يونس مسكين : بعد الخطاب الملكي .. لا نحتاج الاعتراف الاسرائيلي..

0

يونس مسكين – فايسبوك

تحدث الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب عن “الشركاء التقليديين والجدد” باعتبارهما معنيين بمسألة المطالبة بموقف واضح لصالح مغربية الصحراء عبر دعم الحكم الذاتي أو ما شابه ذلك.

وبينما كان المقصود بالشركاء التقليديين هو فرنسا (بإجماع المفسرين)، اختلفت الآراء حول المقصود بوصف “الجدد” بين من قال إنها روسيا ومن فضل خيار بريطانيا ومن تعتبر أنها الصين، لكن بعض المفسرين يصرون على انها اسرائيل، وكلها احتمالات واردة.

لكن اعتراف أو دعم دولة الاحتلال الصهيوني مختلف في معناه وأثره وكلفته (لا شيء مجاني من أي كان)، لأن أي دخول رسمي ومعلن لاسرائيل على خط قضية الصحراء واصطفافها إلى جانب المغرب، ستكون له انعكاسات مدمرة على المصالح المغربية في قضية الصحراء والوحدة الترابية عموما، علاش؟

لأن قضية الصحراء شرعية وتستند إلى تاريخ طويل يعود الى الحقبة الاستعمارية منذ القرن 19 (الصحراء استعملت في نهاية القرن 19 وقبل توقيع معاهدة الحماية)، وهناك كم هائل من الملفات والوثائق التي تدعم هذا الملف من معاهدات وحروب وبيعة واستخلاف قادة محليين من طرف السلاطين… ودخول اسرائيل على الخط، سيحول كل هذا إلى مجرد تحالف بين دولة صغيرة هي المغرب (صغيرة بمقاييس القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية الحالية) وبين طاغوت الزمان وأصحاب أكبر عملية ظلم عرفتها البشرية في القرن الماضي. وستصبح قضيتنا مدرجة ضمن ملف دولة قزم، طارئة، قطر بها السقف، وسيبعث ذلك قوة دفع رهيبة في الأجندات المعادية المغرب، وسيجد خصومنا الحطب اليابس الذي يكفي لشيّنا على مدى عقود مقبلة، إن لم يكن لقرون أخرى.

قضية الصحراء هي في جزء بسيط منها صراع مع اطراف خارجية عديدة، ومع هذه الأطراف نحتاج بالفعل إلى الانتصار بكل ما يتطلبه من قوة عسكرية ودهاء دبلوماسي وتحالفات وبراغماتية… لكن الجزء الاهم في قضية الصحراء هو داخلي وليس خارجي، هي مشكلة لحمة وطنية وبناء لمشترك متين وتوافق واضح حول العيش المشترك بما يحفظ حقوق ومصالح الجميع داخل البيت الوطني الواحد. وهنا نحن لا نحتاج إلى الانتصار، إذ لا يمكن أن نحلم بتحقيق الوحدة الوطنية والترابية بالانتصار على أحد مكونات الوطن، ولا يمكن أن نسترجع الصحراء بالانتصار على الصحراويين، وهنا يصلح العنصر الاسرائيلي بمثابة الفيروس الذي لا يسمح بالتئام الجرح لأنها كيان يقوم على القتل والاقصاء والتفريق ونبذ الآخر والمختلف. وفي الوقت نفسه، سيؤدي حضور العنصر الاسرائيلي في القضية إلى تأجيج المشاعر المعادية للوحدة في صفوف جزء من المجتمع الصحراوي الذي يحمل الموقف الانفصالي، لسبب بسيط هو أن الاستعانة بإسرائيل لا يمكن ان تنبئ إلى بالشر والدمار وسوء النية.

الاستعانة بالدعم الاسرائيلي سيجعلنا نبدو كلصوص يستحوذون على أراضي غيرهم ويحتلونها بالقوة والقهر، ويدنس تضحيات أجيال من المغاربة الذين قاتلوا وجرحوا وماتوا وهم يدافعون عن أرضهم، تماما مثلما ماتوا في ساحة الشرف وهم يقاتلون إلى جانب السوريين في هضبة الجولان.

الذين يفكرون بمنطق الانتصار في الصحراء وعلى الصحراويين، جلهم من الجاهلين التافهين السطحيين، ومن الذين لا يعرفون المجتمع الصحراوي بتاتا ولا يدركون أن في الصحراء إنسان علينا أن نكسبه أيضا، كما قال الحسن الثاني نفسه ذات حقبة قديمة. وحتى ذلك الإنسان الصحراوي الوحدوي إيمانا وقناعة، لا يمكن أن يقبل بأي شكل من الأشكال بالانتصار على ابن عمومته وإن اختلف معه في الموقف السياسي.

من جهة أخرى، يعني أي موقف اسرائيلي رسمي يهم الوحدة الترابية للمغرب وسيادته على كامل أراضيه، بالضرورة والمنطق وقوة الواقع، اعترافا مماثلا من المغرب بالوحدة الترابية لاسرائيل بالشكل الذي يطابق الرواية الصهيونية ويلغي الحقوق الفلسطينية ويتنازل عن القدس التي يتولى المغرب رسميا ومنذ عقود مهمة الدفاع عنها باسم العالم الإسلامي.

أي أن المقابل ستكون له كلفة باهضة تقتلع النظام السياسي المغربي من جزء من جذوره الحضارية والثقافية والدينية، بما يضعفه ويسمح ببروز توترات مجتمعية ومجالية جديدة، وبالتالي منح الخصوم والطامعين منافذ جديدة للتسلل والتلاعب بالبيت الداخلي للمغاربة…

لكل هذا، من يراهن على الدعم والاعتراف الاسرائيلي لوحدتنا وسيادتنا، هو كمن يعانق قنبلة ستنفجر في وجهه عاجلا أم اجلا، بينما هو يعتقد أنه يلتحم بالقوة والحماية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.