الجماعات السلفية الجهادية..وفقه التكفير(1)

0

في فجر يوم الخميس الثامن عشرمن شهر ابريل للعام 1974 بينما كان يعد لاجتماع يضم أركان النظام المصري وعلى رأسهم أنور السادات في قاعة اللجنة المركزية للاتحاد

رياض حسن محرم

مجموعة الفنية العسكرية(1974)

تمهيد:

في فجر يوم الخميس الثامن عشرمن شهر ابريل للعام 1974 بينما كان يعد لاجتماع يضم أركان النظام المصري وعلى رأسهم أنور السادات في قاعة اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي على شاطئ النيل صباحا, لمناقشة خطة العمل التنفيذية لورقة أكتوبر, كان هناك تحرك يبدأ في مكان آخر. كانت تدور معركة شرسة على أبواب كلية الفنية العسكرية بين فريقين غير متكافئين تماما, ما يقرب من ثمانية عشرة شابا يافعا في مقتبل العمر, مسلحين بمجموعة من السكاكين والمطاوي, وقوات عسكرية مجهزة من حراسة الكلية, ليختلط الحابل بالنابل ويسقط ثلاثة عشرة قتيلا, ستة من المهاجمين, وسبعة من الحراس, لتنتهي العملية سريعا, ويحاول المهاجمين سحب أنفسهم فى محاولة للفرار. على الجانب الآخر من سور الكلية, وفى الداخل تحاول مجموعة أخرى من طلبة الكلية الاستيلاء على مخزن سلاح لواء الحراسة, لكنهم فشلوا في ذلك أمام دفاع سرية الحراسة, فتوجهوا إلى كابينة الإنارة وعمدوا إلى قطع الكهرباء, لتدور معركة داخل الكلية, تنتهي سريعا مخلفة وراءها إحدى عشر قتيلا, وسبعة وعشرين مصابا.

البداية:

تبدأ نشأة ما عرف فيما بعد بتنظيم الفنية العسكرية, بهزيمة 1967 وما خلفته من جروح وندوب كثيرة, ومن فقدان الأمل بين الشباب, مما حدا بهم إلى البحث عن حل لدى أما بقايا الحركة الشيوعية, أو ما تبقى من حركة الإخوان المسلمين.

نشط التيار الديني سريعا بعد النكسة رادا أسباب الهزيمة الى البعد عن الله, وفشل الحلول العلمانية والقومية, والاستعانة بقوى الشرك والكفر, طارحا الحل ببساطة في إقامة الدولة الإسلامية, متخذا من منابر المساجد طريقا للدعوة لأفكاره, ومن تجمعات الفرق الصوفية, والجمعيات الشرعية, والقوى السلفية, ميدانا خصبا لتجنيد الشباب.
كما نشط مجموعة لا بأس بها من خطباء التيار السلفي المتشدد, من أمثال الشيخ محمود عيد وأحمد المحلاوي بالإسكندرية, والشيخ عبد الحميد كشك بالقاهرة, والشيخ حافظ سلامة بالسويس, وغيرهم, ليجتمع حولهم آلاف من الشباب المتحمسين, وتبدأ مجموعة معينة من الكتب في التداول بينهم سرا وعلنا, منها كتابات سيد ومحمد قطب, وابن تيمية, وأبو الأعلى المودودى وغيرهم.

بدأت في التشكل مجموعات صغيرة تؤمن بفكر الإخوان المسلمين بقيادة أفراد من الصف الثاني والثالث من الجماعة, حيث كانت قيادات الحركة خلف أسوار السجون منذ عام 1965 بعد محاكمتهم وإعدام سيد قطب وآخرون. تلقت الحركة الإسلامية دفعة كبيرة بعد وفاة جمال عبد الناصر وتولى السادات ليبدأ عهد جديد في التعامل مع الإخوان المسلمين, بالإفراج عنهم, وإعادتهم إلى وظائفهم, وتمكينهم من الخطابة على المنابر, فكان ذلك عاملا حاسما في سرعة نشر الأفكار الدينية في المجتمع عموما, وبين شباب الجامعات على وجه الخصوص.

صالح سرية:

كان لتوقيت وصول صالح سرية إلى مصر في عام 1971 أثرا حاسما فى بلورة فكرة الانقلاب العسكري. هو صالح عبد الله سرية, أردني من أصل فلسطيني, ولد فى حيفا, وأكمل دراسته الابتدائية بها, وبعد نكبة 1948 هاجر مع أسرته إلى العراق, وأكمل دراسته الثانوية هناك, ودخل كلية الشريعة بجامعة بغداد بوساطة مباشرة من مرشد جماعة الإخوان المسلمين في العراق والتي كان قد انتمى إليها, وكان من العناصر النشطة فيها, , وأسس مجموعة فلسطينية بالعراق سماها”جبهة التحرير الفلسطينية” واستمر نشاطه متصاعدا حتى قيام ثورة 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم, وبعد حدوث خلاف بين قاسم والإخوان لجأ إلى العمل السري, وقام بعدة عمليات ضد اليهود العراقيين من قتل واستيلاء على أموال لتمويل مجموعته بالأسلحة, حاول التقرب من عبد السلام عارف بعد انقلابه على قاسم, ثم اعتقل عام 1965 وبعد الإفراج عنه حصل على الماجستير في الشريعة, وابتعد عن العمل السياسى لفترة, وبعد هزيمة 1967 عاد لنشاطه الفدائي وانضم إلى المجلس الوطني الفلسطيني, وحضر اجتماع المجلس بالقاهرة عام .1968.

