شفشاون: منطقة تتحمل عاقبة سوء تدبير المسؤولين في ظل وضع اجتماعي خانق وفي غياب مقاربة تنموية

0

 ريحانة برس – عبدالإله الوزاني التهامي

تفاقمت وبشكل مثير ظاهرة الانتحار التي يعرفها اقليم شفشاون والتي تدخل ضمن ما يسمى في الحقل السوسيولوجي بالانتحار اللامعياري ” الذي يحدث عندما تضطرب ضوابط المجتمع نتيجة اما للكساد الاقتصادي أو انتعاشته”، وهو ما اصحى يشكل ظاهرة تمس أهم حق في منظومة حقوق الانسان الكونية وهو الحق في الحياة”.

ويسجل المواطن الشفشاوني بأن مظاهر الفقر والهشاشة والتهميش لم تعد خافية على أي زائر لمناطق غمارة الجبلية والساحلية على حد سواء، بحيث لا يكلف الناظر نفسه عناء البحث ولا الترصد، أمام جحافل العاطلين القابعين في كل قرية ودوار ومدشر ومركز من ربوع الإقليم المسحوق المسمى شفشاون.

فلقد سادت الربوع منذ أعوام ليست بالقليلة مآسي “المشانق” الإكراهية الطوعية حتى لم يسلم تجمع سكاني بسيط من فاجعة وضع حد لأرواح اضطر أصحابها أمام انسداد الأفق إلى شراء مترين من حبل، وربطه بإحكام في جذر شجرة الزيتون المباركة أو شجرة بلوط أو خروب أو تين، أشجاع بدورها بكت واستغاثت بخالقها لهول المشاهد المؤلمة قبل أن يبكي ذوي الهالك فقيدهم.

ولا يقف الأمر في أسباب ودوافع الهجرة والانتحار عند الفقر والبطالة والضعف، بل يتجاوزه إلى ما هو أعمق وأخرق، ومن ذلك عدمية المسؤولين وغيابهم الكامل عن شؤون الناس -إلا اللمم- ، بدليل انعدام المرافق المواطناتية والإنسانية في أدنى الخدمات والمصالح والمؤسسات، وقتل العمل الجمعوي التطوعي الجاد وفرض العمل الجمعوي المزيف الفاسد، وحتى إذا عثرنا على بعض المؤسسات النادرة على بعد مسافات بينية كبيرة، نجدها مهترئة متهالكة بنيويا وبشريا، لا تصلح لانعدام التكوينات والتجهيزات والمواصفات المطلوبة حتى للدواب.

وأما شريحة الطلبة المنحدرين من المنطقة فمعاناتهم لها نكهة مؤلمة خاصة، فلا منحة جامعية مناسبة، ولا تغطية صحية، ولا تعويضات التنقل، ولا ضروريات التمدرس -والاستثناء لا يغلب القاعدة- بشكل عام.

منذ أعوام كان الفلاحون “متلوفون” مع نبتة أغنت بعض رجال السلطة وأفقرت الساكنة كما يعلم الجميع، لأن هذا الفلاح وهو قطب الرحى ومحورها يقوم بعملية تهيئ التربة وحرثها وزرعها وسقيها وتنقيتها وحصدها، ولما يصل بنبتته إلى مرحلة جني محصولها المادي تتدخل أطراف أخرى ذات مال ونفوذ فيجد هذا الفلاح نفسه مكرها لبيع منتوجه من “الحشيش” بثمن بخس لا يمكنه من تسديد حتى دين البقال المتراكم منذ عام.

وفعلا اغتنى قوم كثر على ظهر الفلاح منذ أن ابتليت المنطقة بهذه النبتة المغنية والمفقرة في آن.

وبدأ منذ وقت عدها العكسي على مستوى الرواج وضيق الخناق على مستخلص الكيف، وبذلك ضيق الخناق نهائيا على الفلاح أي على مجموع ساكنة المنطقة، دون بدائل جاهزة وحقيقية، إذا ما استثنينا ما اعتبر بديلا في شخص أشجار مثمرة من طبيعتها أن تكبر وتترعرع ثم تنتج بعد ما يقرب 20 عاما أو أقل بقليل، وكأن على الأهالي انتظار الشجرة المغروسة أعواما ليقطفوا حبات منتوجها ويأكلوه أو يسوقوه… إنه استخفاف واستهزاء واستهتار بحياة المواطنين ومصيرهم لا مثيل له.

لتتوالى عمليات الانتحارات دون توقف أمام الاستسلام التام للمسؤولين والاستغراب الكبير للنشطاء والنخبة والأهالي عموما. استغراب بفعل عدم تدخل الدولة عبر مقاربة تنموية ضخمة باستعجالية التنزيل والتطبيق لمشاريع من شأنها وقف النزيف وإعادة الاستقرار النفسي والاجتماعي إلى مجراه الطبيعي.

لهذا لم نتفاجأ أحد بالهجرات الجماعية لعدد كبير من الساكنة اتجاه المدن القريبة وخاصة منها مدينة طنجة التي بدورها ليست مؤهلة لاستقابل هجرات مفاجئة بالحجم الذي نراه، لأن ذلك تحصيل حاصل وحصد لما زرع من سياسات.

فلا مسلسل الانتحارات أعاد للمنطقة الاعتبار ولفت إليها الأنظار لإخراجها مما فيه من فقر وتهميش، ولا مسلسل الهجرات نحو المدن دق ناقوس الخطر في أذن المسؤولين، بدليل عدم تحرك أي جهة رسمية أو منتخبة لمناقشة القضية ومعالجة الوضع لا على المستوى الإقليمي ولا على مستوى البرلمان والحكومة ولا على مستوى الدولة العميقة، بمعنى أن المنطقة ستتحمل لوحدها عاقبة سوء تدبير شؤونها من طرف المسؤولين، بدل من أن تحدد المسؤوليات ويتم تكثيف الجهود لإنقاذ المستطاع، عبر مقاربة اقتصادية اجتماعية مباشرة.

فماذا ينتظر المنطقة من كوارث؟ -غير طبيعية- بعد ظاهرة الانتحار وظاهرة الهجرة الاضطرارية؟!…. نسأل الله السلامة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.