والتي تخدش في كرامة المواطن المغبون وتزيد من إهانته.

“لا تعطينيش القفة، خدمني باش نجيبها!…” هو شعار الهاشتاغ الآزروي الذي يعلن من خلاله المنادون بأن هذا الأمر يمس كرامة المواطن الفقير ويزيد في تكريس مظاهر الطبقية بالمجتمع عن طريق تقديمه قففا مناسباتية لا تسمن ولا تغني من جوع ( كيس من الدقيق والزيت، والسكر والشاي، وكميات من العدس)… الأمر الذي يخدش عزة الأشخاص عموما وخاصة العائلات المحتاجة…

“عوض تقديم القفة كان الأحرى بالمسؤولين على اختلاف مهامهم ومناصبهم إتاحة توفير هذه الفئة المستضعفة من الشعب وخاصة منها العاطلين فرص الشغل، ليتحرر المواطن في انسانيته، سيما وأن القفة تسلب للمواطن انسانيته بذله وإهانته وترويضه لسياسة قفة الحكومة والمدعين بالاحسان، والتي يغتنمها البعض للاختلاس منها على حساب المعوزين، وتصبح هي ذاتها بؤرة من بؤر الفساد الذي ينخر جسد الدولة… فضلا عن أن القفة “هي إذلال للمحتاج، وتعمل على غرس سلوك الخنوع والكسل، والتغطية على الممارسات السلبية للسلطة من أجل الحصول على قفة العار”.. يقول أحد المعلقين عن تفشي ظاهرة القفة…

ومضيفا القول: “القفة لا تكفي حاجيات العائلات المعوزة، وحتى ولو تم مضاعفة الثمن المخصص، لأن الفساد والمحسوبية يقفان سدا منيعا لتحقيق الغاية منها، استنادا إلى ما سبق وأنه ثبت بالتجربة خلال عدد من المناسبات من عمليات اختلاس وتلاعب في قيمة هذه القفة ووصولها لبعض المحتاجين متأخرة… او إقصاء الأحق بها من البسطاء والفقراء لاعتبارات غير موضوعية سواء من قبل بعض أعوان السلطة أو المسؤولين عن السلطة أو حتى بالجمعيات التي تدعي الاحسان…

وهو ما يجعل الكثيرين يتساءلون حول ما إذا كانت “القفة” إعانة أم إهانة؟ ام تصفية حساب ومناسبة لفرض الخنوع وممارسته على حياة المواطن المغبون؟!! وهل من العدل أن ينال الشخص الواحد نفس الحصة التي تحصل عليها أسرة متعددة الأفراد؟”…

فيما قال فاعل اجتماعي: “إن أفظع أنواع الجوع الذي يتعين محاربته هو ذاك المعشش في أدمغة وبطون أولئك الذين نذروا أنفسهم لاقتناص الفرص، والاغتناء بشتى السبل والوسائل على حساب المستضعفين، حيث يستثمرون المناسبات الدينية في القيام بأعمال “تخديرية” ليس ابتغاء مرضاة الله، وإنما طمعا في أصوات الناخبين…

فالتضامن النابع من القلب والوجدان، عمل نبيل لا يمكن إلا تثمينه وتشجيعه والدعوة إلى تطوير آلياته، على أن يمس الفئات المستحقة خلال شهور السنة وليس فقط في المناسبات وبالأخص في رمضان والأعياد والمواسم الدراسية… وكم كان المواطن العادي يأمل أن تحظى هذه الفئات الاجتماعية الهشة بالرعاية اللازمة على مدار السنة وليس فقط في المناسبات التي تسعى بها بعض الجهات الى تلميع صورها، وأن تنال هذه الفئات حظها من التنمية المستدامة ومن ثروات البلاد التي تتحكم فيها فئة قليلة من المحظوظين دون بقية عباد الله، الذين يظل معظمهم عرضة للتهميش والإقصاء والفقر والأمية والبطالة والأمراض… فهل هؤلاء المقهورون لا يعانون من الحرمان وضيق ذات اليد إلا في فترات معينة من السنة تفطن بها العقول المبتكرة دون بقية ايام السنة؟”.

وقد تعددت الآراء حول هذه الظاهرة التي تثير دوما نقاشا، بين من يعتبر أنها خطوة للحد من تأثير ارتفاع تكاليف المعيشة نتيجة تطور الاستهلاك، داخل الأوساط الفقيرة، وبين من يراها أداة غير ناجعة لمحاربة الفقر… وأن أفضل طريقة للتغلب على الفقر هي الاعتماد على الاقتصاد من أجل خلق الشغل الدائم للناس ورفع أجورهم.