وبعد أن أتهم بالأشتراك فى محاولة اغتيال أحمد حسن البكر , فرّ إلى سوريا, فالأردن وإرتبط بحزب التحرير الإسلامى الذى أسسه “تقى الدين النبهانى عام 1950, ثم جاء إلى مصر عام 1971 وحصل على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس عام 1972, وعمل بمنظمة التربية والثقافة والعلوم(الأونيسكو) بجامعة الدول العربية بالقاهرة.

لم يضيّع صالح سرية حال وصوله الى القاهرة أى وقت, فاتجه مباشرة الى منزل السيدة زينب الغزالى, والتى كان قد تعرف عليها فى زيارة سابقة الى القاهرة عن طريق طليقها الشيخ “حافظ التيجانى” ونزل ضيفا عليها هو وأسرته المكونة من زوجته وتسعة من الأبناء, ولعبت السيدة زينب الغزالى دورا أساسيا فى تقديمه الى المرشد العام المستشار “حسن الهضيبى” وتعريفه بمجموعات الشباب الجديد ومنهم “طلال الأنصارى” و”اسماعيل طنطاوى”و”يحيى هاشم” . سرعان ما أدرك صالح سرية أن الاخوان المسلمين فى مصر غير راغبين أو قادرين على المواجهه, وذلك بعد لقائه ببعض قادتهم وعلى رأسهم المرشد العام, وكذلك لقاءاته مع كثير من قياداتهم أمثال الشيخين محمد الغزالى والسيد سابق.

ويمكن التماس العذر لهؤلاء القادة الذين كان يهمهم فى الأساس الأول بقاء الدعوة واستمرارها, وحماية أعضائها, وهم ليسوا بعيدين من محنة قاسية ألمت بهم فى العام 1965, وما زالوا يرممون نتائجها, ويضمدون جراحها.
كما وجد قادة المجموعات الشبابية مشتتي الحركة, ومشوشى الرؤية, فمنهم من كان اتجاهه سلفيا مثل “اسماعيل طنطاوى” ومنهم من يرفض فكرة الانقلاب العسكرى ويدعو الى حرب عصابات طويلة الأجل مثل “يحيى هاشم”” وهو وكيل نيابة بدأ نشاطه السياسي عام 1968 بقيادة مظاهرة من مسجد الحسين بالقاهرة بسبب هزيمة يونيو 1967 . وقد شكل يحي هاشم تنظيما بلغ عدد أفراده حوالي300 فردا معظمهم من الإسكندرية, وحاول بعد فشل عملية الفنية العسكرية و القبض على أعضائها القيام بعملية مغامرة لتهريبهم, ولكن خطته انكشفت فهرب الى الصعيد وتمت تصفيته هناك بواسطة قوات الأمن. توجه سرّية مباشرة الى الشباب المتدين المتحمس ليكّون منهم تنظيمه, ونجح فى تجنيد العشرات منهم بسرعة فائقة فقد كان له تأثير قوى على كل من يلتقى به, انظر ماذا يقول عنه” أيمن الظواهرى” فى كتابه”فرسان تحت راية النبى”:

ان صالح سرية كان محدثاً جذاباً ومثقفاً على درجة عالية من الاطلاع والمعرفة، وكان حاصلاً على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس، كما كان متضلعاً في عدد من العلوم الشرعية)، وانه التقاه مرة واحدة أثناء احد المعسكرات الاسلامية في كلية الطب حين دعاه أحد المشاركين في المعسكر الى القاء كلمة في الشباب. و«بمجرد استماعي لكلمة هذا الزائر أدركت ان لكلامه وقعاً آخر، وانه يحمل معاني اوسع في وجوب نصرة الاسلام. وقررت ان أسعى للقاء هذا الزائر، ولكن كل محاولاتي للقائه لم تفلح».

كما يقول عنه” طلال الأنصارى” فى كتابه”صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الاسلامية المعاصرة”:
((كان صالح سرية شخصية كاريزمية, لا يملك من يقابله فكاكا من أن ينبهر به..خلقه..شخصيته..علمه..قدرته الفائقة على الاقناع بأبسط الطرق وأيسرها, وقدرته على صياغة أعقد القضايا وعرضها فى كلمات بسيطة وموجزة)).

الخطة والتحرك:

نجح سرّية فى تكوين تنظيم واسع ومتنوع جغرافيا من مجموعة متحمسة من الشباب, قسمهم الى مجموعات صغيرة على رأس مجموعة الإسكندرية”كامل عبد القادر(طب) وطلال الأنصاري(هندسة), ومجموعة “بور سعيد”بقيادة أحمد صالح, ومجموعة” القاهرة والجيزة” وعلى رأسها حسن الهلاوى ومصطفى يسرى, ومجموعة” قنا” بقيادة محمد شاكر الشريف, وأبقى مجموعة “الفنية العسكرية” بقيادة كارم الأناضولي وباقي الكليات العسكرية تحت قيادته المباشرة.

أمام ضغط الشباب المتحمس المتكرر والمستمر على سرعة لتحرك, وإستعجال العمل, والإلحاح الدائم, إضطّر للتسرع بوضع الخطة الأولى وهى اغتيال الرئيس السادات مع كبار قياداته بالمطار عند عودته من زيارة خارجية ليوغوسلافيا, وتم تكليف مجموعة القاهرة والجيزة بقيادة “حسن الهلاوى” برسم خريطة تفصيلية للمطار, ولكن لعدم قيام المجموعة بما كلفت به تم إلغاء الخطة. تم تكليف مجموعة الإسكندرية بإعداد رسم كروكى عن مكانين محتملين للهجوم الأول مجلس الشعب والثانى مبنى الاتحاد الاشتراكى على “كورنيش النيل”, وقد حضرت مجموعة من ستة أفراد من الأسكندرية منهم محمد على خليفة وهانى الفرانونى وأنجزوا المطلوب.

