بين حماس وداعش: في التأسيس لاقتراب الممانعة (1)

  • بتاريخ : 7 أغسطس، 2014 - 00:01
  • الزيارات : 21
  • قد تعجز أو تقصر مناهج التفسير والاقتراب المتاحة لتقديم إجابات واضحة عن حالة البروز والتمدد الملفت لتيارات المقاومة والممانعة الإسلامية في المنطقة، فمكونات

    قد تعجز أو تقصر مناهج التفسير والاقتراب المتاحة لتقديم إجابات واضحة عن حالة البروز والتمدد الملفت لتيارات المقاومة والممانعة الإسلامية في المنطقة، فمكونات محور ممانعة المشروع الأمريكي الإمبريالي في المنطقة يعاد تموضعها وترتيبها في خارطة هذا المحور، ولعل الظهور الملفت والمفاجىء لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والموسوم إعلاميًا بـ”داعش” مثّل تجديدًا لمسار تنظيم القاعدة بشكل أكثر عنفًا ممارساتيًا وغموضًا من الناحية التنظيمية والنشأوية.

    على الجانب الآخر؛ برزت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” على المستويين السياسي والعسكري من خلال مواجهاتها السياسية والعسكرية مع العدو الصهيوني، بل مازالت حتى يومنا هذا تقدم نموذجًا أكثر ذكاءًا ومرونة في المناورات السياسية الإقليمية وكذا العسكرية، الأمر الذي يفتح الآفاق للنظر والتدقيق قدر المتاح للنموذجين الداعشي والحمساوي/القسامي.

    ونحن هنا نسعى لفتح أفق لتأسيس منهجية وصفية تفسيرية للظاهرتين المقاومتين/الممانعتين، مردفة بنظرة تقييمية لأدائهما كحركات إسلامية في ظل تغيرات جيوسياسية جذرية تعتمل في منطقة الشرق الأوسط.

    حماس وداعش: في استمدادات التخطيط الاستراتيجي

    من أبرز الأبعاد التي يمكن التمييز فيها بين حماس وداعش هو التفكير والتخطيط الاستراتيجي وتمثلاته على الأرض، وهو الأمر الذي قد لا نجده مرقومًا في أدبيات الحركتين بكثرة، بل هو أمر مستقرء من جملة فكر كل حركة، بالإضافة لظواهر ممارساتية تشير إلى حجم وعمق هذه الاستراتيجية. ويلوح السؤال الرئيس هنا؛ ما هي روافد واستمدادات هذا التخطيط؟ وما هو أثر ذلك في رسم الفوراق بين الحركتين؟

    من المعلوم أن حركة حماس هي امتداد فلسطيني للجماعة الأم في مصر = جماعة الإخوان المسلمين، وتتخذ الجماعة وامتداداتها شكلًا تنظيميًا هرميًا محكمًا، ظهر اسم حركة المقاومة الإسلامية مع انطلاق الانتفاضة المباركة في ديسمبر 1987، ولكن الحركة عرَّفت نفسها منذ البداية بأنها جناح من أجنحة الإخوان المسلمين في فلسطين، والحقيقة أن حماس هي أحد أشكال المقاومة التي قرر الإخوان المسلمون الفلسطينيون تبنيها ضمن تاريخهم الطويل في العمل الشعبي والمقاوم. وبالتالي فإن حماس لم تأت من فراغ، وإنما هي استمرار لعملهم الذي نشأ في فلسطين منذ بداية الأربعينيات من القرن العشرين، واتخذ شكل العمل العلني المنظم وافتتاح الفروع والمقرات منذ أواخر سنة 1945 حتى وصلت نحو خمسة وعشرين فرعاً قبل حرب 1948، وهي امتداد لعملهم الجهادي ضد المشروع الصهيوني = والذي يعتبرونه جزءاً من عقيدتهم منذ أن شاركوا بقوة في حرب 1948، وفي عمليات المقاومة في قطاع غزة 1953 – 1955 ، وفي معسكرات الشيوخ (تحت غطاء حركة فتح) في 1968 – 1970، وفي محاولات الشيخ أحمد ياسين المبكرة في أوائل الثمانينيات إلى أن كُشف تنظيمه العسكري (المجاهدون الفلسطينيون) واعتقل سنة 1984.

