المغرب والكيان الإسرائيلي: علاقات سياسية واقتصادية وثقافية في مواجهة الشعب المغربي

  • الكاتب : عبد الوفي العلام
  • بتاريخ : 16 مايو، 2025 - 19:10
  • ريحانة برس

    تعتبر العلاقات بين المغرب ودولة الاحتلال الإسرائيلي من المواضيع التي تثير اهتمام الكثيرين، حيث تحمل في طياتها تاريخًا طويلًا من التفاعل والتعاون. فمنذ عقود، شهدت هذه العلاقات تحولات كبيرة، بدءً من الفترات التاريخية التي شهدت تواجد الجاليات اليهودية في المغرب، وصولًا إلى التطورات السياسية الحديثة التي أعادت تشكيل المشهد الإقليمي.

    في السنوات الأخيرة، برزت العلاقات المغربية الإسرائيلية كأحد المحاور الأساسية في السياسة الخارجية للمغرب، مما يعكس رغبة المغرب والكيان الإسرائيلي في تعزيز التعاون في مجالات متعددة.

    تتجاوز العلاقات بين المغرب وإسرائيل الجانب السياسي لتشمل مجالات الاقتصاد والثقافة، حيث يسعى كلا البلدين إلى استغلال الفرص المتاحة لتعزيز الروابط بينهما. ومع ذلك، لا تخلو هذه العلاقات من التحديات، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، مما يستدعي دراسة دقيقة لفهم الديناميكيات التي تحكمها.

    في هذا المقال، سنستعرض تاريخ العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ونناقش دور المغرب في السياسة الإسرائيلية، بالإضافة إلى التعاون مع الموساد الإسرائيلي، وتأثير ذلك على الاقتصاد والثقافة، لنصل إلى استشراف مستقبل هذه العلاقات.

    تاريخ العلاقات بين المغرب وإسرائيل

    تعود جذور العلاقات بين المغرب وإسرائيل إلى فترة ما قبل تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948، حيث كانت هناك جالية يهودية كبيرة تعيش في المغرب.

    بعد قيام الكيان، هاجر العديد من اليهود المغاربة إلى إسرائيل، مما ساهم في بناء روابط ثقافية وإنسانية بينهما. في عهد الملك الحسن الثاني، وُصفت العلاقة بالمُثيرة للجدل، حيث شهدت بعض التعاون السري بين المغرب وإسرائيل، خاصة في مجالات الأمن والاستخبارات.

    رسمياً، بدأت العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل في عام 1994، ولكنها كانت على مستوى منخفض. ومع ذلك، جمدت الرباط هذه العلاقات في عام 2000 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، مما أدى إلى تراجع التعاون بين البلدين. على الرغم من ذلك، استمر التواصل بينهما خلف الكواليس، حيث كانت هناك محاولات لاستعادة العلاقات في فترات مختلفة. في ديسمبر 2020، أعلن المغرب استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، مما يمثل نقطة تحول جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

    دور المغرب في السياسة الإسرائيلية

    يعتبر المغرب لاعباً مهماً في السياسة الإسرائيلية، فمنذ الاعتراف الضمني بالمغرب بدولة إسرائيل في عام 1994، بدأت العلاقات تتطور بشكل تدريجي، مما أتاح للمغرب فرصة للعب دور الوساطة بين إسرائيل والدول العربية. هذا الدور يعكس قدرة المغرب على التفاعل مع القضايا الإقليمية والدولية بفعالية، مما يعزز من مكانته كداعم للسلام في المنطقة.

    علاوة على ذلك، فإن المغرب قدّم دعماً سياسياً لإسرائيل في المحافل الدولية، حيث يسعى إلى تعزيز التعاون في مجالات متعددة مثل الأمن والاقتصاد. من خلال هذه العلاقات، يمكن للمغرب أن يسهم في تحسين صورة إسرائيل في العالم العربي.

    المغرب والموساد الإسرائيلي: التعاون والتحديات

    تاريخ التعاون بين المغرب والموساد الإسرائيلي يعود إلى أوائل الستينيات، حيث بدأت العلاقات الأمنية السرية بين الجانبين في عام 1961. خلال هذه الفترة، نفذت المخابرات الإسرائيلية عملية ياخين، التي كانت تهدف إلى مساعدة اليهود المغاربة في الهجرة إلى إسرائيل. هذا التعاون الأمني لم يكن مجرد صدفة، بل كان نتيجة لاعتبارات استراتيجية تتعلق بالاستقرار الإقليمي ومواجهة التهديدات المشتركة.

