أي تراث شعبي أجدر بالاحترام والبقاء؟ ح.2

0

محمد وراضي – ريحانة برس 

    نعم، نحن ملكيون، نكررها لأننا لا نستطيع نكران ما هو تاريخي مؤكد منذ تولى إدريس الأول إدارة شؤون المغرب، إلى حد أن بلدنا بعد ذلك أصبح من ضمن الإمبراطوريات الكبرى. ولو لم تكن الملكية نظاما يؤدي وظيفة حفظ الأمة وسلامتها وقوتها واستمرارها، ما سلم المغاربة أمرهم إليها، وتحركوا بحرية تحت سلطاتها. وقصد من أراد منهم أداء مناسك الحج شرق عالمنا المتسع العريض.

أو أراد تحصيل العلوم في أماكن تدريسهما انطلاقا من تونس حيث تلامذة مالك بن أنس، وأبرزهم سحنون القيرواني.. كما يجد بعضنا راحته في مصر التي هي بدورها مستقر أتباع مالك البارزين. وهناك من يجمع بين الرغبة في تحصيل مختلف المعارف وبين الرغبة في أداء مناسك الحج، أو أداء مناسك العمرة، أو الجمع بين أدائهما في الآن ذاته. دون أن ننسى الاتجاه إلى الأندلس الإسلامية التي لا تخلو من علماء بارزين، لهم في الفقه والأدب العربي في مجمله صولات وجولات، مع التنوع في الاختيارات التي تغطي مختلف المجالات، أما النقد الذي يرافق الاختيارات والدفاع عنها، فلا يمكن غض البصر عنه. مما يعني أن الحرية كانت متوفرة، وأن الملكيات عندنا لم تفرض على العلماء الاختيارات المحددة كي يقال: إنهم يمثلون الدين في نظر الدولة، بل ونذهب إلى حد القول بأن العلماء بمثابة الواسطة بين الأمة والحكام. فمن لم يبايعوه لا يمكنه أن يصبح حاكما لها في يوم من الأيام. فضلا عن كون العلماء البارزين يقفون وراء الإطاحة بنظام غير شرعي، إلى حد أن لدينا قصصا متصلة بأحداث توضح بجلاء كيفية ظهور نظام جديد، بحيث إننا لا نجد وراءه غير عالم جليل، يعد من آل البيت وقد لا يعد كذلك. بصرف النظر عن الجهة التي برز فيها أو قام فيها بثورة موفقة.

    لكن المغرب بعد النظام الإسلامي الحر المتفتح، تحول بفعل الاستعمار الفرنسي إلى نظام غير حر وغير متفتح، فما فرضه الاستعمار هو الذي علينا القبول به. فكل تصرفاتنا خاضعة للرقابة الصارمة التي تعني التنفيذ الفعلي لكافة المخططات التي سطرها، دون أن نضطر هنا إلى تقديم نماذج حية من السطوة الاستعمارية التي يغيب عنها أي احترام، من منطلق الدين ومن منطلق النظام الرأسمالي – الليبرالي القائم، ومن منطلق ما يصفونه بالإنسانية، غير أننا على كل حال، خاضعون لرغبة من يسيرون حينها شؤون بلدنا.

    وكنا يومئذ ننتظر بشغف لا نظير له مغادرة المحتلين، ولما غادروا بفعل النضال والمقاومة – كما قلنا – تطلعنا إلى الحرية والاستقلال كما كنا نكرر بأصوات جماعية “للامينة الوردية جابت الاستقلال والحرية”.

    وبالمناسبة، لا يمكن نكران جميل كبار المناضلين والمجاهدين الذين ساهموا بفعالية لا نظير لها للتخلص من الاستعمار من جهة، ولترسيخ الاستقلال والحرية من جهة أخرى، كانوا غير منتمين أو كانوا منتمين للأحزاب التي أدت أدوارها بكيفية أو بأخرى في بلورة الهوية المغربية قبل الاستقلال وأثناءه. إذ لا يمكن إلغاء أدوار السادة: علال الفاسي، والمهدي بنبركة، وعبد الله إبراهيم، والدكتور الخطيب، ومحمد بن الحسن الوزاني… إلى آخر من لم نأت على ذكر أسمائهم لاستحالة هذه العملية. فهم جميعهم مناضلون بصرف النظر عن كونهم يمينيين أو يساريين اشتراكيين أو ليبراليين. فلكل واحد دوره الذي يؤكد مغربيته وإخلاصه في خدمة بلده وشعبه، بعيدا عن المحاسبات الضيقة التي هي بمثابة أغطية توضع على الوجوه حتى لا تعرف حقيقة أصحابها، وحتى إن كثرت الإدانات المتبادلة بين كافة الأطراف، فلا أحد من عقلاء الأمة ينكر ما قاساه المدينون والمدانون من متاعب لأداء واجب وطني، هذا الذي يوحد بينهم من نظرة موضوعية مخلصة.

    فقد قابلنا والحمد لله كلا من الراحل محمد المختار السوسي، والسيد علال الفاسي، والمهدي بنبركة، ومحمد بن الحسن الوزاني، والدكتور الخطيب، ومحمد عواد السلاوي، والسيد عصمان صهر الملك الحسن الثاني، والحاج محمد معنينو الذي قويت علاقتي معه. وكان أن استفدت من كل هؤلاء ما استفدته. علاوة على صلتي الوطيدة بالفقيه البصري، بصرف النظر عن الميولات الأيديولوجية لكافة الأطراف. كما قويت صلتي لفترة مع الدكتور عبد الكريم الخطيب إلى حد أنني أن الذي توسطت لديه لبنكيران حتى يصبح عنصرا من عناصر حزبه (الحركة الشعبية الديمقراطية). مما مكنني من الاطلاع على قضايا وطنية لدى هذا الدكتور الذي أعرفه عن قرب. كما أعرف فضله على النظام المغربي الذي كانت علاقة أسرته قوية به منذ زمان.

    إنما ما الذي تمثل علاقتي بكل هؤلاء؟ إنها علاقة استفادة لا تبعية عمياء، ففكري متسع للتمييز بين ما هو مقبول منهم من طرفي ومن طرف غيري، وما هو مرفوض منهم مني ومنهم على حد سواء… فالنقد الموروث في الفكر العربي لازمني حتى الآن..

الدكتور: محمد وراضي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.