    أصدرت حركة المقاومة الإسلامية ميثاقها التأسيسي في 18 أغسطس 1988م، وقد جاء ميثاق الحركة شارحًا لرؤى ومواقف الحركة على كافة الأصعد، ففي الباب الأول المعني بالتعريف بالحركة، يذكر في المادة الثانية وتحت عنوان صلة حركة المقاومة الإسلامية بجماعة الإخوان المسلمين: (حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين، وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وتمتاز بالفهم العميق، والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة، في التصور والاعتقاد، في السياسة والاقتصاد، في التربية والاجتماع، في القضاء والحكم، في الدعوة والتعليم، في الفن والإعلام، في الغيب والشهادة، وفي باقي مجالات الحياة).[1]

    وفي المادة السابعة: عالمية حركة المقاومة الإسلامية: (وحركة المقاومة الإسلامية حلقة من حلقات الجهاد في مواجهة الغزوة الصهيونية، تتصل وترتبط بانطلاقة الشهيد عز الدين القسّام وإخوانه المجاهدين من الإخوان المسلمين عام 1936، وتمضي لتتصل وترتبط بحلقة أخرى تضم جهاد الفلسطينيين وجهود وجهاد الإخوان المسلمين في حرب 1948، والعمليات الجهادية للإخوان المسلمين عام 1968 وما بعده.[2](

    هذا الارتباط الوثيق بجماعة الإخوان حقق لحماس عددًا من المميزات والدعومات المادية والمعنوية من قبل الجماعة الأم، وهو ما أسهم بقوة في تطويل نفس الحركة وبقاء استراتيجياتها واضحة راسخة إلى حد كبير، كما أن الخبرة التنظيمية للجماعة أكسبت الحركة منعة نسبية في مواجهة المواجهات الاستخباراتية والأمنية المختلفة. قد لا يسع المقام لسرد كل مؤشرات تطور التخطيط الاستراتيجي لحركة حماس؛ إلا أننا أردنا تحديد الاستمداد والظهير الفكري والمادي والمعنوي للحركة، والتي كانت عاملًا ملازمًا للاستحقاقات التي جنتها وتجنيها الحركة.

    تبقى الإشارة إلى أن في ثنايا ميثاق الحركة تبرز مركزية القضية الفلسطينية وأولوية الصراع مع اليهود في استراتيجيات الحركة، بالإضافة إلى تبني خيار المقاومة كخيار رئيسي وأساسي في تحقيق أهداف الحركة ومراداتها، وهو الأمر الذي يوضح مدى نقاء ومركزية القضية عندهم.

    أما بالنسبة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف إعلاميُا بـ”داعش” ؛ فمن المعلوم أن الأصول الفكرية والمنهجية للتنظيم ناشئة من فكر تنظيم قاعدة الجهاد الذي كان يتزعمه الشيخ أسامة بن لادن – رحمه الله -، وآلت زعامته من بعده للدكتور أيمن الظواهري. بدأت النسخة العراقية للتنظيم بقيادة أبي مصعب الزرقاوي الذي ارتبط بعد زيارات لأسامة بن لادن في أفغانستان بالخط الفكري والمنهجي لتنظيم قاعدة الجهاد، وعليه أسس الزرقاوي تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين في العام 2004، إلا أن خلافات استراتيجية أنبتت بذور الشقاق بين الفرع العراقي والأصل في أفغانستان، حيث تبنى الزرقاوي لزوم مواجهة العدو الشيعي بالتوازي مع مواجهة الاحتلال الأمريكي وحلفائه، وهو الأمر الذي كان يراه الظواهري تشتيتًا للجهود من الناحية المرحلية. وفي العام 2006 تم تأسيس “مجلس شورى المجاهدين” الذي ضم عددًا من الكتائب الأخرى بجانب تنظيم القاعدة، ثم أعلن تنظيم “دولة العراق الإسلامية” في أكتوبر من ذات العام، وبعد أن قتل الزرقاوي في يونيو 2006.  وعقب مقتل الزرقاوي تولى المصري أبو حمزة المهاجر قائد كتيبة “عائشة أم المؤمنين” المتنفذة في قيادة قاعدة العراق قيادة التنظيم، وبعد توليه سعى لإنشاء دولة أو إمارة إسلامية تجمع شتات الفصائل السنية، لكن سياسته كانت أكثر حدة من سلفه، فبعد إنشاء دولة العراق الإسلامية بإمرة أبو عمر البغدادي؛ عمد المهاجر الذي كان القائد الفعلي للدولة – بحسب رسالة قاضي الدولة أبو سليمان العتيبي لقيادة القاعدة في أفغانستان – إلى إجبار الرافضين لمشروع الدولة من الفصائل الأخرى على بيعة البغدادي حتى وصل إلى قتال المنشقين عنه من تنظيم القاعدة ومن الجماعات الأخرى .

