صيام يوم عرفة.. هل هو يوم التاسع أو يوم الوقوف بعرفة؟

0

عبد الله الجباري – فايسبوك

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الذي ندب صومه، هل هو يوم الجمعة الموافق لوقفة الحجاج، أم يوم السبت الذي يسميه المغاربة “عرفة الكبيرة” تمييزا له عن “عرفة الصغيرة”.

أولا: يوم عرفة له اعتباران، اعتبار مكاني، وهو المكان الذي أطلق اسمه على اليوم، وهو موقف الحجاج تقبل الله منهم. واعتبار زماني، وهو التاسع من ذي الحجة.

ويحرص المسلمون على أن يجمعوا بين الاعتبارين.

ثانيا: بتتبع الأحاديث النبوية، نجدها لا تتحدث عن صوم التاسع، بل تتحدث عن صوم يوم عرفة، وهذا فيه إشارة إلى الجمع بين الاعتبارين، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة، ولم يسأل عن يوم التاسع، فأجاب في حديث أبي قتادة: “أحتسب على الله كفارة سنتين”.

ونظرا لمراعاة الاعتبارين، فإن الصحابة الكرام كانوا يطلقون على اليوم التاسع يوم عرفة وإن كانوا بعيدين عن مكان عرفة بمائات الكلمترات، فهاهم بالمدينة المنورة، ورأوا السيدة عائشة عليها الرضا والرضوان صائمة، فقال لها عبد الرحمن بن أبي بكر: أفطري، لما رأى التعب عليها، فقالت: “إن صوم يوم عرفة يكفر السنة الذي قبله”.

في هذا النص، لم تقل السيدة عائشة إن صوم يوم التاسع، بل قالت: إن صوم يوم عرفة. رغم بعدها المكاني.

ومن فقه الإمام البخاري أنه بوب في الجامع بقوله: باب صوم يوم عرفة، ولم يقل: باب صوم يوم التاسع. فتنبه إلى الفقه في أيام عزه وأصالته، قبل أن يصاب بالدخن.

أما الإمام النووي ففي تبويبه لجامع الإمام مسلم قال: باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس.

وتنبه إلى قوله يوم عرفة، ولم يقل يوم التاسع، رغم اقترانه بعاشوراء التي هي اليوم العاشر من محرم.

وفي سنن ابن ماجه: باب صيام يوم عرفة. وعند الترمذي: باب ما جاء في فضل صوم يوم عرفة.

وهكذا كان السلف يسمون اليوم التاسع يوم عرفة وإن كانوا في أقاصي البلدان، كما يسمون اليوم العاشر يوم النحر، أو يوم الأضحى، ويسمون اليومين اللذين بعده أيام تشريق، وهذه اصطلاحات شرعية يجب المحافظة عليها وعدم تمييعها بإباحة وجود يومين أو ثلاثة لعرفات.

هذا، وإن في واقعنا دخن كبير، وكثر الكلام عن تعدد المطالع، وهو من الأوهام. والصواب ألا تعدد.

لكن، واقعنا يقول بخلاف ذلك، فما العمل؟

بدل اللجوء إلى الرؤية، نلجأ إلى الحدود السياسية، ونقول يوم عرفة عند السعودية هو الاثنين، ويوم عرفة عند الأردن يوم الثلاثاء، ويوم عرفة عند باكستان يوم الأربعاء.

هذا لا علاقة له بالفقه البتة.

وسمعت رسالة صوتية للدكتور الروكي، يقول بأن المغاربة يصومون هذه السنة السبت، ولا يصومون يوم الوقفة، وهذا منه غريب، لأنه يقول بتعدد المطالع، لأنه كان يقول بوحدة المطالع قبل دخوله في المجلس العلمي، فهل هذا من تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، أم من تغير الفتوى بتغير المواقع. الله أعلم.

