مسؤولونا الكرام : “استمتعوا بالصوت العالي..واستعبدونا بأضغاث أحلام”

0

ريحانة برس – محمد عبيد

أصبحنا نعيش زمن الفتونة قولا وفعلا.. زمن يسيطر فيه صاحب القوة سواء بالحق أو بالباطل… زمن يسيطر فيه صاحب الصوت العالي، حتى لو لم يكن صاحب حق، فالأهم أن يكون هو صاحب الصوت العالى… زمن تعلو فيه الهتافات بالحق وبالباطل، وفى النهاية لايحصل على الحقوق إلا أصحاب الصوت العالى… لأنهم هم القوة والبطش والعنف… هم الفئة التى أصبحت الدولة بأجهزتها ووزاراتها وحكومتها تخشى منها حتى لو كانت على الباطل…

أصبحنا نعيش زمن الفتوات، ولكنه ليس كزمن فتوات زمان الذين صورهم نجيب محفوظ فى رواياته، فلقد كانوا يدافعون عن الناس ويحمون الضعفاء ويقفون إلى جانب المظلوم حتى يحصل على حقه…

كان هذا فى زمن غابر عندما كانت الفتونة شرف ونبل وشهامة… أما الآن فقد أصبحت الفتونة بلطجة واعتداء من القوي على الضعيف وإهانته… أصبحت الفتونة هى السنج والمطاوي التى تفتح فى وجه رجل بسيط أو امرأة لا حول لها ولاقوة… وأصبحت فرد الخرطوش الذى يحمله الصبية فى أيديهم بدلا من كتب المدرسة… وأصبحت البلطجية وقمع الراي السلاح الآلي الذى يحمله البلطجية سواء في المنتديات او المنابر او الملتقيات او التجمعات، وكذلك فى الشوارع لإرهاب الناس وقطع الطرق، وأيضا للمجاملات فى الأفراح…

فلقد أصبحنا فى زمن الصوت العالي الذي تخاف فيه حكومتنا المباركة الوقوف أمامه حتى لو كان على باطل لتقول له:”لا!”.

فلم يحدث أبدا أن رفضت حكوماتنا الموقرة طلبا لمن ينتهجون الأساليب البلطجية على ضعاف الشعب المغبون في عدد من حقوقه في العيش الكريم، فى حين أنها تترك المظاليم بحق على أبواب دواوين المظالم دون حتى نظرة تشعرهم أن هناك من يهتم لأمرهم.

حكومتنا منذ ان تولت مهامها إلى حد الآن، لا ولم نستخلص منها شئيا، عدا وصفها بحكومة تحت التمرين، لاتتخذ قرارا إلا ويعاد النظر فيه، اللهم إلا القرارات القديمة والأساليب القديمة التى تستنسخها هذه الحكومة من خارج السياق الديمقراطي بطرق ملتوية.

حكومة تغرق فى شبر مية، وتطلب الإنقاذ السريع من ذوى الخبرة،حتى أصبح المستشارون ولو تحت الطلب سبب كل القرارات العكسية التى يتم اتخاذها والتى يتم فيها توريط أكثر من مسؤول فى اتخاذ قرارات يتم التراجع عنها، لأن صحبة المستشارين لاتراعى الله فى ما تقدمه من استشارات وخاصة القانونية منها..

حكومة تسعى بكل ما اوتيت به لبسط سيطرتها على كل مجال ومقام باعتماد سياسة:”كم حاجة قضيناها بتركها”.. رغم ارتفاع اصوات المقهورين والمغبونين والمقصيين من ابسط حقوقهم والفقراء، وابرزها ترك حاجات المواطنين ومطالبهم سعيا في العيش الكريم.. طبعا ترك الحاجة لقضاء اغراضها الملحاحة!..

 الناس قد ضجت بالشكوى من تجاوزات تصنف ضمن خانة السلوكات البلطجية، وعجت جل الميادين والفضاءات العمومية والشوراع بانتشار الوقفات الاحتجاجية جلها همها الاساسي البحث عن لقمة العيش الكريم..