تم وضع الخطة البديلة بواسطة سرّية وكارم الأناضولي, وتعتمد على الاستيلاء على الفنية العسكرية بمهاجمة حرس بوابة الكلية في صمت لادخال عدد كبير من الشباب الى الكلية، ثم بعد ذلك الاستيلاء على الأسلحة والسيارات والمدرعات من الكلية الفنية العسكرية بمساعدة اخوانهم الطلبة داخل الكلية مستغلين صلاحياتهم كقادة مناوبين أثناء الليل، ثم التوجه بما حصلوا عليه الى مقر الاتحاد الاشتراكي لمهاجمة السادات وأركان حكمه أثناء اجتماعهم.

وكبروفة للأحداث طلب سرّية من مجموعة الأسكندرية الحضور الى القاهرة, والتوجه إلى موقع العملية قبل بدء التحرك بيوم واحد وبعد حضورهم طلب منهم العودة والحضور في اليوم التالي.وأعد صالح سرية بيان الانقلاب بخطه, ويدعوا إلى قيام نظام جديد فى مصر يقضى على الفساد, ويدعم الإيمان والأخلاق والفضيلة, ويضمن الحريّات, وتم تذييل البيان بتوقيع د/ صالح سرّية رئيس الجمهورية.

ومع بداية التحرك تسلل اثنين من التنظيم, أحدهما توجه إلى وزارة الداخلية والثاني إلى رئاسة الجمهورية, وقاما بالإبلاغ عن الخطة, وبعد مرور وقت طويل من عدم التصديق والتحقيق معهم, توجهت قوة صغيرة من الأمن المركزي إلى كلية الفنية العسكرية, ليتم إجهاض الهجوم في بدايته, ويتم القبض على قياداته, وعلى رأسهم صالح سرية الفلسطيني, وأجريت لهم محاكمة سريعة, حاولت السلطات الأمنية إثبات تورط النظام الليبي في العملية,وحاولت النيابة أن تزج باسم “حسين الشافعي” نائب رئيس الجمهورية فيها, ولكن ربط الحركة بأى قوى خارجية أو داخلية باءت بالفشل.

صدر الحكم بإعدام صالح سرّية وكارم الأناضولي وطلال الأنصاري(قرر السادات تخفيف الحكم الصادر عليه بالإعدام إلى المؤبد, نتيجة وساطة والده الشاعر السكندري عبد المنعم الأنصاري), وبأحكام بالسجن على عشرات منهم, وطويت صفحة من تاريخ أول تنظيم إسلامى جهادي انقلابي في مصر. مع إنتهاء العملية بالفشل, واعدام القيادات, حاول أحد قيادات التنظيم ” أحمد صالح” والذى حوكم بالبراءة, إعادة تجميع من تبقى والإستمرار فى الحركة, ولكن يتم القبض على معظم من تبقى منهم عام 1977 فيما عرف بتنظيم الجهاد, ليعود مرة أخرى “د. مصطفى يسرى” لمحاولة الإستمرار بالباقين منهم.

أفكار التنظيم

إعتمد التنظيم فى أدبياته الرئيسة على أفكار صالح سرّية مؤسس التنظيم وفيلسوفه, والذى خلّف مجموعة من الكتابات, أهمها “رسالة الإيمان” التى أعاد طباعتها عدة مرات اتحاد طلاب مصر فى نهاية السبعينيات.

ومن أهم الأفكار الواردة فى هذه الوثيقة:

– الجهاد هو الطريق لإقامة الدول الإسلامية

– لا يجوز موالاة الكفار والأنظمة الكافرة ومن فعل ذلك فهو كافر. من مات دفاعاً عن حكومة كافرة ضد من قاموا لإقامة الدولة الإسلامية فهو كافر إلا إذا كان مكرهاً فإنه يبعث على نيته. من اشترك في حزب عقائدي غير إسلامي فهو كافر، كذلك من اشترك في جمعية عالمية كالماسونية أو اعتنق فلسفة مخالفة كالوجودية أو البرجماتية كافر.

– الحكم بتكفير الحكام وجاهلية المجتمع واعتباره دار حرب.

– جواز العمل الحزبي الإسلامي والمساهمة من خلاله في الانتخابات ودخول البرلمان والمشاركة في الوزارات إذا كان صريحاً بأنه يسعى عن هذا الطريق للوصول إلى السلطة وتحويل الدولة إلى دولة إسلامية.

– يجوز للمسلم أن يدخل في مختلف اختصاصات الدولة بأمر من الجماعة الإسلامية ويستغل منصبه لمساعدة الجماعة للحصول على السلطة أو التخفيف عنها في حالة المحنة أو إفادتها بأي طريق ولا مانع أن يصبح وزيراً حتى مع حاكم طاغية إذا كان بهذه النية.

– كل من ينفذ أوامر الدولة الكافرة ضد الإسلام والحركة الإسلامية فهو كافر. في حالة وجود مرشح إسلامي وأمامه مرشح اشتراكي أو قومي أو شيوعي وانتخب الفرد غير الإسلامي فإنه يكون كافراً بهذا الموقف.

– الذين يحاربون دعاة الإسلام لأنهم يمزجون الدين بالسياسة كفار لأنهم قصروا الإسلام على جانب وكفروا بالجوانب الأخرى.