والأنكى من هذا أنه قال: حين نقول صيام يوم عرفة، فالخطاب هنا خاص بالحجاج لا علاقة له بغيرهم…. وهذا مستغرب جدا، لأن الأصل في صيام الواقفين الكراهة، وصيام يوم عرفة كما قرره العلماء منذ الصحابة إلى الآن عام لجميع المسلمين غير الواقفين دون استثناء. فبأي دليل خصصه بالحجاج؟ هذا تفسير مبتدع لا قواعد تسنده ولا رأي يعضده.

ثم قال سلمه الله متحدثا عن القريب من عرفات كأهل مكة مميزا بينهم وبين غيرهم من الأبعدين: “الناس الذين يوجدون قرب عرفات كأهل مكة، يوم التاسع عندهم هو يوم الوقوف بعرفة، ولكن إذا ذهبنا إلى دولة أخرى ولو كانت خليجية كالكويت وقطر، فالمطلوب حينئذ منهم هو صيام اليوم التاسع من ذي الحجة، إذا كان عندنا التاسع مخالف للتاسع الخاص بالحجاج مثل سنتنا هذه (هم الجمعة ونحن السبت) فالمطلوب منا نحن صيام يوم السبت ولا علاقة لنا بالوقوف بعرفة”، ولكي يعضد وجهة نظره تساءل: “هل نحن حججنا؟” ثم أعاد وقال: “فقضية عرفة يخاطب بها الحجاج، أما من ليس في أرض الحج فنقول له صم يوم التاسع”

هذا كلام الدكتور الروكي المتهافت المتناقض. لأنه قرر بأن ندب صيام عرفة خاص بالحجاج، ثم تحدث عن ندب صوم التاسع لغيرهم البعيدين، فما هو النص الذي يقول بندب التاسع؟

إذا كان خاصا بالحجاج، فليقل لغير الحجاج لا صيام مندوب عليكم، وانتهى الكلام.

ثم يتحدث عن أهل مكة القريبين، وقد بينا أن الصحابة في المدينة كانوا يعتبرون يوم التاسع يوم عرفة وهم بعيدون مائات الكلمترات.

ثم لماذا نص على الكويت وقطر؟ وما الفرق بين الكويت وقطر والرياض والقصيم،؟ أليسوا جميعا بعيدين عن عرفات؟

إذن: أهل الرياض والقصيم جمعتهم السياسة مع عرفات، وأهل الكويت وقطر فرقتهم السياسة. هذا أراه عبثا بالفقه وفي الفقه.

ولو عدنا إلى الأمس، وما بالأمس من قدم، حيث كان ابن السعود يحكم في نجد وما حولها، وكان شريف مكة يحكم في الحجاز، لو بقيت الحدود السياسية بين البلدين والمملكتين، لقال لنا الدكتور الروكي اليوم: أهل الرياض والقصيم لا يصومون برؤية أهل مكة لاختلاف المطالع.

ولو أن آل سعود ضموا إليهم قطر لاحقا، لأفتى الدكتور الروكي بتوحيد المطالع.

إذن نحن لسنا أمام تعدد المطالع، نحن أمام تعدد الدول، ونكذب على أنفسنا ونوهم الناس بكلمة توحيد وتعدد المطالع.

والراجح أن صوم عرفة هو يوم التاسع من ذي الحجة، ويوم الوقوف بعرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة، فاتحدا.

نعم، هناك في الواقع خلاف، وأنا أبتعد عن السياسة، وأتكلم بالعلم،

إذا قال العلم القطعي أن الرؤية ممكنة يوم 29 ذي القعدة كما وقع هذه السنة، وأعلنت الدولة السعودية عن ثبوت الهلال لذلك اليوم، وكان ثبوته عندها أسبق من ثبوته عند غيرها، فإن الوقوف بعرفة هو التاسع، وصيام العالمين يتوافق مع يوم الوقفة،

أما تأجيل الصوم إلى ما بعده، ففيه مفسدتان:

المفسدة الأولى: تضييع فرصة صيام يوم عرفة على الناس، مع ما فيه من أجر عظيم.

المفسدة الثانية: صيام الناس ليوم العيد.

في حين أن صيام اليوم الموافق لوقوف الحجاج لا يتضمن هاتين المفسدتين،

اللهم أرنا الحق وثبتنا عليه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.