أما أصحاب الصوت العالي، فعن استفاداتهم الخصوصية وعن نجاحاتهم الملغومة حدث ولا حرج، فكان آخرهم المبعدون بطريقة مفضوحة من النجاح في امتحان المحاماة الذين رفضوا الإعلان المشؤوم للنتائج ولفضائحها بجلاجل… وأسالت الكثير من مداد الحبر كلها تستنكر وتندد بهذا الوضع المقيت…

هنا نأخذ وقتا مستقطعا للتذكير بالمقولة الشهيرة للفيلسوف والكاتب والمحلل السياسي السويسري جان جاك روسو الذي يقول من خلالها بأن “الإنسان يولد حراً ولكننا محاطون بالقيود في كل مكان”.. المقولة التي كتبها في أهم مولفاتة” العقد الاجتماعي”.

وكان أن أثارت أفكار روسو التي شرحها في رواية جوليا وفي مذكراته ومقالاته السياسية والتي كان أهمها العقد الاجتماعي ضجة كبيرة أثناء حياته، حيث آمن روسو بان المؤسسات الحكومية تُدمر حياة الإنسان، وبأن الجنس البشري سينحط مع مرور الزمن إذا لم يرجع الناس إلى الطبيعة ويطبقون أسسها على نظم الحياة الاجتماعية. وهو كذلك آمن بأن فضائل الإنسان العادي تميزه على الطبقات العليا التي أفسدها الثراء البالغ والترف المدقع… وخاصة التي تشارك في هذه التظاهرة الجماهيرية تعيش إما فرحا أو حزنا إن لم أقل تعاسة. لكن المشكل يكمن أن هذه الشعوب المقهورة والتي تعيش تحت الظلم والجور والحرمان من الحقوق، وكذلك كل تنمية حقيقية، تدخل على الشعوب الفرح والسعادة، حيث تجد في كرة القدم ذلك المتنفس في إخراج ما بالنفوس… تلكم الطاقة الكامنة داخلها لأنها ربطت الفرح والسعادة بانتصار فريقها الوطني في مقابلة أمام فريق آخر، فترى الميادين ملأت بالجماهير فرحا وسعادة لانتصار فريقها، عندها لا تتدخل سلطات البلاد في خروج الشعب للتنفيس والتفريغ عما يعانيه من مشاكل، فيجد ضالته في الخروج إلى الشوارع والابتهاج بفوز فريقه. فتكون تلك الفرحة لا تشكل أي ضغط أو خطر على تلك الأنظمة، ذلك لأنها تعلم أن الأمر يعدو شكلا من أشكال ترك الشعوب تخرج ما بداخلها وتنسى المشاكل التي تعيشها لبعض الوقت.

ففي زمن تعلو فيه الهتافات بالحق والباطل، فإنه فى النهاية لايحصل على الحقوق إلا أصحاب الصوت العالي… لأنهم هم القوة والبطش والعنف… هم الفئة التى أصبحت الدولة بأجهزتها ووزاراتها وحكومتها تخشى منها حتى لو كانت على الباطل..

أصبحنا نعيش زمن الفتوات ولكنه ليس كزمن فتوات زمان الذين صورهم نجيب محفوظ فى رواياته فقد كانوا يدافعون عن الناس ويحمون الضعفاء ويقفون إلى جانب المظلوم حتى يحصل على حقه… كان هذا فى زمن غابر عندما كانت الفتونة شرف ونبل وشهامة… أما الآن فقد أصبحت الفتونة بلطجة واعتداء من القوي على الضعيف وإهانته…

أصبحت الفتونة هى السنج والمطاوي واحيانا الدعاوي والشكاوي المفتية التى تفتح فى وجه رجل بسيط أو عاطل عن الشغل أو صاحب رأي أو تعبير للفت الانتباه لتصحيح المسارات فيما يقع من انعكاسات اجتماعية وما يحبك التشويه الديمقراطية، أو امرأة لا حول لها ولاقوة…

حكومتنا الآن هى حكومة تحت التمرين لا تتخذ قرارا إلا ويعاد النظر فيه، اللهم إلا القرارات القديمة والأساليب القديمة التى تستنسخها الحكومة من خارج السياق الديمقراطي الواضح والمسؤول.