– المعارضون لأحكام الإسلام الذين يتهمون الدين بالتخلف والرجعية كفار، كذلك الذين يعترضون على حكم من أحكام الله ولا يرضون عنها مثل الذين يعترضون على الإسلام ويتهمونه بالتخلف فإن هؤلاء غير راضين عن الإسلام أصلاً.

– التفريق بين الامتناع الجماعي والامتناع الفردي بمعنى أن الترك الجماعي لأي ركن من أركان الإسلام كفر.

– كل القوانين المخالفة للإسلام في الدولة هي قوانين كفر وكل من أعدها أو ساهم في إعدادها أو جعلها تشريعات ملزمة فهو كافر كذلك من طبقها دون اعتراض عليها أو إنكار لها.

– تحية العلم والجندي المجهول والسلام الجمهوري من طقوس الجاهلية وهي صورة من صور الشرك.

خاتمة

لا شك أن هذه التجربة بوصفها من التجارب الأولى فى العمل التنظيمى الجهادى, والمختلف عن المسار التقليدى لجماعة الإخوان المسلمين, شابتها العديد من الأخطاء القاتلة نذكر منها:

1- الإعتماد بشكل رئيسى على مجموعة من الشباب الغض قليلى الخبرة والتجربة, ممن لم تتجاوز أعمارهم العشرين عاما.

– وجود شخصية مثل الدكتور صالح سرية على رأس التنظيم, وهو الأردنى الجنسية والفلسطينى الأصل أضعف كثيرا من مصداقية هذا التنظيم وقدرته على النجاح.

3- سذاجة الخطط التى وضعت, وإرتجال التنفيذ, والإستعجال فى الحركة, كلها عوامل ساهمت فى الفشل, وعدم وجود أي امكانية للوصول الى الهدف.

الجماعات السلفية الجهادية …وفقه التكفير(2)

جماعة المسلمين(التكفير والهجرة)”1977″

في فجر يوم الأحد الثالث من يوليو لعام 1977, اقتربت سيارتان من باب فيلا قديمة من طابقين, تحيط بها حديقة صغيرة, وسياج حديدي مدبب,في منطقة هادئة ومعزولة بشارع السايس بحدائق حلوان, وتوقفت السيارة الأولى أمام باب الفيلا مباشرة, والأخرى على بعد عدة أمتار وأطفأت أنوارها, وقفز من السيارة الأولى خمسة أفراد بملابس الشرطة وملابس مدنية, أحدهم ضابط برتبة رائد, فى يد أحدهم مدفع رشاش, وتقدموا نحو الفيلا وطرقوا الباب بعنف.
إستيقظ جميع من بالفيلا, وأضيئ الطابق الأرضي حيث ينام الجميع, ومع توالى الطرق, فتح الباب الابن الأكبر الدكتور حسين النائب المقيم بالقصر العيني, دفعوه بشدة وانطلقوا مسرعين إلى الداخل, وردد قائد المجموعة”احمد طارق عبد العليم” (رائد شرطة سابق):

– وسّع إحنا مباحث أمن دولة, فين الشيخ الدهبى.

قبل أن يجيب فتح باب غرفة داخلية وخرج الشيخ بملابس النوم مذعورا ليرى أمامه الخمسة وقد شهروا أسلحتهم, سأل ما الخبر فجاءه الرد بخشونة أنه مطلوب للتحقيق,عندما سأل عن السبب, طلبوا منه أن يلبس ملابسه بسرعة, وهناك سيعرف كل شيء, وقبل أن يخرج معهم حاول الشيخ أن يهدئ من روع أبنائه وأمهم, أخبرهم أن ثمة خطأ في الأمر وأنه سيعود سريعا . تحركت السيارة الأولى بسرعة, حاملين معهم الشيخ في الكرسي الخلفي, بينما حدث عطل مفاجئ في السيارة الثانية ولم يتمكن سائقها من تشغيلها, وعندما خرج الابن الأكبر مسرعا وراءهم استعان ببعض المصلين من المسجد القريب للفيلا, بالإمساك بقائد السيارة, والاتصال بالشرطة(تبين فيما بعد أن السيارة المتعطلة رقمها 28793 ملاكي القاهرة, وأن سائقها هو “إبراهيم محمد حجازي” أحد أفراد العملية,ووجد بداخلها مدفع رشاش وطبنجتين).

في الطريق سأل الشيخ مرّة ثانية عن سبب القبض عليه, أجابه أحدهم بتهكم : لكونك على علاقة بجماعة التكفير والهجرة, فأخذ الشيخ يردد كيف تقولون ذلك؟ أنني ضد أفكارهم على طول الخط, وقد ألفت كتابا في الرد عليهم وإبطال حججهم, وأنني متبرئ منهم إلى يوم القيامة.

البداية
في الستينيات في السجن الحربي, والسياط تلهب الظهور, والمساجين يتساقطون جوعا وألما وقهرا, أغلبهم بدون تهمة, إلا أنه قريب لعضو بجماعة الإخوان المسلمين, أو أنه دفع ذات مرّة تبرعا, أو وزّع منشورا, أو أنه أشترك لفترة في الجماعة. في تلك الأوضاع الصعبة, وآلة التعذيب لا تتوقف, تساءل البعض منهم, هل من يقومون بتعذيبنا مسلمون؟ وإذا لم يكونوا كذلك, فهل من يؤمرهم بالتعذيب يعد من زمرة المسلمين؟ وهكذا نشأت فكرة التكفير في سجون عبد الناصر.

