سلسلة السلفية الحركية بالمغرب (الحلقة 2) ما هو شكل الدولة المنشودة التي ستقام على أنقاض فترة حكم الاستبداد

  • بتاريخ : 19 يونيو، 2014 - 19:01
  • قد يعتبر البعض السلفية الحركية تياراً منشقا وبانشقاقها تسعى إلى صرف المسلمين عن فريضة الجهاد العابر للحدود في كل مكان لكنهم كانوا مجحفين لأنها حريصة

    قد يعتبر البعض السلفية الحركية تياراً منشقا وبانشقاقها تسعى إلى صرف المسلمين عن فريضة الجهاد العابر للحدود في كل مكان لكنهم كانوا مجحفين لأنها حريصة على إعادة مفهوم الجهاد ليس من حيث الأحكام الفقهية فهذا له أهله وجهابذته الذين يملكون فقه التنزيل وإنما من حيث دلالاته وأبعاده في بلدنا المغرب

    لأن أسئلة المغرب تختلف عن أسئلة أي قطر آخر خاصة الأقطار التي أصيبت في ديمقراطيتها بعاهة .

    لكن المغرب الأولوية فيه للجهاد السياسي رغم علمنا اليقيني الذي لا يساوره أدنى شك أن الديمقراطية لم تتحقق بها عبر التاريخ دولة إسلامية تسوس الناس بالإسلام وتُشرع لهم من أحكامه…..

     وكذلك دعاة التغيير الجذري وأصحاب منطق التميز والمفاصلة لم يحققوا دولتهم وإن حصل كما لطالبان فإنها لم تقاوم رفض التيار العالمي لها بزعامة أمريكا والغرب  أو كما كاد أن يحصل في الجزائر وأخيرا مصر الثورة.

    الغرب إضافة لأمريكا الداعم الرئيس للجهاد العالمي  العابر للحدود والذي لطالما اكتوى به الغرب وأمريكا على السواء وستكتوي مادام السلوك الأمريكي لم يحترم مبادئه وقيمه وغرق في مستنقع الحيرة بين مصالحه وسلوكياته البراغماتية، وبين القيم والمبادئ التي يتحايل بها على المواطن الأمريكي حول حقوق الإنسان والديمقراطية عن طريق الصندوق الانتخابي ، وتبين في آخر المطاف انتصار المصالح الأمريكية كالعادة، وحسم البيت البيضاوي الصراع بين شرعية صناديق الاقتراع وشرعية أصوات الملايين من المصريين بالانتصار لمبادئ التغوُّل والهيمنة ولو عبر انقلاب العسكر وداس الغرب مع أمريكا كرامة شعوبهم التي صوتت لهم .

    السلفية الحركيةتؤمن بالعمل السياسي وتطالب وتحرص أشد الحرص على تطبيق شرع الله من خلال تصورها

    1-الجهاد السياسي    2- الكلمة الصادقة     3- التدافع الفكري.

    السلفية الحركية ومفهوم الدولة

    ·      الدولة الدينيةهي دولة تستمد سلطتها وشرعيتها باسم الإله عبر كتاب  ديني أو شرائع سماوية  ومن خلال هذه الأدبيات يتميز رجال السلطة أو طبقتهم العليا  بامتياز أنهم ينوبون عن الله في تطبيق الشريعة وباجتهاداتهم ينفذون التعاليم الدينية وكمثال على ذلك * دولة إسرائيل قامت بالكتاب المقدس * الجمهورية الإيرانية قامت على سلطة الإمام وولاية الفقيه  * المملكة المغربية تحكم باسم سلطة أمير المؤمنين * دولة الفاتيكان بالمذهب الكاثوليكي’وتبقى المرجعية في الدولة الدينية لأمور خارج نطاق البشر وفوق عقولهم.

    ·      الدولة المدنيةمرجعيتها لإرادة الناس وفكرهم وتصوراتهم ومن أقوى الأسس في الدولة المدنية إرادة الناس هي مصدر كل السلطات ومرجعيتها النهائية, كذلك القانون والديمقراطية والمواطنة تعتبر من مبادئ الدولة المدنية إضافة للمساواة بين كافة المواطنين مهما تباينت أصولهم العرقية وتعارضت أديانهم ومعتقداتهم والجميع سواسية أمام أي قانون ارتضته الأغلبية وباختصار لاهي دولة عسكرية وبوليسية ولا هي دينية.

