ريحانة برس- بقلم ذ/محمد خلاف
قدم إلى المدينة من قرية قاحلة مقفرة بعد أن قضى الكثير من سنين عمره لا يفقه من الدنيا شيئا، سوى تيه وضياع بالدوار، اختار ناصية شارع من حي سكني راقي…..
في الليل يفترش الشارع لينام ويصحو على سماع صوت منبه السيارات المزعج ليذهب أحيانا يفتش في اكوام النفايات والمزابل ليأكل من فضلات الناس ثم يعود الى رصيفه كالمعتاد ليمد يد الاستجداء عسى ان تُرمى له بعض القطع النقدية،وبعض الملابس القديمة….
هو قوي البُنية لا عيبا خلقيا فيه ولا عاهة جسمانية ولا خللا عقليا يشكو منه… الا انه أستسهل مد يد التسول لأنها لا تكلفه الجهد والعناء سوى الانتظار ساعات وجمع ما يُعطى له عطفا من الناس عليه…بعد ذلك بدأ في العمل كحارس ليلي يبيع السجائر بالتقسيط يتقن تحري الأخبار بعين لاتنام ، وبكفاءة عظيمة في الجاسوسية،،،
يوم السوق الأسبوعي يكتري عربة وميزان لبيع الخضر والفواكه،،، لكنه بقي دون مأوى يلتحف بعض المانطات التي أخذها عطفا من بعض الناس…
ملامح الغدر والمكر والخبث، والتضليل، بادية على وجهه، وهو ما جعله عملة مقبولة ومطلوبة عند العديد من شلاهبية المدينة.خصوصا ومشاركته الفعالة في الحملة الانتخابية وطريقة كلامه في مكبر الصوت و تحمله مشاق الدخول إلى أحياء ترفض مرشحه بقوة…
وذات يوم وبينما هو كذلك جالس على رصيفه صباحا،واذا بسيارة سوداء مضللة تقترب منه شيئا فشيئا حتى توقفت أمامه ،وبمقعدها الخلفي رجل يرتدي نظارة سوداء يشير له بيده ، طالبا من الحارس الدنو منه….. حتى اقترب الحارس من الرجل انفتح الباب وأخذ الرجل يطلب من الحارس ان يجلس بالمقعد الخلفي بالقرب منه … فبين الفضول والاستغراب والدهشة ركب السيارة ذلك الحارس الليلي لا يعلم ما سيصنع الدهر به…
عندها اشار الرجل الى سائقه بالانطلاق نحو طريق وادي زم.. فانطلقت السيارة مسرعة فأخذ الخوف مأخذه من الحارس ولكن الفضول لازال مسيطرا عليه ليعرف ماذا سيحل به وهو ينظر الى بشرة الرجل ويقول في نفسه يبدو ان اشعة الشمس لم تلامس بشرته قط لشدة البياض.
وبينما هو كذلك وتضاد في الافكار التي تدور في ذهن الحارس فتارة يقول ربما عطف هؤلاء علي سيجعلني غنيا وتارة اخرى يقول ربما سيجعلوني اعمل لصالحهم ولكن أي الاعمال تلك التي سأكلف بها الى ان قال في قرارات نفسه مهما كان العمل سأقبل به اذا كان مصلحتي تقتضي ذلك!!!! ؟؟؟
وبعد ان انتبه الى نفسه قليلا فاذا بمنزل خارج المدينة جميل على شكل نوالة تحيطه الحديقة والاشجار من كل جانب فانفتح باب المنزل الى السيارة التي هو راكبها وذلك الرجل،،،، عندها وجد في استقبال الرجل مجموعة من الخدم والشلاهبية ،،،،وكأنه يشاهد احد افلام هوليود في القرن السادس عشر حيث البلاط والملك والامير والخدم…
فطلب الرجل من احد الخدم ( ويبدو انه كبيرهم وأكثرهم تملقا و تزلفا ومعرفة بأصول الانتخابات،و السمسرة والنفاق، ان يهتموا بالحارس وتوضيبه وحلاقة شعره وذقنه وإلباسه، أجمل الملابس وبعد ان فعلوا ما أتمروا به أدخلوه الى صالة كبيرة جدا جميلة جدرانها فيها الزغارف الجذابة وسقوفها مليئة بالثريات الكريستال العملاقة وبينما هو مبهور بمنظر الصالة حتى ضرب كبير الخدم على كتف الحارس واشار له ان يدنو من سيده فارتعش الحارس بعد ان كان يتأمل في الفيلا الراقية ، فانتبه الى رجل جالس على كرسي كبير في الطرف الاخر من الصالة مواجها موقدا من النار وظهره نحو الحارس، بيده كأس خمر و سيجارة في فمه، فبينما هو يقترب من ذلك الرجل حيث كان يتوقع انه نفس الرجل الذي أقله بالسيارة المظللة قبل ساعتين … وعندما دنى منه واذا برجل غير ذلك الرجل … شخص يبدو عليه انه مالك الفيلا.. وبلا شعور قال الحارس سيدي ماذا تريد مني انا بخدمتكم دوما، ولكن لاتفعلوا بي شيئا !!!!!!!!!!!
فاستحسن الرجل ما تفوه به الحارس وقال له لاتخف لاتخف … انا ما جئت بك الى هنا الا لأساعدك من عيشك الكظيم هذا, ففرح الحارس فرحا شديدا في داخله وأخذ يكيل المديح والشكر والامتنان للرجل وأنه سيد المدينة بلا منازع ….
ومرت الأيام والشهور والسنين وإذا بالحارس أصبح الذراع الأيمن لذلك الرجل ومعتمده وأصبح يدير كل عقارات سيده واصبح لديه الخدم والحشم والقصور, ولكن السبب في ذلك الثراء وتلك المنزلة التي تمتع بها الحارس هو انه اصبح يُكلف من قبل الرجل بأعمال السمسرة و المتاجرة في العقار وخصوصا تلك التي بها مشاكل الورثة،أو تلك التي لها علاقة بالأملاك المخزنية ، وزعيم حملته الانتخابية، واصبح زعيما لاكبر عصابات العقار بالمدينة ، بعدما سرق لسيده مجموعة كبيرة من الأملاك و أصبح عدوه ،بل وسيفوز بمقعد انتخابي ،ويصبح مصدر شر للمدينة ككل،و مصدر الفتنة والسباحة في الماء العكر.