بعد إعدام سيد قطب والزج بآلاف الأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين بالسجون, بدأت تنتشر بسرعة كتابات سيد قطب, خاصة كتابيه”معالم في الطريق” و”في ظلال القرآن”, وكتابات أبو الأعلى المودودى عن الإلوهية والحاكمية, وبدأت مجموعة منهم في السجون تتبنى هذه الأفكار. في السجن الحربي تشكلت في البداية من مجموعة صغيرة على رأسها الشيخ الأزهري “على عبده إسماعيل” الأخ الشقيق لعبد الفتاح إسماعيل( الذي أعدم مع سيد قطب في نفس القضية), والذي أفتى بكفر مرتكب الكبيرة, ولكن سرعان ما رجع عن أفكاره ليتولى “شكري مصطفى” الذي كنى ب”أبو سعد” قيادة المجموعة وتطوير أفكارا لشيخ على إسماعيل, وتجذ يرها, وبلورتها في الشكل الذي انتشرت به من الدعوة إلى الله وإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الاعتزال والهجرة ثم استخدام العنف, كما تبنى مقولات جاهلية المجتمعات القائمة وطالب بتغيرها وأيضاً تمايز بقوله إن من لا يدخل جماعة المسلمين فهو كافر. .

شكري مصطفى

هو شكري أحمد مصطفى عبد العال من مواليد قرية (الخرص ) مركز ابوتيج محافظة أسيوط 1942م، أحد شباب جماعة الإخوان المسلمين الذين اعتقلوا صيف عام 1963م حتى صيف 1971 , وكان لا يزال طالب بكلية الزارعة بجامعة أسيوط وتم اعتقاله مع مجموعة من الشباب بتهمة توزيع منشورات لجماعة الأخوان المسلمين وكان عمره وقتئذ واحد وعشرين عاماً, وفى هذه الفترة تعرف على كتابات سيد قطب وأبو الأعلى المودودى, واتى انتشرت سريعا بعد إعدام سيد قطب.

ـ في عام 1971م أفرج عنه بعد أن حصل على بكالوريوس الزراعة ومن ثم بدأ التحرك في مجال تكوين الهيكل التنظيمي لجماعته. ولذلك تمت مبايعته أميراً للمؤمنين وقائداً لجماعة المسلمين, فعين أمراء للمحافظات والمناطق واستأجر العديد من الشقق كمقار سرية للجماعة بالقاهرة والإسكندرية والجيزة, وبعض محافظات الوجه القبلي.
ـ في سبتمبر 1973م أمر بخروج أعضاء الجماعة إلى المناطق الجبلية واللجوء إلى المغارات الواقعة بدائرة( أبي قرقاص) بمحافظة المنيا بعد أن تصرفوا بالبيع في ممتلكاتهم وزودوا أنفسهم بالمؤن اللازمة والسلاح الأبيض، تطبيقاً لمفاهيمه الفكرية حول الهجرة.

ـ في 26 أكتوبر 1973م اشتبه في أمرهم رجال الأمن المصري فتم إلقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة في قضية رقم 618 لسنة 73 أمن دولة عليا.

ـ في 21 ابريل 1974م عقب حرب أكتوبر 1973م صدر قرار جمهوري بالعفو عن مصطفى شكري وجماعته، إلا أنه عاود ممارسة نشاطه مرة أخرى ولكن هذه المرة بصورة مكثفة أكثر من ذي قبل، حيث عمل على توسيع قاعدة الجماعة، وإعادة تنظيم صفوفها، وقد تمكن من ضم أعضاء جدد للجماعة من شتى محافظات مصر، وشراء أراض زراعية وبناء مجتمع لهم في مديرية التحرير, كما قام بتسفير مجموعات أخرى إلى خارج البلاد بغرض التمويل، مما مكن لانتشار أفكارهم في أكثر من دولة.

ـ هيأ شكري مصطفى لأتباعه بيئة متكاملة من النشاط وشغلهم بالدعوة والعمل و الصلوات والدراسة ، وإذا ترك العضو الجماعة اُعتُبِرَ كافراً، حيث اعتبر المجتمع خارج الجماعة كله كافرً ومن ثم يتم تعقبه وتصفيته جسدياً.

أفكاره

ومن أبرز ما اتسمت به “جماعة المسلمين” كما أطلق عليها شكري مصطفى من واقع أقواله أمام هيئة محكمة أمن الدولة العسكرية العليا (القضية رقم 6 لسنة 1977) والتي نشرت في الصحف يوم 21/10/1979
– إن كل المجتمعات القائمة مجتمعات جاهلية وكافرة قطعا.

– إننا نرفض ما يأخذون من أقوال الأئمة والإجماع وسائر المسميات الأخرى كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة.

– إن الالتزام بجماعة المسلمين ركن أساس كي يكون المسلم مسلما، ونرفض ما ابتدعه فقهاء السلاطين من تقاليد، وما رخصوا لأنفسهم فيه، وقد أسلموا أمرهم إلى الطاغوت وهو: الحكم بغير ما أنزل الله، واعتبروا كل من ينطق بالشهادتين مسلما.

– إن الإسلام ليس بالتلفظ بالشهادتين، ولكنه إقرار وعمل، ومن هنا كان المسلم الذي يفارق جماعة المسلمين كافراً.
– الإسلام الحق هو الذي تتبناه “جماعة المسلمين” وهو ما كان عليه الرسول وصحابته وعهد الخلافة الراشدة فقط – وبعد هذا لم يكن ثمة إسلام صحيح على وجه الأرض حتى الآن .