    ·      الدولة العلمانية  تأسست على أيديولوجيا تدفع في اتجاه مدنية الحياة المجتمعية والسياسية وإقصاء التصور الديني وتفسيره بأمور غيبية على أساس أنها منطق إلهي في كل شيء, ومذهب الدولة العلمانية يرتكز على ما هو ملموس ومادي وليس ما هو غيبي ومن أهم مرتكزاتها تحرير حياة الفرد من التأثير والنفوذ  الديني ولا لميزة دين على دين ولو كانت الأغلبية لدين الإسلام أو لدين آخر وبناء علاقات اجتماعية وليست علاقات دينية كمفهوم البيعة مثلا، وبإيجاز الدولة العلمانية ليست لها هوية دينية.

    السلفية الحركية  ترى ان هناك تدافع فكري وقوي حول الدولة المدنية وأية مدنية …؟

    ونرى أن التدافع على معنى المفاهيم لا يعني بالضرورة التدافع على المفاهيم ذاتها, فلو قرأنا قوله تعالى ” لكـُم دينكم ولي دين” فالتدافع الفكري في المعنى وليس في اللفظ لذلك انكب الفقهاء حول فقه المعنى.

    الدولة المدنية هو توصيف لعمران إنساني مبني على نسق عقدي وثقافي وقيم… ما , وبالتالي حينما نقول مدنية يُـطرح السؤال أية مدنية ؟  وما هي معاييرها وقيمها؟  ومن أين تنهل مصادر تمَـدُّنِهــَا؟ وما هي تقاطعات التعبدي بالتشريعي؟ والقانوني بالأخلاقي ؟  وبين عادات وعرف الفرد وحريته ؟ وما هي أبعاد التواصل بين تكتلات النخب وجماعات التدين وبين تنوع “أمة الناس” التي يؤطرُها دستور ما بواسطة عقد اجتماعي سياسي لا تتدخل فيه التعيينات والتوصيات من فوق .

    إن الدعوات التي تدَّعي بأن الدين لا يبني مدنية دعوة فاسدة ومنطق عقيم وكفر تاريخي بمَـدَنِـيَّة لم يشهد التاريخ مثيلا لها وتناسوا أن للتصور الإسلامي السياسي منطق مدني ينبني على مفهوم التوحيد والفطرة السليمة والوحي والنبوة والعقل والسنن وهنا بيت القصيد الذي يكمن في التدافع على معنى المفاهيم لا يعني بالضرورة التدافع على المفاهيم ذاتها فلا عجب أن نتحدث عن مدنية السياسة في التصور الإسلامي دون تجاهل اعتبار الشريعة مصدرا للتشريع كإعمال القوة كأداة للتغيير, بمعنى أدق أن استحضار التقاطعات بين الديني والمدني والعسكري ليس التناقض والتنافر والتباعد والفصل والصراع بل الأصل طرح تصوُّر لدولة تحديد المساحات وترسيم التقاطعات  والخطوط العازلة بين السلطات ورسم خريطة تحدد المعايير لعدم تداخل السلطات وقوانين صارمة للمحاسبة على أي إخلال يمس بمدنية متماسكة من تصور عقدي هدفه تمدن الدولة وتمكين الناس من حريتهم وحفظ مصالحهم.

    إن السلفية الحركيةترى أن مدنية الدولة لا تتعارض بأي حال مع المكون الديني لأي مجتمع فهو مكون أساسي في شمال إفريقيا ودول الشرق الأوسط ودول آسيا ومنه تتفجر المبادئ والقيم المدنية المجتمعية .

    وللسياسة كذلك فللدين دور مهم ومحوري في رسم السياسات, إن مجتمعاتنا تستظل بالدين من اجل الذود عن هويتهم وانتمائهم التاريخي , لكن الذين خلطوا مفاهيم الدولة المدنية بمفاهيم الدولة الدينية هم السبب في خلق هذا الإشكال ورفع السجال لهذا المستوى لأنهم يخلطون معنى المفاهيم بذاتية المفاهيم  ولو استقام الساسة وأحسنوا الفصل بين السلط وأداروا ظهورهم للأجندة الخارجية واستحضروا الحس الوطني وتركوا التعالي عن هوية آبائهم الإسلامية  لتحققت الدولة المدنية في انسجام كامل ومتناغم مع المكون الديني الذي لا يستطيع أي كان تجاهله وتجاوزه أو القفز عليه .

    إن السلفية الحركية   تؤمن إيمانا لا ينفك بأن تصور الدولة المدنية في مجتمعاتنا لا يمكن أن يتحقق بدون تصور المكون الديني للمجتمع وهويته الإسلامية، والدولة المدنية التي تراعي هذا المكون في مجتمعنا تستطيع أن تحقق ذاتها وأن تؤسس لمجتمع صيغة حياته ونظامه الاجتماعي قبل أن ترسم خريطة حكمه .