    تسبب نهج المهاجر إلى نشوء ما يعرف بمجالس الصحوات بمساعدة أمريكية وإقليمية عربية – وهو خليط من العشائر السنية والفصائل التي كانت تقاتل الاحتلال الأمريكي – لطرد تنظيم دولة العراق الإسلامية من مناطق الوسط والشمال السنية خاصة محافظة الأنبار وهو ما نجح بسرعة رهيبة بعد أن فقد التنظيم حاضنته الشعبية ولجأ إلى الصحاري والمناطق النائية وقلت عملياته بنسبة كبيرة في مواجهة المحتل والقوات العراقية المساندة له واستمر على هذا الحال، إلا أن أواخر فترة المهاجر شهدت تصاعدًا في العمليات ضد الحكومة العراقية لم يلبث حتى قتل المهاجر والبغدادي في غارة أمريكية على محافظة صلاح الدين. تولى بعدها قيادة الدولة الأمير الحالي لداعش “أبو بكر البغدادي”، وفي عهده حصلت الثورة السورية التي كانت متنفسًا لتنظيمه، فتدخلت الدولة تحت مسمى “جبهة النصرة”، حتى حصل الخلاف بينها وبين قيادة الدولة في العراق بعد إعلان البغدادي عن حل جبهة النصرة وإعلان “الدولة الإسلامية في العراق والشام” = داعش.

    من خلال وثيقة سميت بـ”خطــة إسـتراتجية لتعزيز الموقف السياسي لدولة العراق الإسلامية”[3]، يمكن تتبع نمط التخطيط الاستراتيجي الذي تتبناه الدولة، حيث تذكر الوثيقة:

    (فمشروع دولة العراق الإسلامية هو مشروع الأمة كلها، و هو هدف كل المجاهدين الصادقين في العراق بلا شك، وما سنقدمه من رسم لاستراتيجية هذه المرحلة لها، والتي نعتبرها مرحلة تخطيط وإعداد مهمة بل ومحورية خطيرة، هو بلا ريب يصب في صالح بقية المجاهدين الصادقين ممن لهم وجهة نظر مخالفة من حيث الأسلوب والطريقة، سائلين المولى عز وجل أن يمكّن لدولة الإسلام في العراق، وأن يجمع المسلمين حول رايتها، لتكون عزاً ونصراً وفخراً للمسلمين في كل مكان.

    وسيكون ذلك وفق خمسة فصول: الأول: السعي الجاد لتوحيد الجهود .الثاني: التخطيط العسـكري المتوازن. الثالث: مجالس الصـحوة الجهادية. الرابع: العناية بالـرمز السـياسي. الخامس: طـمأنة المـخالفين) .