وقد أوضح شكري أفكاره في مجموعة من النصوص أوردها في مجموعة من الكراسات, نسخت بخط اليد, باعتبار أن المطبعة عتاد كفر, وتم تداولها سرا أهمها:

– رسالة الحجيات.
– رسالة التوسمات.
– الخلافة

على كل حال تمايزت أفكار الجماعة بالمسالمة في أول الأمر, وتقوم فلسفتها على عدم الاصطدام بالسلطة, ولكن بعد وصم المجتمع بالكفر والعودة إلى الجاهلية, اعتبر أن جماعته هي الفرقة الوحيدة المسلمة في هذا الكون,ودعا شكري إلى الانعزال عن هذا المجتمع, والهجرة بعيدا عن الكفار(التجرثم والقفز خارج التيار), وذلك للإخلاء بين الله وبين الكافرين, لينقض عليهم ويبيدهم بإحدى سننه(بحرب كونية مثلا), وفى هذه الحالة تخرج جماعة المسلمين لتقاتل من تبقى من الكفار, وهم اليهود الذين سيأتون من ناحية إيران(كما أخرج شكري فى بعض الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله والمسماة” أحاديث آخر الزمان”).

إذن ما الذي حدث وأدى إلى استخدام العنف؟

أعتقد أن القضية ثارت بعد أن بدأت الجماعة تواجه بعض المشاكل الداخلية نظرا لاتساعها وتوزعها في الداخل والخارج, خاصة أن شكري لم يكن يتحمل الخروج عنه, ويعتبر كل خارج من جماعته مرتد عن الإسلام يجب قتله, ولحدوث بعض أحداث العنف فيما بينهم, بدأت هذه الحوادث تلفت نظر جهات الأمن, ليكتشفوا أن وراء هذه الحالات من الاعتداء تنظيما دينيا حديديا كبيرا, يمكن في أي لحظة أن يتحول بالعنف تجاه النظام, عندها ومع تكشف بعض أسرار التنظيم من المعتدى عليهم من المنشقين, بدأت حملة اعتقالات لأفراد الجماعة. ولم يجد شكري مصطفى بدا أمام هذه الضربات البوليسية إلا الرد متمثلا في عملية اختطاف يساوم بها مع النظام على الإفراج عن المعتقلين.

كيف تم تحديد الهدف؟

1- الشيخ الذهبي عالما كبيرا ووزير سابق له وزنه في المجتمع ولدى الحكومة.
2- هذا الرجل بلّغ بالدعوة وعلمها جيدا, بدليل كتابه الذي يرد على أفكارها فكرة فكرة*.
3- لم يكتفي الشيخ برفض أفكار الجماعة بل أعلن موقفا مناهضا لها.
4- الشيخ صيدا سهلا, ولا توجد عليه حراسة.
5- هناك مكاسب أخرى يمكن جنيها, كالإعلان عن الجماعة, والمطالبة بفدية مالية…الخ.

المواجهة:

منذ اللحظة الأولى كان موقف الحكومة ممثلة في رئيس وزرائها وزير الداخلية السابق”ممدوح سالم”, هو عدم التنازل والمواجهة, لكنها أوهمت الجماعة بالرغبة في المفاوضات بغية كسب الوقت وتأخير قتل الرهينة حتى تستطيع تحديد المكان وإعداد خطة لتخليص الشيخ, وبينما كانت تجرى مع الجماعة مفاوضات صورية, كان عملائها يمسحون القاهرة طولا وعرضا بحثا عن الضحية وتركز بحثهم على الشقق المفروشة. وبالصدفة اشتبهوا في إحدى الشقق,كان اثنان من ضباط الشرطة يسألان عمن يقيم بالشقة المفروشة رقم واحد شارع محمد حسين بشارع الهرم , فرفض مستأجروها الإدلاء بأية بيانات مما أثار الشكوك و بمهاجمة الشقة عثر بداخلها على شخصين من الجماعة هما ( احمد نصر الله حجاج – وصبري محمد القط ) وعثر على مدفع رشاش وألف طلقة ذخيرة , ورسم كروكي لبيت الشيخ الذهبي , وخطابات متبادلة بين أعضاء التنظيم , وأوراق أخرى كان من بينها عقد إيجار فيلا مفروشة في شارع فاطمة رشدي في الهرم, وأثناء التفتيش حضر شخص ثالث , ما أن شاهد رجال الأمن حتى حاول ابتلاع ورقة كان يحملها , فمنعوه , وأخرجوها من فمه , وتبين أنها رسالة بنقل جثمان الدكتور الذهبي من الفيلا المفروشة على عربة كارو– بعد أجراء عمليات التمويه – لتلقى – مع النشادر – في مصرف قريب, فتم مهاجمة الفيلا المفروشة وعثر على جثة الشيخ الذهبي.

