أزيلال: التشهير بالقاصرين في الفضاء الرقمي… حين يتحول التعاطف إلى أذى نفسي دائم

  • الكاتب : أزيلال - المراسل
  • بتاريخ : 6 أكتوبر، 2025 - 21:45
  • الزيارات : 98
  • ريحانة برس 

    في زمن أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي منابر لتناقل القصص الإنسانية برزت ظاهرة مقلقة تتجلى في استغلال معاناة القاصرين لأغراض دعائية تحت غطاء “العمل الإنساني” أو “المبادرات الاجتماعية”. أحدث مثال على ذلك ما شهدته منطقة ضمن إقليم أزيلال حيث عمد أحد الأشخاص إلى نشر تدوينة على موقع “فيسبوك” تتناول قصة تلميذ يعيش وضعا عائليا هشا بسبب التفكك الأسري. وباسم العمل الإنساني عمد صاحب التدوينة إلى التشهير بالطفل ونشر معطيات ذات صلة بحياته الخاصة.

    وبالرغم من أن التدوينة لم تذكر اسم الطفل فإن المنطقة التي يعيش فيها صغيرة ومترابطة يسهل فيها التعرف على الأشخاص والوقائع مما يجعل ما نشر يمس بشكل مباشر خصوصية القاصر وحياته الشخصية. الأخطر من ذلك أن ناشر التدوينة لم يكن هدفه إنسانيا بقدر ما كان استعراضا للذات وتلميعا لصورتهم الاجتماعية والإلكترونية مستغلين هشاشة وضع الطفل النفسي والاجتماعي لتحقيق تفاعل افتراضي ومكاسب رمزية على حساب كرامته.

    إن تحويل معاناة طفل إلى مادة للتفاعل الرقمي ليس تضامنا بل شكل من أشكال الاستغلال النفسي والاجتماعي خاصة حين ينشر محتوى يتضمن تفاصيل دقيقة عن وضعه الأسري والإداري ما يجعله عرضة للوصم والتأويل والشفقة الزائدة. فالقاصر في هذه المرحلة الحساسة من حياته بحاجة إلى احتضان صامت يحفظ كرامته لا إلى منشورات تفضح ضعفه وتؤذيه نفسيا.

    من الناحية القانونية يجرم القانون الجنائي المغربي كل نشر أو بث لمعطيات أو صور تتعلق بالحياة الخاصة دون موافقة صاحبها مع تشديد العقوبة في حالة القاصرين. كما تنص اتفاقية حقوق الطفل على ضرورة حماية الأطفال من أي تدخل تعسفي في حياتهم الخاصة أو مساس بسمعتهم.

    وانطلاقا من هذه المقتضيات طالب عدد من النشطاء والفاعلين الحقوقيين بتدخل النيابة العامة بأزيلال لفتح تحقيق عاجل في الموضوع من أجل حماية الطفل من تبعات هذا التشهير واتخاذ الإجراءات الكفيلة بحذف المحتوى المسيء ومساءلة من يقف وراءه. فالقانون ليس فقط أداة للردع بل آلية لحماية الضعفاء من استغلال معاناتهم لتحقيق مكاسب زائفة.

    وتظهر هذه الواقعة أن الخطر لم يعد في الأفعال التي ترتكب في الخفاء بل في تلك التي تمارس علنا باسم “العمل الخيري” في فضاء مفتوح تتساقط فيه الحدود الأخلاقية بسهولة. فحين يختزل الطفل في قصة مؤثرة لجلب الإعجابات نكون أمام إهانة مزدوجة للطفولة وللمعنى الحقيقي للإنسانية.

    وهي جرس إنذار يدق بقوة في وجه كل من يتعامل مع القصص الإنسانية بسطحية رقمية دون إدراك لما تخلفه من آثار نفسية واجتماعية. فالمطلوب اليوم ليس المزيد من “المنشورات المؤثرة” بل وعي حقيقي بأن كرامة الناس فوق أي تفاعل أو شهرة عابرة.

    ويبقى الأمل أن تتحرك الجهات الرسمية وعلى رأسها النيابة العامة بأزيلال لوضع حد لمثل هذه الممارسات وتفعيل المقتضيات القانونية الرادعة حتى يبقى الفضاء الرقمي فضاء للتعبير المسؤول لا ميدانا لاستغلال الهشاشة الإنسانية في سبيل مجد زائف.