الغباء المستشري غصبا في المجتمع سيد الدكتاتورية العمياء

0

ريحانة برس – محمد عبيد

يقول “خروتشوف” : اتصل بي الرفيق “ستالين”، وقال هناك مؤامرة كبيرة، لدينا معمل إطارات… وهذا المعمل هو هدية من شركة فورد الأمريكية… وهو ينتج الإطارات منذ سنوات وبشكل جيد… ولكن فجأة…ومنذ ستة أشهر.. بدأ هذا المعمل ينتج دواليب تنفجر بعد بضعة كيلومترات… ولم يعرف أحد السبب..

أريدك أن تذهب إلى المعمل فورا وتكتشف ما هو السبب.

وصلت المعمل و باشرت التحقيق فورا، وكان أول ما لفت نظري هو حائط الأبطال على مدخل المعمل..

على هذا الحائط توضع صور أفضل العمال والإداريين والذين عملوا بجد ونشاط خلال شهر.

وبدأت التحقيقات مباشرة من الإدارة حتى أصغر عامل.. لا أحد منهم يعرف الأسباب…

وقفت في أول خط الإنتاج وقمت بمتابعة أحد الإطارات ومشيت معه من نقطة الصفر حتى خرجه من المعمل.. وأصبت بالإحباط.. كل شيء طبيعي وكل شيء صحيح وكل شيء متقن ولكن الإطار انفجر بعد بضعة كيلومترات …

جمعت المهندسين والعمال والإداريين واحضرت المخططات وقمت بالإتصال بالمهندسين الأمريكيين .. لم نصل إلى حل …

قمت بتحليل المواد الخام المستخدمة في صناعة ذلك الإطار .. التحليل أثبت أنها ممتازة جداً وليست هي السبب أبداً. والإطار انفجر بدون سبب…

أصابني الإحباط.. وأحسست بالعجز.. وبينما أنا أمشي في المعمل لفت نظري حائط الأبطال في المعمل…

يوجد في رأس قائمة الأبطال أحد المهندسين على رأس القائمة… ما لفت نظري أن هذا المهندس على رأس القائمة منذ ستة أشهر.. أي منذ بدأت هذه الإطارات بالانفجار بدون سبب..

لم أستطع النوم.. قمت باستدعاء هذا المهندس إلى مكتبي فورا… للتحقيق معه..

وقلت له: ارجوك اشرح لي يا رفيق.. كيف استطعت أن تكون بطل الإنتاج لستة أشهر متتالية؟

قال: لقد استطعت أن أوفر الملايين من الروبلات للمعمل والدولة.

قلت : وكيف استطعت أن تفعل ذلك؟

قال : ببساطة قمت بتخفيف عدد الأسلاك المعدنية في الإطار وبالتالي استطعنا توفير مئات الأطنان من المعادن يوميا….

هنا اصابتني السعادة الكبيرة لأنني عرفت حل اللغز أخيرا ولم أصبر على ذلك..

اتصلت ب “ستالين” فورا وشرحت له ما حدث… وبعد دقيقة صمت قال بالحرف: والآن.. أين دفنت جثة هذا الغبي؟

في الواقع لم أعدمه يا رفيق.. بل سأرسله إلى سيبيريا. لأن الناس لن تفهم لماذا نعدم بطل إنتاج…

@ في الواقع…

*ليس بالضرورة أن تكون فاسداً وسارقا.. لتؤذينا وتدمرنا.. يكفي أن تكون… غبياً.

*ونحن نضع الاغبياء في المواقع المهمه والاساسية ونبدع في تكريمهم !!!

قصة ومثل وعبرة، تتمحور حول تبرير الدكتاتورية العمياء، توضح ان الغباء هو احد اسباب تخلف الشعوب وخصوصا عندما يتبؤ الغبي منصبا مهم بالدولة.

إن أكبر فساد هو إفساد الهمم وشراء الذمم وإلهاء الناس بعورات وهفوات وعيوب بعضهم البعض، عن أشغالهم وقضاياهم وشؤون حياتهم الحقيقية، بدل توحيدهم وتحفيزهم على التعاون والبذل والعطاء والبناء.

إن أكبر فساد يمارسه بعض المسؤولين – وليس الكل بطبيعة الحال-، هو توظيف واستغلال نفوذهم وسلطتهم في الاتجاه المهدم لأركان المجتمع والدولة، عبر محاربة الناجح و”حلب” الفاشل لاستدامة فشله، وعبر إثارة الفتن والنعرات والمشاكل بين أفراد العائلة الواحدة، وبين عائلة وعائلة أخرى، وبين قرية أو دوار ودوار آخر، إلى درجة أن يصير هَمٌُ الناس اليومي لا يحيد عن الخوض الأعمى لمعارك تافهة تدور رحاها حول ماديات ومعنويات وأمور بسيطة لا تحتاج أصلا نقاشا فضلا عن خوض معارك.

وفي الغالب يثير هذا النموذج السيء من المسؤولين النعرات والفتن والإلهاء وصناعة الأحداث التافهة، لذر الرماد في الأعين وإشاعة غشاوات التعتيم والتضليل، حتى لا تكشف للناس عمليات نهبه وتهريبه و”رشوائته”.

وكذلك من أخطر أنواع “الإفساد”، أن يستدرج المسؤول الذي يمتلك السلطة -يستدرج- موظفا بإدارة ما وبمؤسسة معينة، ويستعمله كمخبر لصالحه، يوصل له كل الأسرار الداخلية والمعلومات الخاصة بتلك المؤسسة، بل ويخبره بتفاصيل مضامين وثائق المواطنين، حتى معلومات وثيقة تم المصادقة عليها، في خرق سافر لكل القوانين والأعراف والأخلاق.

علما أن تلك المعلومات والأسرار لا ترقى من قريب ولا من بعيد وبشكل قاطع، لدرجة ما من شأنه أن يشكل شكا أو تخوفا على استقرار المجتمع ولا على الأمن القومي للدولة.

مع الأسف، إن ما يقوم به بعض المسؤولين -طبعا بدافع اجتهاد شخصي-، يقوض دعائم المؤسسة القوية، وينخر أسس النسيج الاجتماعي، ويحيلهما كيانين رخوين مشلولين لا يستجيبان لمتطلبات الدولة العصرية القوية.

أمامنا نماذج من هذا القبيل، حيث وبفعل انهماك المسؤول في زرع بذور الفتنة والتفرقة والصدام والشجار بين المواطنين، لم يبق له وقت أو بالأحرى عميت بصيرته حتى عن إيجاد حلول لمشاكل بسيطة تزداد استفحالا وتوسعا مصحوبة بسلبيات وآفات أخرى أكثر قتامة، يستحيل على مسؤول أن يحل مشاكل مرؤوسيه في الوقت الذي يظل فيه منهمكا في محاولات حصد محاصيل ما زرعه من فتن في حقول المواطنين.

وكل تلك الاجتهادات السلطوية المزاجية، لا تخدم سوى مصلحة المخطط والممارس لها، بوسائل مادية ولوجيستيكية وقوات عمومية، التي من المفروض أن يشملها تقنين وضبط ومتابعة ومراقبة ومحاسبة.

الفساد الأكبر هو أن ينشغل المسؤول بسياسة “التكليخ” والتخويف و”فرق تسد”، وسياسة زرع الفتن، عن سياسة التدبير الدستوري القانوني العقلاني لقضايا الوطن والمواطنين.

صحيح، أن أكبر فساد هو أن نقتل في الإنسان ملكاته الإبداعية وهويته الأصيلة، وأن نجهض هواياته الفنية وميولاته الإنتاجية وفطرته الآدمية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.