هل تجوز إذاعة القرآن الكريم في الراديو أو الأشرطة والأقراص المدمجة؟

0

عبد الله الجباري – فايسبوك

في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، وقع نقاش فقهي حول إذاعة القرآن الكريم أو تسجيله صوتيا في الأشرطة، وتدخل في الموضوع علماء كبار، منهم الشيخ محمد بخيت المطيعي الذي ألف رسالتي الفونوغراف والسكورتاه، والمقصود بالفونوغراف هو موضوعنا، والسكورتاه يقصد بها التأمين.

وضيق في موضوع تسجيل القرآن وبثه، ورد عليه بعض العلماء منهم الشيخ محمد رشيد رضا، فتولى الرد عليهم الشيخ بخيت في رسالة لعل اسمها رفع الاشتباه، ولم يفوت عليه الفرصة الشيخ رشيد رضا، والحق يقال، فردود الشيخ رشيد على الرسالة الأخيرة ليست من الرد العلمي، بل هي من التحكك في النقد، وقد وقف عند بعض القشور والعبارات دون أن يناقش جوهر الموضوع.

وانخرط في النقاش الشيخ محمد مخيمر، وهو واعظ أزهري وهابي، ومال إلى التحريم، بل جعل بث القرآن الكريم على الأثير من أكبر الكبائر. وصرح بالتحريم علي فكري الأمين (الأول لدار الكتب المصرية)، وتبنى الأزهر فتوى التحريم، وطالبت وزارة الأوقاف المصرية الفتوى وطالبت من رجال الأمن الإشراف على منع الإذاعات من بث القرآن. كما صدر قرار من إدارة الجمارك المصرية إلى فروعها يقضي بمنع إدخال أسطوانات القرآن الكريم إلى مصر، وكان القرار مبنيا على قرار من وزارة الداخلية وفتوى الأزهر.

وانخرط في النقاش الشيخ محمد الطاهر بن عاشور من خلال فتوى جوابا عن سؤال أصدرها صيف 1936،

وفي المغرب، طُلب أول الأمر من العلامة عبد الله الجراري وكان من متقني التجويد أن يقرأ القرآن في الإذاعة الوطنية، فلبى الطلب سنة 1928. وبعد ذلك وقع هذا السجال المشرقي فتحفظ عن الأمر تأثرا به، وبعد ذلك ترجح لديه الجواز وسجل للإذاعة عدة تسجيلات قرآنية، وكان أول مقرئ مغربي تُبث قراءته في الإذاعة المغربية.

والحمد لله أن مال الفقهاء إلى الجواز، ولو بقي الأمر في الحرمة لحُرمنا من أصوات ملائكية كثيرة، وهنا نسجل مسألة تعد أصلا من الأصول، وهي ضرورة فرملة جنوح فقهاء التحريم، لأن التحريم والحظر لا يميل إليه الفقيه إلا بدليل قوي، أما إن لم يكن بحوزته دليل قوي فليرفع شعار “الأصل في الأشياء الإباحة”، قال العلامة أحمد الريسوني في هذا المعنى: “لا يحق لأحد أن يحرم على نفسه أو على غيره ولا أن يفرض على نفسه أو على غيره حكما منسوبا إلى الله أو إلى شرعه إلا بدليل صحيح واضح، وإلا فهو معتدٍ ومبتدع ومتنطع”، وأزيد وأقول: الميل نحو التحريم ثقافة إسرائيلية ومنهج إسرائيلي، لأن الإسرائيليين هم الذين كانوا يصفون بألسنتهم “هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب”، والله تعالى قدم للفقهاء قانونا صارما يمنعهم من التسرع في التحريم، واعتبره اعتداء “يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا”. وأختم بمقولة للعلامة رشيد رضا: “الإقدام على التحريم ليس بالأمر السهل لأنه تشريع جديد، بخلاف القول بالحل فإنه الأصل في الأشياء”.

ومن التسرع في الأحكام والتحريم بالخصوص:

تحريم قراءة القرآن جماعة.

تحريم الذكر الجماعي.

تحريم اتخاذ السبحة.

تحريم زيارة الأضرحة.

تحريم استعمال بعض العبارات في الجناب النبوي، مثل “سندي”، وتجويزها في الأمهات، كأن يجيز الإنسان لنفسه أن يقول: أمي بعد الله سندي، ويحرم عبارة: “يا إمام الرسل ياسندي، أنت بعد الله معتمدي.

وغير ذلك من الأمثلة، وهؤلاء المتسرعون في التحريم والمتوسعون في التحريم هم الإسرائيليون الجد، وأحكامهم التحريمية هي “الإسرائيليات الجديدة”.

هدانا الله إلى الحق، ورحم الله العلماء المذكورين في هذا المنشور رحمة واسعة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.