    وتذكر الوثيقة أيضًا: ( … ولذلك فهذه المرحلة الحالية تحتاج إلى خطة متوازنة في المواجهة لكي يكون لها ثمرة واضحة في المستقبل المنظور، بحيث يُقلل من هامش الاجتهاد الميداني لدى أمراء الكتائب والولايات، لأن تخويل التخطيط ورسم الاستراتيجية للأمراء سيجعل هناك تبايناً وتفاوتاً في الآراء والاجتهادات، مما يقلل من أثر العمل الجهادي الإيجابي لاسيما مع تعدد الجبهات والأعداء والأهداف المراد استهدافها. ولهذا لما كانت الاستراتيجية موحدة في مرحلة ظهور مجالس الصحوة كان الأثر واضحاً وظاهراً وملموساً، وعلى ضوء هذا نعتقد بأنه من الواجب أن تكون الخطة العسكرية في هذه المرحلة متشكلة من خلال ثلاث سياسات أو خطوط عريضة مهمة وهي كالتالي: تسع رصاصات على المرتدين ورصاصة على الصليبيين، التطهير، الاستهداف  …ولهذا فمن الأهمية بمكان تدمير البناء الصليبي = الجيش والشرطة العراقية، بحيث تبقى القوات الصليبية بين إرادة انتشال نفسها من هذا المأزق بأسرع وقت وبين البقاء فيه عاجزة عن إتمام البناء الذي أزمعت على بنائه بشكل جيد، فتواجه بذلك الموت البطيء .والمقصود بهذه السياسة أن نرفع معدل الخوف من إمكانية الإصابة والموت عند الانتساب لهذه الأجهزة على معدل إمكانية السلامة والاستمتاع بالوظيفة و المرتب، حتى يقلل من معدلات الانضمام لتلك الأجهزة ويزيد من معدلات الهروب من الخدمة والابتعاد عن هذه الوظيفة .وهذا لا يكون خلال شهر أو شهرين بل يحتاج إلى عمل متواصل ومستمر حتى نحقق هذه المعادلة المهمة .ولأجل الوصول لهذا لا بد أن يكون استهداف المنتسبين للجيش والشرطة على نطاق واسع بحيث لا يتوفر في أي منطقة يتواجدون فيها أمانٌ مطلقاً يشجع غيرهم على الالتحاق بتلك الأجهزة، وحتى يكون انتشار القتلى والمصابين كبيراً بحيث يكون هذا مانعاً لمعارفهم وأقاربهم من الدخول في دائرة استهداف المجاهدين والتعرض لمثل هذه المصائب التي يرونها تلحق بكل منتسب بالجيش والشرطة، ومن الضروري أن يترافق هذا مع سياسة إعلامية دعائية تجرّم الانضمام لتلك الأجهزة وتجعله عاراً يلحق بالمنتسبين إليها، بالإضافة إلى تعزيز الخوف من خطورة استهدافهم من قبل المجاهدين كرسائل التهديد العلنية والتي يعقبها التنفيذ الصادق لها، لأن هذا أوسع انتشاراً وأكثر مصداقية في تعزيز هذه الأمور، مع تنويع الخطاب الموجه لهم بما يناسب مختلف التوجهات والأفكار، متأسين في ذلك بكتاب الله عز وجل الذي جمع بين الترهيب والترغيب. فيجدر الاهتمام مع الجانب العسكري الصارم بالجانب التوعوي ذي الخطاب اللين المشفق المعزز بالحكم الشرعي لهذه الأجهزة في الدنيا و الآخرة)[4] .

    من الواضح من خلال الوثيقة السابقة أن الدولة تولي اهتمامًا كبيرًا لعملاء الداخل العراقي، وهو ما قد لوحظ أيضًا في ممارسات التنظيم في سوريا.

    قد يكون الخلاف المنهجي والفكري الذي بدأت تتضح معالمه بين القاعدة وداعش هو من أبرز مظاهر فراغ الظهير الفكري والتنظيمي الذي يمكن أن يحتمي به تنظيم الدولة، فلاشك أن تنظيم القاعدة قد اكتسب خبرة تنظيمية وعسكرية جيدة عبر فترات الحرب مع الروس، ثم إبان الدولة الطالبانية وما أعقبها من الحرب مع الولايات المتحدة، ولم يكن من الأنجح للمشروع الجهادي القاعدي تفكك مكوناته، بل كان من الأجدى أن تتقوى فصائله وكتائبه بعضها ببعض، وهو ما كان الظواهري يسعى لتحقيقه من خلال تجاوز المخالفات التنظيمية التي ارتكبها تنظيم الدولة[5].

    تكمن الإشكالية الاستمدادية لداعش في ضبابية تاريخ قياداته الحاليين – حتى بالنسبة للظواهري – وهو ما يضع علامات استفهام حول الإصرار على مفاصلتهم لقيادات تنظيم القاعدة الأوائل، بل والاستعلان بمخالفتهم، كما يضع الكثير من التساؤلات حول كم وكيف التمويل الذي يتحصلون عليه من دون دعم من تنظيم القاعدة الأصل.

     

    حماس: مؤشرات التطور الاستراتيجي والتكتيكي

    منذ معركة “الوعد الصادق” كما سماها حزب الله أو حرب تموز 2006، ومنحنى تطور مستوى المقاومة يشير إلى تقدم تقني واستراتيجي مقلق بالنسبة لوجود الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة، فالعمليات النوعية التي تستهدف خطف جنود إسرائيليين بدأت تثبت نجاحها ونكايتها في العدو الصهيوني، كما أن تكتيكات الحرب ومستوى المناورات العسكرية ونوعية ومدى الأهداف التي تقع في مرمى المقاومة بدا مؤشرًا لتطورات تعتمل في بنية وفكر المقاومة. وقد انتهب هذه الحرب بعد 34 يوم بصفقة لتبادل خمسة أسرى لبنانيين وخمس فلسطينين مع تسليم حزب الله رفات الجنديين الإسرائيليين للقوات الإسرائيلية على الحدود الدولية.