المطاردة

بدأت عملية مطاردات واسعة أدت إلى سقوط معظم أفراد الجماعة, بينما كان شكري يقيم في إحدى الشقق المفروشة بمنطقة”حدائق القبة”مع زوجته(شقيقة محمد النجار مسئول التنظيم), وبالرغم من أنه لم يكن أحد من الجماعة يعلم مكان إقامته, إلا أنه أحس أن الخناق قد اقترب منه, فبدأ في البحث عن مكان أكثر أمانا, وحين عودته لم يجد القميص الأسود منشورا في البلكونة, فعرف أن الشرطة قد هاجمت المكان, فعاد يسير في الشوارع على غير هدى, وبعد أن تعب من السير, هداه تفكيره أن يركب القطار إلى بنها, حيث توجد خلية مؤّمنة يستطيع اللجوء إليهم لإخفائه, ومن التعب والإرهاق وعدم التركيز, ركب قطار المرج بالخطأ, وعندما اكتشف ذلك قرر النزول في محطة عزبة النخل, لوجود بعض أتباعه بها, وسار يجر قدميه في شوارع القرية, غير قادر على الاهتداء على البيت الذي يسكنون فيه, والنسوة أمام البيوت يتطلعن مرتابات إلى هذا الغريب ذو اللحية الطويلة والملابس القصيرة والغريب النظرات, وبالصدفة أيضا يلتقي به مخبر كان يعمل في السجن الحربي ويعرفه جيدا, فيمد المخبر يده بالمصافحة, ويمسك بيد شكري بشده ويسأله عن اسمه, وعندما يرد عليه باسم آخر يقول له بل أنت “شكري مصطفى”, ويقتاده إلى نقطة الشرطة, فيسير معه بهدوء وبلا مقاومة, كمن أراد أن ينهى هذه المأساة, وفى نقطة الشرطة, يتصل قائدها الملازم بالمديرية مباشرة, ليحضر على الفور وزير الداخلية, ويعلن للصحافة نجاح الخطة المحكمة التي أعدها للقبض على الجاني**.

خاتمة

في صبيحة يوم 30 مارس عام 1978 وفى سجن الاستئناف بالقاهرة تم تنفيذ حكم الإعدام في كل من:

– شكري أحمد مصطفى
– أحمد طارق عبد العليم
– أنور مأمون صقر
– ماهر عبد العزيز بكرى
– مصطفى عبد المقصود غازي

وتستمر بعض المطاردات لبقية أفراد الجماعة, الذين يستخدمون الفخاخ والشقق الملغمة في إيقاع الخسائر برجال الشرطة, والقيام ببعض التفجيرات اليائسة في سينما سفنكس, وميدان العتبة, ومعهد الموسيقى العربية, ولكن الضربة كانت شديدة, بعدها يحاولون إعادة توازنهم, ولكن معظمهم يلتحقون بتنظيمات جديدة تنتهج العنف, ويبقى لهم تواجد في بعض الدول العربية والإسلامية كالمغرب والسودان, وتظل أفكار “شكري مصطفى” ملهمة لأغلب قادة التطرف في العالم, حتى ولم لم يعترفوا بذلك.

* الشيخ محمد حسين الذهبي من مواليد 1914 ولد في قرية مطوبس التابعة لكفر الشيخ حصل على الدكتوراه في التفسير والحديث سنة 1944 وعين مدرسا مساعدا بكلية الشريعة ثم أستاذ لها, أعير في سنة 1968لجامعة الكويت , وفى سنة 1971 عين أستاذا لها , أعير في سنة 1968 لجامعة الكويت , وفى سنة 1971 عين أستاذا بكلية أصول الدين , وقبل اقل من سنة أصبح أمينا عاما مساعدا لمجمع البحوث الإسلامية , وفى العام التالي عميدا لكلية أصول الدين , ثم أمينا عاما لمجمع البحوث الإسلامية , وفى 15 ابريل 1975 أصبح وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر حتى نوفمبر 1976 له سبعة أبناء والعديد من المؤلفات الدينية في الأحوال الشخصية عند المذاهب الإسلامية المختلفة وتفسير سور ( الأحزاب والنور والطلاق والنساء )أصدر وقت أن كان وزيرا للأوقاف كتيبا صغيرا في عام 1975 ناقش فيه فكر جماعة المسلمين , التي عرفت وقتها في الصحف المصرية باسم أهل الكهف أو جماعة التكفير والهجرة اثبت فيه بالاستناد إلى القرآن والسنة – فساد الزعم الذي أطلقوه بأنهم وحدهم المسلمون وان المجتمع حولهم يعد مجتمعا كافرا , فقد قال في هذا الكتاب إن حكم الناطق بشهادتي إن لا اله إلا الله وان محمدا رسول نعتبره مسلما تجرى عليه أحكام الإسلام , وليس لنا أن نبحث في مدى صدق شهادته , وإنما نكل سريرته إلى الله عالم السرائر , ثم ناقش فكرة اشتراطهم العمل بمفهوم الشهادتين حتى يصبح المرء مسلما فأكد انه لم يرد شرع يفيد هذا الربط وان من يشترط هذا الربط يكون قد أتى بشرط زائد وخالف هدى النبي واستحدث في الدين مالم يرد به نص من كتاب الله أو سنة رسوله “

وتناول الشيخ الذهبي اشتراط جماعة المسلمين أن تكون أعمال الشخص مصدقة لشهادته حتى يحكم بإسلامه فأثبت فساد هذا الشرط , وقال أن رسول الله عرف الإيمان بالله وحده بأنه شهادة أن لا اله إلا الله وان محمد رسول الله , واعتبر النطق بالشهادتين عملا . ثم تناول الذهبي قضية اعتبار الجماعة مرتكب الكبيرة كافرا , فأورد عن عمر أن الكبائر هي :قتل النفس , واكل الربا , واكل مال اليتيم , ورمى المحصنة ,وشهادة الزور ,وعقوق الوالدين , والفرار من الزحف (القتال ) والسحر , والإلحاد في البيت الحرام .