وجدير بالإشارة إلى أن عدد السكان الغير النشيطين بمدينة آزرو يفوق أكثر من ثلث سكانها، وان عددا كبيرا من العاطلين عن حاملي الشهادات… ويعود السبب في ذلك إلى هزالة عروض الشغل بالمنطقة، التي يغلب عليها الطابع القروي الصرف، وهشاشة النسيج الاقتصادي المحلي المبني أساسا على النشاط الفلاحي والسياحي، وضعف البنيات التحتية القابلة لاستقطاب استثمارات وإنعاش مقاولات صغرى ومتوسطة، وغياب مؤسسات إنتاجية في الميدان الصناعي والحرفي، ومحدودية أوراش العمل في قطاع البناء والتجهيز، بالإضافة إلى الإجهاز على فرص العمل التي كان يوفرها الإنعاش الوطني، ولو أن هذا المجال الأخير تم تبديله بعملية “أوراش” التي قيل ويقال في شأنها الكثير ليس فقط لاقتصارها على فترة معينة من السنة ومحدودة للشغل، بل للنهج الذي يطغى عليها في انتقاء المدمجين فيها حيث كذلك تطغى المحسوبية والزبونية وغيرها من السلوكات التي تعيق الهدف الحقيقي من هذه العملية..

هذا علاوة على الظروف البنيوية، تساهم عوامل أخرى في استفحال حدة البطالة، خاصة في أوساط حاملي الشهادات، ومنها محدودية المركز المحلي للتوجيه والإرشاد في مجال الشغل الذي غالب ما يقدم عروضا منقولة عن مناطق أخرى وشركات خارج الإقليم قد لا يحظى الشاب الأزروي بنصيب منها إلا من أحبه القدر ومن غفر له ربه.

دون إغفال وضعية العشرات من الشباب الذين أقبلوا على برنامج التكوين من أجل الاندماج مع بعض المحلات التجارية والمؤسسات الحرفية البسيطة والجمعيات العاملة في المجال التنموي بالإقليم، كما يغيب دور الجماعة المحلية في مجال تشجيع مبادرات التشغيل وعجزها عن خلق أوراش ذاتية للعمل(وليس الاشراف على البرنامج الوطني لعملية أوراش! التي تركب عليها بادعاء توفير الشغل!)، وأحياء حرفية منظمة ومشاتل للمقاولات الصغرى، مع أن المنطقة زاخرة بمؤهلاتها سواء منها ثرواتها الغابوية أو الفلاحية والتي لا تحتاج سوى لإرادة العمل من أجل نفض غبار الإهمال عنها.
ويعاني أغلب سكان مدينة أزرو في الأحياء الهامشية كحي “امشرمو” وحي “سيدي عسو” وخي “القشلة” وحي “الرتاحة” وحي “تابضليت”، وأحياء أخرى من الفقر الذي اشتدت قساوته مع توالي السنوات العجاف الماضية وتزايُد وتيرة الهجرة القروية ومحدودية فرص التنمية الاقتصادية في المجالين الفلاحي والسياحي، فأنتج هذا الوضع جيوشا من العاطلين ومحترفي الحرف الهامشية والمشردين وبائعي السجائر بالتقسيط…

ويستخلص مما سبق ذكره أن سكان أزرو اصبحوا مقتنعين بانعدام فرص الشغل لقلة المرافق وانغماس القائمين عن الشأن المحلي في فسيفساء لا تمت بالنهج الايديولولوجي الذي تركب قاطرته مهما تنوعت نوافذ استراتيجيته…
ولقد ظل الاباء والأمهات يعانون الأمَرٌَيْن في البحث عن مصير قوتهم وقوت عيالهم… وأمسى الشباب متسكعا في الشوارع والأزقة طالبين صداقة من أصحاب المال والجاه.. وبات شغل هذه الفئة عماد مستقبل البلاد هو البحث عن المخدر و”قراعي” الخمور..

فما فتئ الناس بمدينة أزرو المنسية والمقصية والمهمشة من كل تنمية اجتماعية حقيقية لا يمكن إلا عكسها في برامج تنموية اقنصادية تعفي عنهم ما يتغنى به أصحاب الشأن المحلي في بناء وتشييد مرافق لا تعدو أن تخدم إلا مصالحهم مما تزعمه من مشاريع سوسيو-تربوية أو عمرانية؟!!..
و مادام سكان أزرو وهم على هذه الحال مع كان وأخواتهم كأدوات ناسخة للأفعال فإنهم يتمنون صادقين أن يتخطى هذا الدرس كل من يعنيهم أمر هذه المدينة لانتشالها من يد كف عفريت عسى أن يكون الدرس المقبل كفيلا باستعمال الحروف الناسخة من إن وأخواتها..

ويبقى الأمل والترقب عالقين لتجاوز الأوضاع المزرية على جميع المستويات للنهوض بالمدينة وتفعيل مؤهلاتها البشرية والاقتصادية والطبيعية لضمان فرص حقيقية للشغل، لا لفرص تقديم القفف لمزيد من اتساع قاعدة “قلة الشغل” وتكريس سياسة الخنوع…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.