من “سوق واقف” بقطر إلى “شعب واقف” بالمغرب؟

0

الدكتور محمد وراضي – ريحانة برس

منذ سنوات، قدم إلينا القطريون بزعامة سمو أميرهم تميم، أكثر من دليل على أنهم كرماء أسخياء، بناة الحضارة على أساس وعيهم بالدين قبل غيره، فقد شرفونا حينما نزلنا عليهم ضيوفا مكرمين، يجمعنا ما لدى كل واحد منا من أدوات العلم البانية،

إنها كلمات تصب في خانة واحدة، تمثلت في تعميق وعي الشباب المسلم بمبادئ دينه التي يجب أن تحضر باستمرار في البناء الحضاري المتميز. وهذه المبادئ ألقيناها بالتناوب، وفي نظام وانتظام، في قلب وزارة الأوقاف، دون أن نقف كمجرد زوار لقطر الشقيقة، يعني أننا لم نقف عند حد تقديم ما حضرنا من أجله، وهذا الذي قدمنا من أجله، هو الذي حولت جله الحكومة الرشيدة في العاصمة وغيرها من المدن القطرية، إلى ما يبرهن بأنها جادة في دعوتها إلينا. وهي حينها على أبواب تنظيم كأس العالم الكروية، فكان أن شاهدنا بأم أعيننا ما يجري في العاصمة تحديدا من عمل جاد على قدم وساق، لا بخصوص الاستعداد للتنظيم الذي عبر فيه أبناؤنا الرياضيون بأنهم أسود بواسل بالفعل، بل إننا شاهدنا بناءات عصرية جالبة للأنظار، غير الملاعب الفاخرة التي أبهرت عالم الغرب المعاصر.

    فأن تمنع قطر الشقيقة تناول الخمور في العلن، وداخل الملاعب وخارجها، وأن لا تروج لها، وأن تحول دون تفشي الفواحش الممثلة في المثلية الكريهة البغيضة، تنفيذ منها لمقتضيات فهمها الدقيق للدين الحنيف. إلى حد أن جهات جاهلية مظلمة، اعتبرت التصرف القطري الرزين المتزن، تعديا للمفروض القبول به قلب عواصم عربية وإسلامية غيرها؟؟؟

   ولم لا، فالمبادئ التي حرص علماء قطر معززين بإخوانهم في شتى البلدان العربية والإسلامية، لم تكن غير مبادئ في خدمة البشرية جميعها، مما يفسر نتائج الداعية الهندي ذاكر نايك – والألعاب جارية في ميادينها الخاصة – فكان من الطبيعي أن تتجاوز قطر ماديا ومعنويا، تنظيم الألعاب تلك إلى فتح الباب أمام الدعاة كي يرسخوا مدلول الدين الذي يمارسه القطريون بجدية لا حد لها ولا حصر، كما يمارسه باقي المسلمين تقريبا بنفس الكيفية. فكان أن اعتنق بعض الزوار دين أمتنا على يد الداعية ذاكر وغيره.

   ونأمل أن يكون ما قدمناه كدعاة وكضيوف مكرمين لقطر منذ سنوات، قد أدرك بعض مداه أو كل مداه. فقد أوضحت شخصيا لشباب اليوم كيف أن كتاب الله قد تضمن كل ما له علاقة بالإنسان، في ماضيه وحاضره ومستقبله. وآمل أن تحتفظ الجزيرة المباشر بكلمتي التي ألقيتها، والتي تصلح في نظري وفي نظر العلماء الحاضرين معي لكل زمان ومكان، إذ لا يمكن إلغاء تفسيري لقوله سبحانه: ” ما فرطنا في الكتاب من شيء” بجرة قلم.

   ولم يقف حكام قطر الطيبين عند حد إكرامنا كضيوف عاديين بما قدموه لنا من موائد فاخرة، فقد دعاني السيد وزير الأوقاف شخصيا ومعه أحد مستشاريه الذي شاركنا في الأحاديث الشيقة الدائرة حول الدين، وقضاياه وبعض مشاكله المعاصرة. ولم تكن تدخلات هذا المستشار الطيب بأقل فوائد من أحاديث الوزير المتنور العلامة، مع التذكير بأنه تخرج من دار الحديث الحسنية بالرباط. وهي نفس الدار التي تخرجت منها والحمد لله.

    ومن كرم سيادة الوزير أن عين لي – والسيدة حرمي معي – سائقا لسيارة خاصة حتى نتمكن من زيارة ما لا نعرفه من أماكن يقترحها علينا ذلك السائق المحترم. ومما شاهدناه “سوق واقف” لأول مرة، ثم أصبحت رغبتنا شبه يومية في أن نفتتح بزيارته تجوالنا لمشاهدة معالم العاصمة، لأنه بالفعل سوق شاهدنا الإقبال عليه من طرف لاعبي ومشجعي كافة الفرق المشاركة في كأس العالم، دون أن نحرم أنفسنا من الحصول في السوق الأشهر المميز على بعض ما “تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين”.

    وبالمناسبة، أترحم على العلامة الراحل يوسف القرضاوي، فقد حضر محفوفا بكرم الله إلى حيث نحن مع عشرات علماء قطر المحترمين الطيبين، في انتظار وصول سمو الأمير تميم، فكان أن قمنا نحن الضيوف الأجانب من أماكننا، لتحية العلامة القرضاوي الذي نعزه ونجله. وكان أن قبلته بين عينيه تقبيلا حارا. وخاطبته بخطاب لا يليق إلا بأمثاله. وفعلت نفس ما فعله زملائي مع سمو الأمير. فقد أخبرته أنني من المغرب، ودعوت له بالتوفيق وطول العمر.

    أما أبطالنا الرياضيون البواسل الذين شرفونا بما قدموه أمام العالم برمته، والذين أعجبوا بما أعجبنا به قبلهم، نقصد بكرم القطريين وتشجيعهم الذي لا حد له، وفي طليعتهم أميرهم، كما أعجبوا ب”سوق واقف” الذي زاروه مثلنا أكثر من مرة. ثم إنهم عادوا معززين إلى “شعب واقف” بقيادة أمير المؤمنين الذي أوضح لهم باستقباله المشرف، كيف أنهم أعزاء، شرفوا بلادهم ورفعوا من هامات العرب جميعهم أينما حلوا وارتحلوا.

   وأنا شخصيا هنا أعبر عن رغبتي في أن يتحول “سوق واقف” بلفظين نكرين، إلى “السوق الواقف” بلفظين معرفين بالألف واللام. ومثله “شعب واقف” إلى “الشعب الواقف”. لأن المعرف بهما في نظرنا أبلغ وأشد وطأة في النفوس من غير المعرف بهما؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.