    في “معركة الفرقان” عام 2008 – 2009؛ شنت قوات العدو الصهيوني حربًا شرسة على قطاع غزة استهدفت من خلالها عددًا من نشطاء حركة حماس، كما استهدفت عددًا من المقار الأمنية والحكومية للحركة. كانت كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس آنذاك تواجه الحرب الإسرائيلية بثلاثة أنواع من الصواريخ فقط = غراد والقسام وقذائف الهاون، بالإضافة لمستو متوسط من الحرب الإعلامية، بل إن إسرائيل وقتئذ استخدمت تكتيكيًا خداعيًا في التأقيت لموعد الاجتياح اتسم بسمات تضليلية وخداعية للمقاومة في غزة.

    في معركة “حجارة السجيل” أو معركة الأيام الثمانية التي بدأت في 14نوفمبر 2012 في أعقاب استهداف القيادي القسامي أحمد الجعبري بصاروخ موجه من قبل سلاح الجو الإسرائيلي، ثم أعقبها قصف جوي ومدفعي لعدد من الأبنية والمقار في غزة، إلا أن حماس كانت قد وجدت الظهير المصري إبان حكم الدكتور مرسي، ولاقت دعمًا سياسيًا ولوجستيًا – بانت آثاره بعد ذلك في معركة العصف المأكول – من جماعة الإخوان في مصر، مما أدى لسرعة انتهاء الحرب بمبادرة تهدئة مصرية خرجت بنكهة انتصار للمقاومة الفلسطينية في غزة، مع الإشارة لكون المقاومة قد أبدت تقدمًا عسكريًا تقنيًا ملموسًا بعض الشيء.

    وفي 8 يوليو 2014 أطلق الجيش الإسرائيلي عملية “الجرف الصامد”، وردت كتائب عز الدين القسام بمعركة “العصف المأكول”، وردت حركة الجهاد الإسلامي بعملية “البنيان المرصوص”، وذلك بعد موجة عنف تفجرت مع خطف وتعذيب وحرق الطفل محمد أبو خضير من شعفاط على أيدي مجموعة مستوطنين في 2 يوليو 2014، وإعادة اعتقال سلطان الكيان الصهيوني للعشرات من محرري صفقة شاليط، وذلك ردًا على خطف ثلاثة مستطونين من قبل مجهولين والوصول إليهم مقتولين. ولأن رحى الحرب مازالت دائرة حتى الآن، فإن محاور النظر في مستوى التطور الاستراتيجي الذي حققته المقاومة حتى الآن يمكن الحديث عنه كالتالي:

    – المحور العسكري

    يبدو أن عام الإخوان المسلمين في الحكم في مصر قد ساهم بشكل أو بآخر في وصول دعومات ومساعدات لتطوير أداء ومستوى التطور التقني التسليحي لحماس، فبعد تراجع العلاقة مع سوريا وإيران بسبب موقف حماس من الثورة السورية، استطاعت حماس إيجاد منافذ أخرى لتطوير أدائها وإمكانياتها العسكرية لدرجة أذهلت الالسياسيين والعسكريين في إسرائيل وحلفائها الإقليميين والدوليين. فقد استخدمت كتائب القسام لأول مرة صاروخ محلي الصنع أطلقت عليه اسم (R160) يصل مداه 160 كم، حيث ضرب مدينة حيفا، كما أعلن عن صاروخ من طراز جعبري 80، وهو نوع جديد يصل إلى مدى 80 كيلو متر، كما استخدمت سرايا القدس لأول مرة صاروخ من نوع براق 70 والذي سقط في مدينة تل أبيب. وفي 14 يوليو ذكرت كتائب القسام أنها سيرت أكثر من طائرة بدون طيار نحو عمق إسرائيل، وأصدرت الكتائب بياناً كشفت فيه عن تصنيعها طائرات بدون طيار أطلقت عليها اسم أبابيل1 وذكرت أنها أنتجت منها ثلاثة نماذج، أولها طائرة A1A وهي ذات مهام استطلاعية، ثانيها طائرة A1B وهي ذات مهام هجومية-إلقاء، وثالثها طائرة A1C وهي ذات مهام هجومية انتحارية[6]. كما استخدمت كتائب القسام ولأول مرة صاروخ فونيكس الموجه لتدمير دبابة الاحتلال المركافا على تخوم قطاع غزة، هو صاروخ طورته كوريا الشمالية من منظومة “الفاغوت” الروسيةواسمه الكوري هو (Bulsae-2)، وهو صاروخ جديد لا توجد عنه الكثير من المعلومات، وقد ظهر خلال عروض كوريا الشمالية العسكرية، وهو يعتمد على مولد للغاز لدفع الصاروخ وقادر على اختراق نحو 460 ملم من الدروع الفولاذية اعتماداً على المغاير والهدف، وأهم ما يميز هذه المنظومة هو أداة التهديف البصرية التي تعتمد على الليزر.