    على مر السنين، تطورت هذه العلاقات لتشمل مجالات متعددة، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون في مجالات الأمن العسكري. في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات بين المغرب والموساد مزيدًا من التقدم، حيث تم توقيع اتفاقيات تعاون تهدف إلى ما ادعيه إسرائيل بتعزيز الأمن الإقليمي ومواجهة التحديات التي تواجه المنطقة. ومع ذلك، لا تخلو هذه العلاقات من التحديات، حيث يواجه المغرب ضغوطًا داخلية وخارجية تتعلق بموقفه من القضية الفلسطينية.

    التعاون مع الموساد أثار جدلاً في الأوساط المغربية، واعتبر أن هذا التعاون يتعارض مع المواقف التقليدية للمغرب تجاه القضية الفلسطينية.

    ويعتقد آخرون أن هذا التعاون يمكن أن يسهم في تعزيز الأمن القومي المغربي ويعزز من قدراته العسكرية. في النهاية، يبقى التوازن بين التعاون الأمني والتحديات السياسية والاجتماعية هو ما يحدد مستقبل العلاقات بين المغرب والموساد.

    الاقتصاد المغربي وإسرائيل: فرص وتحديات

    شهدت العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإسرائيل تطورًا ملحوظًا بعد توقيع ما سمي باتفاقيات إبراهام للسلام في ديسمبر 2020، حيث ارتفعت المبادلات التجارية بين البلدين بنسبة 50% في الأشهر الستة الأولى من عام 2023. هذه الزيادة تعكس رغبة كلا الطرفين في تعزيز التعاون الاقتصادي واستغلال الفرص المتاحة في مختلف القطاعات. المغرب، الذي يسعى إلى تنويع اقتصاده، يجد في إسرائيل شريكًا قويًا يمكنه المساهمة في تحقيق هذا الهدف من خلال تبادل الخبرات والتكنولوجيا.

    على الرغم من الفرص الكبيرة التي توفرها العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإسرائيل، إلا أن هناك رفضا شعبيا مغربيا للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، والذي قد يؤثر على استمرارية العلاقات الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، فإن ممارسات الإبادة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية تثير سخطا واسعًا في المجتمع المغربي، مما قد يعيق تحقيق الإمكانيات الكامنة في التعاون الاقتصادي، والتي تقدر بنحو 250 مليون دولار في مختلف المجالات. لذلك يعمل المغرب ودولة الاحتلال على على تجاوز هذه التحديات من أجل تعزيز شراكتهما الاقتصادية.

    التأثيرات الثقافية بين المغرب وإسرائيل

    تتسم العلاقات الثقافية بين المغرب وإسرائيل بالتنوع والتعقيد، حيث تعكس تاريخًا طويلًا من التفاعل بين الشعب المغربي واليهودي. منذ عقود، كان هناك تبادل ثقافي ملحوظ، حيث ساهم المغاربة اليهود في إثراء الثقافة المغربية، مما أدى إلى ظهور فنون وموسيقى تعكس هذا التنوع.

    في السنوات الأخيرة، شهدت هذه العلاقات تطورًا ملحوظًا، حيث تم تنظيم فعاليات ثقافية مشتركة، مثل المعارض الفنية والمهرجانات السينمائية، التي تهدف إلى تعزيز الفهم المتبادل بين الثقافتين.

    على الرغم من التحديات السياسية، إلا أن هناك رغبة متزايدة من قبل دعاة التطبيع للتفاعل مع الثقافة الإسرائيلية. ومع ذلك، يواجه هذا التفاعل مقاومة من قبل قطاعات واسعة من الشعب المغربي، الذين يعتبرون أن التطبيع الثقافي يهدد الهوية الثقافية الوطنية. في هذا السياق، يسعى الكيان الصهيوني إلى استخدام الثقافة كوسيلة للتقرب من الشعب المغربي، مما يثير جدلاً حول كيفية الحفاظ على الهوية الثقافية في ظل هذه التغيرات.

    مستقبل العلاقات المغربية الإسرائيلية

    تبدو آفاق العلاقات المغربية الإسرائيلية في تصاعد مستمر ، حيث يسعى الطرفان إلى تعزيز التعاون في مجالات متعددة مثل الأمن والاقتصاد والثقافة. فبعد اتفاق التطبيع الذي تم في ديسمبر 2020، شهدت العلاقات بين البلدين تطورًا ملحوظًا، مما يعكس رغبة مشتركة في بناء شراكة استراتيجية. من المتوقع أن تستمر هذه العلاقات في النمو، خاصة مع تزايد الاستثمارات الإسرائيلية في المغرب، ورغم السخط المتزايد من طرف الشعب المغربي، التي تسعى الدولة في مبح جماحه بالقوة وبالمتابعات القضائية.

    مستقبل هذه العلاقات تواجهها تحديات عدة، منها الموقف الشعبي المغربي الذي يعارض التطبيع مع إسرائيل، مما قد يؤثر على استقرار العلاقات على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك، فإن التطورات السياسية في المنطقة، مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.