حكومة تغرق فى شبر مية وتدعي عزمها على الإنقاذ السريع من ذوى الخبرة، إلا أنها تبني قراراتها المستعجلة على اصحاب منافع خصوصية!!؟.. هي أدرى بها عن الكل والجميع.. حتى أصبحت تلك الاستشارات المخدومة سبب كل القرارات العكسية التى يتم اتخاذها، والتى يتم فيها توريط أكثر من مسؤول فى اتخاذ قرارات يتم التراجع عنها لأن صحبة المستشارين لا تراعى الله فى ما تقدمه من استشارات وخاصة القانونية منها.

يذكر أنه في غابر الازمان، كان المدرج الروماني الشهير مسرحا للعديد من المقابلات التي جرت في صحنه، منها مكان له صبغة القساوة وذلك في حضور جماهيري كبير وأحيانا بحضور قيصر روما وكل ما يجري من مبارياته تكون حقيقية لكنها مأساوية. ذلك لأن العرض يكون من خلال إلقاء بعض العبيد في ميدان المدرج الكبير وقتال إما وحوش ضارية حتى الموت، أو قتال مع عبيد آخرين وكل ذلك من أجل امتاع الجمهور الذي يشاهد مناظر القتل بشكل مباشر حتى قست قلوبهم لتلك المشاهد ومنها ما هو حقيقي مدون في أرشيف التاريخ، ومنها ما نقلته السينما العالمية في مشاهد هوليوود معروفة. لكن المغزى من كل ذلك هو جعل الشعب يلهو ويستمتع، حتى يكون بعيدا عن مجريات الأحداث السياسية التي يعيشها، وحتى يبقى كذلك مفرغا لكل ما من شأنه أن يكون ضد النظام الذي يحكمه بقوة وطغيان.

واليوم نعيش تقريبا نفس الأمور، إلا أن الأشكال المتبعة في جعل الشعوب تستمتع ويتم صرف وتوجيه اهتماماتها اختلفت وتعددت في زمننا هذا، لكن أهم شيء يشد الشعوب وخاصة شعوبنا العربية هو لعبة أضحت مسكنا للشعوب إما بالفرح أو الحزن، وقد يؤدي في بعض الأحيان لبعض من يعشق هذه اللعبة إلى الإدمان عليها والتعصب إلى من يحب كثيرا، إنها ملهمة الجماهير كرة مملوءة بالهواء إنها كرة القدم.

نفرح عندما نتساوى في الحقوق والواجبات. ويكون فرحنا كبيرا بعودة حقيقية لأصول ديننا الحنيف، أما الفرح من أجل الكرة ونحن نعيش هوانا وظلما هذا مجانب الصواب، فأي فرح يمكن للشعوب أن تختاره؟

جاء في احدى الروايات بأنه في عهد الطاغية نيرون إمبراطور روما أرسل سفينة محملة بالذهب إلي مصر لتأتي برمال لتفرش في ساحة حلبة المصارعة (كولوسيوم) التي تقام عليها ألعاب القتل مثل التقاتل بين العبيد، او التقاتل بين البشر والحيوانات المفترسة..

و بينما هذه السفن في البحر قامت الجماهير بثورة لأن روما كانت تمر بمجاعة كبيرة… حيث لم تكن هناك حبة قمح واحدة في البلاد، وثار الناس في الشوارع وحطموا المدينة.

حين وصلت السفن إلي مصر علم كبير الضباط المسؤول عن القافلة بما حدث، فسأل الحاكم الروماني لمصر عما يجب أن يفعله، هل يشتري بالمال قمحاً ليعود به لينقذ روما أم ينفذ ما أمر به قيصر نيرون و يعود بالرمال؟!!

تعجب الحاكم من السؤال الذي لا يصح أن يصدر عن ضابط في مثل هذه المكانة الكبيرة… بالطبع عليه أن يعود لقيصر بأسرع ما يمكن محملاً بكل ما يمكنه من الرمال!

المرعب في الأمر أنه حين عاد بالرمال وبدأت الألعاب هدأ الشعب، و إنتهت الثورة!!. حيث انشغل الناس في الألعاب ونسوا ما يمرون به من مجاعة.

لازالت هذه الاستراتيجية تستخدم للسيطرة على الشعوب الغافلة إلى يومنا هذا… اعطي للشعوب كرة القدم والسينما والحفلات الغنائية، وقدم بعض المنح والوعود الفارغة ثم افعل ما شئت بهم! ….

