عبد الله الجباري يرد على فتوى الشيخ الغرياني حول الاحتفال بالمولد النبوي المعظم

0

عبد الله الجباري – فايسبوك

أولا… لم يسبق لي أن قرأت كتابا أو بحثا للشيخ الغرياني، كما لا أعرف عنه شيئا. سوى أنه من علماء ليبيا المعاصرين.

ثانيا… هذه فتوى بمدخلات واضحة وليست لها مخرجات واضحة. حيث لم ينص على الكراهة أو الحرمة أو غيرهما. وترك السائل في حيرة. وصناعة الفتوى تفرض الوضوح لإزالة لبس المستفتي.

ثالثا…. يبدو من خلال فتوى الشيخ أنه يميل إلى المنع. ولا أستطيع أن أنسب إليه من خلال هذه الفتوى حكما فقهيا. لا حرمة ولا كراهة ولا إباحة. مع أن استدلالاته تدل على الأحكام الثلاثة وتصب في ساحتها.

رابعا… استدلالات الشيخ لا علاقة لها بالصناعة الأصولية. لأن الأحكام تبنى على أدلتها قرآنا وسنة وقياسا وإجماعا واستصلاحا واستخسانا وغير ذلك. والفتوى خلو من الاستدلال. فكانت كلاما مرسلا لا يجوز بناء الحكن الشرعي عليه.

خامسا… ذكر الشيخ أن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل. وهذا خطأ من وجهين:

الوجه الأول: النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتفل بمولده الفخيم كل أسبوع بصيام يوم الإثنين الأبرك. وهذا ينفي نفي الشيخ. ونفي النفي إيجاب كما هو مقرر في الرياضيات.

الوجه الثاني: هب أن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده. فكان ماذا؟

إن فعل النبي يدل في أقصى أحواله على جواز الفعل. وعدم فعله يدل على جواز ترك الفعل. ومن الناحية الأصولية. لا نجد عدم الفعل دالا على المنع. ودونك كتب الغزالي والجويني وجمع الجوامع وشروحه وغير ذلك من المنظومة الأصولية الأصيلة.

فكان استدلاله الأول مدفوعا.

سادسا… استدل الشيخ بعدم فعل الصحابة… ولدغدغة العواطف ذكر ساداتنا الخلفاء الأربعة. وكان الاكتفاء بالصحابة يعمهم ويشملهم.

وهنا أتوقف أصوليا مع هذا الدليل. هل يوجد في أصول الفقه أن العمل لا يكون مباحا إلا إذا فعله الصحابة؟

أقصى ما نقوله أن قول الصحابي أصل مختلف فيه. والراجح أنه ليس حجة. فإذا كان هذا في قولهم وفعلهم. فإن (عدم فعلهم) ليس حجة وليس ملتفتا إليه في المدونة الأصولية.

وإذا كان عدم فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليس دليلا على المنع. فإن عدم فعلهم رضي الله عنهم ليس دليلا من باب أولى.

سابعا… وذكر سيدنا الشيخ أن التابعين ومنهم الأئمة الأربعة لم يفعلوا ذلك… قلنا… ما الفائدة من هذا الإيراد؟ وهل ثبت في أصول الفقه أن قول مالك أو الشافعي أو غيرهما حجة أجمعوا أو اختلفوا؟

هذا من تسويد الكاغد والابتعاد عن الصرامة الفقهية وصناعة الفتوى. كان حريا به أن يتجنب ذلك.

ثامنا… زاد الشيخ في تسويد الكاغد وذكر أن القرون الثلاثة لم يحتفلوا.

وقل لي بربك أين تجد في أصول الفقه إيجاب فعل أو تحريمه بناء على القرون الثلاثة؟ هذا ابتعاد عن الفقه أستغربه جدا.

لو كان عمل القرون الثلاثة حجة لكانت الكارثة التي ما بعدها كارثة. لأن الشورى أميتت في القرون الثلاثة. والاستبداد تربع على أعناقنا في القرون الثلاثة. وشرعية السيف ترسخت في القرون الثلاثة. وشرب الخلفاء للخمور ترسخ في القرون الثلاثة. وقتل سيد شباب أهل الجنة تم في القرون الثلاثة. فهل نستدل بالقرون الثلاثة على هذه الجرائم والموبقات.؟

تاسعا… ذكر الشيخ أن أول من احتفل هم الفاطميون. قلنا: ماذا بعد؟ الفاطميون بناة الأزهر والقاهرة. هل نهدمهما؟

والفاطميون حكام ذوو إيديولوجية وترسخ في أذهاننا الحكم عليهم من خلال متن خصومهم. والفقيه يجب أن يترفع عن هذه السفاسف في صناعة الفتوى.

عاشرا… ذكر مولانا المفتي قولة كان يتمثلها الإمام مالك. وهي ليست حجة. وذكر أن الخير في اتباع من سلف. وهذه مجرد قولة للإنشاء والترسل تستهوي ذوي الميول السلفية الرومانسية. ولا علاقة لها ببناء حكم فقهي مانع.

حادي عشر… ذكر الشيخ أنه يصعب تصور أن يكون الاحتفال بالمولد خيرا وقد فات أهل القرون الثلاثة. قلنا:

أ… هذا تحجير واسع. وفضل الله وخيره ومدده لا ينقطع. والله تعالى لم يخبرنا أن الخير منحصر في القرون الثلاثة.

ب… بينت أن في القرون الثلاثة جرائم وموبقات لا أراها في قروننا. وإن كانت فهي إلا نتاج لما بذر في تلك القرون.

وختاما…. الاحتفال جائز أو مندوب. ويمكن الاستناد إلى عمومات نصوص. مثل الفرح برحمة الله. والنبي صلى الله عليه وسلم رحمة.

ويمكن الاستناد على الاستصلاح.

ويمكن الاستناد على الإباحة الأصلية.

وغير ذلك من الأدلة التي صارت واضحة لائحة لكل ذي عينين.

وأنا أرحب بمن يحرم الاحتفال بمولد سيد السادات صلى الله عليه وسلم. بشرط أن يصوغ فتوى مبنية أصوليا. وهذا غير واقع منذ عهد آدم إلى يومنا هذا.

هنيئا لكم الاحتفال بالمولد المعظم

يا بخت من فرح به واستبشر.

عيد المولد مبارك على الجميع…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.