     على الدولة أن تعيد النظر في نظام الحكم لأن هناك متغيرات دولية المغرب ليس منها ببعيد ومتربصون إقليميون لا يمكن القفز عن أطماعهم وكذلك هناك حراك وطني توحي إرهاصاته بأن القادم من الأيام ينذر بالأسوأ .

     إنها مطالبة بأن تتجه نحو بناء نظام حكم من خلال تصور سليم للنظام الاجتماعي الذي يرفض كثيرا من السياسات المتمثلة في استنزاف قدرته الشرائية…. وإثقال كاهله بكم هائل من الضرائب…. التي يراها لا تذهب في صالحه وتنمية بنياته التحتية وإنما في مجاري المهرجانات وسوء تدبير المؤسسات العمومية …. إن إحداث نظام سياسي مدني شكلا ومضمونا وليس بهرجة سياسية  يراعي أغلبية المجتمع المتدينة والحفاظ على المكتسبات التي تحققت في مدنية الدولة هو تأكيد لمبدأ الحياة المشتركة والعيش المشترك الذي يقوم على التضامن وليس على الاستغلال لطبقة ما والتعاون وليس على استنزاف عنصر مستضعف تم تفقيره من أجل طبقة أخرى بحجة ليس من المعقول وليس من صالح المجتمع أن نكون جميعا أطباء ومهندسون ووووو…… لأن المجتمع يحتاج من أجل توازنه خلق فئة تحيى مستضعفة من أجل فئة الأطباء والمهندسين وآل فلان وآل علان , بمثل هاته التصورات يتشكل رأي وفق إرادة صانعيه وليس كما يتوهمون أن الدين هو حجر عثرة في طريق التمدن وكما يوحي خوفهم أن الدين يشكل رأيا عاما من قبل الأغلبية يهدد مصالحهم وامتيازاتهم لكن السؤال الذي يُطرح أليس الظلم والإقصاء والاستضعاف يشكل رأيا ثوريا عاما مناهضا لمثل هاته السياسات أم أن الغالبية من ساستنا أمنوا مصالحهم وامتيازاتهم خارج الوطن بجنسيات أجنبية.

     إن الدولة المدنية الني تراعي الدين وتدين المجتمع وتشركه في النظام السياسي الذي أجمع عليه وارتضاه المجتمع والذي غالبا ما يتأسس وفق إرادة عامة  تحت سيادة القانون ومبدأ المواطنة التي تراعي إسلامية المجتمع وتدينه الذي غابا هو مكون رئيسي وبدونه لن تكون حياة مدنية لأن الدين يساعد البشر في حياتهم اليومية على التآلف والتضامن والتعاون والاندماج وخلق حياة مشتركة أساسها الإرادة العامة من خلال ما يدعو إليه من تراص كالبنيان المرصوص.

    وهذا لن يتحقق ما لم يتم فصل السلطة المدنية عن السلطة الدينية والإنسان مدني بطبعه ميال إلى العيش في مجتمع خال من أي شيء يكدر مدنيته.   

    إن قضية الدين والدولة شغلت حيزا كبيرا في تصور الحركات الإسلامية وسال بشأنها كثير من مداد الباحثين والمهتمين وتطاول على هذا الموضوع شرذمة من العلمانيين الذين لا يملكون ذرة من الإنصاف وصوروا  الإسلام في كتاباتهم على أنه مجرد طقوس وشعائر  وبعضهم ارتقى في تصوره وجعل منها قيم روحية يجب ألاَّ تتجاوز محراب كل ديانة  

    اعتقدت لسنوات أن هذا الموضوع قد انتهى وتم تجاوزه لكن تبين لي أن إشكال الدولة الدينية والمدنية  لازال قائما وربما ازدهر النقاش حوله بازدهار الثورات العربية وخلو القصور من المستبدين أثار شهية كلا الطرفين واحتد الصراع بين دعاة الدولة العلمانية ودعاة الدولة الدينية وبين طرف ثالث يدعوا إلى قيام دولة مدنية

    هو سؤال مركزي أوجدته الثورات العربية: ما هو شكل الدولة المنشودة التي ستقام على أنقاض فترة حكم الاستبداد، واكتسب هذا التساؤل نوعية وإلحاحا بعدما لاح في الأفق إمكانية وصول حركات الإسلام السياسي إلى السلطة.