يقول المفكر مصطفى محمود: “أكبر إنجاز حققته أنظمة الدول المتخلفة هو أنها استطاعت إقناع شعوبها بأن التأهل لكأس العالم إنجاز كبير… وأن انهيار التعليم والصحة شيء عادي” .

كرة القدم أصبح لها باع وشهرة وأضحت لها ميادين عديدة وتظاهرة عالمية تقام وتجتمع لها شعوب الأرض متلهفة في فرجة وفرح ومتعة، نعم أصبحت هذه الكرة الهوائية مصدرا مهما يتم من خلاله جعل الشعوب، وخاصة التي تشارك في هذه التظاهرة العالمية تعيش إما فرحا أو حزنا إن لم أقل تعاسة.

 لكن المشكل يكمن أن هذه الشعوب المقهورة والتي تعيش تحت الغبن واليأس والبؤس والحرمان من الحقوق وكذلك كل تنمية حقيقية تدخل على الشعوب الفرح والسعادة، تجد في كرة القدم ذلك المتنفس في إخراج ما بالنفوس تلكم الطاقة الكامنة داخلها لأنها ربطت الفرح والسعادة بانتصار فريقها الوطني في مقابلة أمام فريق آخر، فترى الميادين ملأت بالجماهير فرحا وسعادة لانتصار فريقها، عندها لا تتدخل سلطات البلاد في خروج الشعب للتنفيس والتفريغ عما يعانيه من مشاكل، فيجد ضالته في الخروج إلى الشوارع والابتهاج بفوز فريقه. فتكون تلك الفرحة لا تشكل أي ضغط أو خطر على تلك الأنظمة، ذلك لأنها تعلم أن الأمر يعدو شكلا من أشكال ترك الشعوب تخرج ما بداخلها وتنسى المشاكل التي تعيشها لبعض الوقت.

أما الأمر الآخر الذي يجعل الأمور تتغير هو خسارة فريق ما في هذه التظاهرة العالمية، وهنا أيضا يجعل الأمور تنحو منحى آخر، ففي حالة الخسارة ينقلب الفرح حزنا ويتحول الأمر لتعاسة، ذلك لأن هذه الشعوب المسكينة المقهورة تم ربط فرحها بهذه الكرة الهوائية في انتصار فريقها لأنها أصلا تعيش في عدم استقرار سياسي أو اجتماعي أو غير ذلك.

لقد صرنا نعيش عالما كله اضغاث أحلام، فالحالمون كثر، والأحلام منها ما هو جميل، ومنها ما هو مرعب، حتى أضحت ونحن في الألفية الثالثة الأحلام، وبفضلهم، كوابيسأ وخلبيات لا تبرح الصدور والعقول الباطنة منها والظاهرة والمستترة.

وقد تمت مصادرة الأحلام كليا، ووأدها جماعيا، وحصر انتاجها وبيعها ونقلها وتوزيعها وتداولها، والمتاجرة بها وتوريثها إلا “بكوبونات” رسمية.

وإن كان معلوما بأن الحلم جميل حين يكون طبيعيا وعاديا، لكنه للأسف مع واقع الحال، فإن هذا الحلم كثيرا ما يتحول إلى وهم قاتل حين يكون مرضيا.

ونتيجة لهذه الإخفاقات الدائمة والأحلام الموؤودة أصبحت لازمة الأحلام عندنا هي الأضغاث فقط، ولم تعد الأحلام وردية قط، بعد أن سرقت حتى الأحلام الصغيرة وأصبح الجميع يعيش بحالة كابوس جماعي مرعب وقاتل.

ويتمنى معظم النائمين، والشاردين والغافلين والمنومين قسرا والمغيبين عن الوعي من بطون، وأفخاذ وسيقان وكواحل، وأتباع تلك الاقوام المضللة أن يناموا نومة أبدية سرمدية واحدة لا صحو منها ولا قيام وبدون أية أحلام… وهي بكل الأحوال أفضل من المهانة والضيم والجور الذي يلاقونه وهم في كامل وعيهم ليتخلصوا من هذه الرؤى المخيفة….

ختاما مسؤولونا الكرام: “بوركت خطواتكم بتعايشكم مع أصحاب الصوت العالي، فرجاء اتركونا نستمتع ونستلذ بأضغاث أحلامنا إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

*#الآية الكريمة: ﴿ وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ ﴾—[ الأنفال: 44].

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.