    ناهيك عن كم عمليات الإنزال خلف خطوط العدو الصهيوني ومدى نجاحاتها التي تتحقق، وظهور كفاءة قوات الضفادع البشرية في التسلسل لقاعدة “زيكيم”، بالإضافة للعمليات النوعية التي تستهدف ناقلات الجنود والدبابات والطائرات، فضلًا عن المحاولات المتكررة لخطف جنود إسرائيليين والتي نجحت من خلالها المقاومة في أسر الجندي “شاؤول آرون”، لتعيد بذلك إلى أذهان الصهاينة أزمة أسر الجندي “جلعاد شاليط”، والتي يبدو أن المقاومة قد تمرست وتفننت في إبداع وابتكار أساليب إخفائه وتأمينه !!

    – المحور السياسي

    تأتي شهادة التفوق السياسي والدبلوماسي للمقاومة الفلسطينية من الدكتور خليل العناني[7] حيث يقول: (نجحت المقاومة الفلسطينية، حتى الآن، في فرض قواعد جديدة للعبة مع العدو الإسرائيلي. وهو ما اتضح، ليس فقط من حجم الخسائر العسكرية في صفوف العدو، والتي تبدو أكبر مما كانت عليه فى الجولات السابقة، وإنما أيضاً في الأداء السياسي والدبلوماسي اللافت خلال هذه الحرب.  وإلى جانب المعركة العسكرية في غزة، فإن ثمة معركة سياسية ودبلوماسية، لا تقل شراسةً تقودها المقاومة الفلسطينية، بذكاء واحتراف واضحين، خصوصاً في ظل الوضع المعقد الشديد في المنطقة، ومحاولات بعضهم خنق المقاومة، وعزلها داخلياً وخارجياً.

    يمكن رصد ملاحظات أولية على الأداء السياسي والدبلوماسي للمقاومة الفلسطينية، والذي لا يقل تميزاً وذكاء عن الأداء العسكري الذي فاجأ الجميع، وفي مقدمتهم العدو الإسرائيلي:

    ·        أولاً: منذ بداية العدوان الإسرائيلي، عملت القيادة السياسية للمقاومة على توفير غطاء سياسي ودبلوماسي لها، وقد نجح هذا الغطاء في تحقيق هدفين مهمين: أولهما عدم الانعزال والانفتاح على أكبر عدد من الأطراف العربية والإقليمية. وثانيهما، التأكيد على المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، وترسيخها في أية عملية تفاوضية، قد تجري لوقف الحرب، بغض النظر عن هوية الوسطاء ورغباتهم وأجنداتهم.

    ·        ثانياً: بدا واضحا أن قادة المقاومة يدركون جيداً نقاط القوة والضعف في معسكرهم، وفي معسكر العدو، من دون تهويل أو تهوين. لذا، كانت أرضية التحرك أن المقاومة لم تخترق اتفاق الهدنة الموقع عام 2012، ولم تبادر بالحرب، وإنما إسرائيل هي التي قامت بذلك، لأسباب سياسية داخلية محضة. وهو ما يرفع اللوم أو العتاب عن المقاومة، ويضعه كاملاً على إسرائيل ورئيس وزرائها، بنيامين نتانياهو، الذي يبدو أنه سوف يدفع ثمن تهوره وحماقته.

    ·        ثالثاً: على الرغم من رفض المقاومة المبادرة المصرية، وهو رفض مستحق، شكلاً وموضوعاً، فإن المقاومة ظلت منفتحة على القاهرة، ولا يزال ممثلها موسى أبو مرزوق موجوداً هناك، وعلى تواصل مع الدولة المصرية وأجهزتها المعنية بإدارة الأزمة