وقال انه من الثابت أن الرسول قد أتى له الزاني و الزانية والسارق وشارب الخمر, فلم يعتبرهم كفارا, ولم يقم عليهم حد الردة ( القتل ) وانه لا خلاف في أن التوبة تسقط الذنوب. واعتبر الشيخ الذهبي تكفير الجماعة للمسلم بأنه ( فسوق ) – اى خروج عن الدين – واستدل بحديث للرسول يقول : ” لا يرمى رجل رجلا بالفسق أو يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك ” وقال انه يجب التفرقة في العقائد بين الأصول والفروع. وأصول الأيمان هي : الأيمان بالله والأيمان بالرسول والإيمان باليوم الأخر .

وما عدا ذلك فروع لا تكفير فيها إلا في حالة إنكار حكم ثبت عن النبي , مثل إنكار وجوب الصلوات الخمس . ثم نبه الدكتور الذهبي في نهاية كتابه إلى مدى خطورة تعرض الشباب بدون علم لتفسير القرآن واستخراج الأحكام منه من غير تأهيل لذلك, ثم طلب من أئمة المساجد ووعاظ الأزهر تصحيح عقيدة الشباب الدينية وفقا للكتاب والسنة
**هذه الرواية سمعتها مباشرة من الرجل الثاني في التنظيم بعد إعدام شكري مصطفى وهو”صفوت الزينى”

الجماعات السلفية الجهادية …وفقه التكفير(3)

جهيمان العتيبى..واحتلال الحرم المكي (1979)

كانت نسمات خجولة تنساب من بين الجبال المحيطة بأم القرى, لتداعب خصلة شعر جعداء متسللة من تحت غترة شاب أسمر, متجهم الملامح, حاد النظرات, يحمل على كتفه مع ثلاثة من رفاقه تابوتا, تتحرك بجواره خمس توابيت, يتحولق حولها عشرات الفتيان فى مقتبل الرجولة, بخطى ثابتة يتجهون صوب المسجد الحرام, أطهر بقاع الأرض عند المسلمين, وآذان الفجر يملأ المكان” لا اله إلا الله, محمد رسول الله”. كان ذلك فى غرة شهر المحرم لعام 1400 هجري, الموافق للعشرين من نوفمبر للعام 1979من الميلاد, حيث مطلع قرن هجري جديد يبزغ بنوره على الكون, وجهيمان صامتا متجهما يبدو عليه تفكير عميق, ها هي النبوءة توشك أن تتحقق, يسير معه كتفا بكتف صهره ورفيق دربه “محمد بن عبد الله القحطانى” , مجدد الدين الذي يأتي على رأس المائة الجديدة, يحمّله رؤية جديدة للدين, واسمه مقترن باسم الرسول الأعظم ( لا تقوم الساعة, حتى يملك الناس رجلا من أهل بيتي, يواطيء اسمه اسمي, واسم أبيه اسم أبى, يلوذ بالبيت هربا من أعداء الله) أخرجه أبو عمرو الداني والخطيب البغدادي عن عاصم بن النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود.

ما أن يدلف الرهط إلى داخل المسجد, ويضعوا عن كواهلهم أحمالهم الثقيلة, والتى هى فى صورة نعوش أحضروها ليصلوا عليها صلاة الفجر,حتى يثبوا خفافا على هذه النعوش, ليزيحوا عنها أغطيتها, فإذا هي ممتلئة بالأسلحة والرشاشات والقنابل اليدوية, يوزعوها بينهم سريعا, ويسرعون بإغلاق أبواب الحرم من الداخل على المصلين والطائفين الذين كانوا حوالي 3000 من الرجال والنساء والأطفال.

جهيمان العتيبى

هو جهيمان بن يوسف بن محمد العتيبى, عمل بالحرس الوطني السعودي لمدة ثمانية عشر عاما قبل أن يتركه ويتفرغ للدعوة لأفكاره, وقد كان طالب علم متفوق بقسم الفلسفة الدينية في جامعة مكة المكرمة, متحمسا للفكر الوهابي الذي أرسى أسسه الشيخ محمد بن عبد الوهاب, والذي تحالف مع الشيخ محمد بن سعود فى نجد, لينتشر في الجزيرة العربية قبل أن يهزم لأول مرّة في بدايات القرن التاسع عشر على يد والى مصر “محمد على باشا” بتكليف من السلطان العثماني, وبعد أن تحالفت الدول الأوروبية مع الباب العالي في الأستانة, وأرغمت الجيش المصري على الانسحاب من الشام وشبه الجزيرة العربية, عاد هذا الفكر لينتعش مرّة أخرى على يد مؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود, لينتصر على الهاشميين ويطردهم, ويؤسس المملكة التي سميت باسم أسرة آل سعود.

وبعد أن أنهى جهيمان دراسته في جامعة مكة المكرمة, انتقل إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة, والتقى هناك بالشيخ عبد العزيز بن باز, الذي تتلمذ على يديه وقرّبه منه, وأثناء دراسته بالمدينة التقى بشخص يدعى محمد بن عبد الله القحطانى الذي ربطت بينهما علاقة وثيقة, واقتربا كثيرا من الشيخ ابن باز, وكانا دائمي اللقاء به في منزله بالمدينة, هذا المنزل الذي حوله إلى منزل علم تعقد فيه الحلقات الدراسية والمناظرات الفقهية, وكان يحاضر مع الشيخ في منزله مجموعة من علماء المذهب الحنبلي الكبار من أمثال الشيخ ناصر الدين الألباني والشيخ الشنقيطى.
وتوثقت العلاقات أكثر بين جهيمان والقحطانى, أثمرت زواج القحطانى من شقيقة العتيبى, والتقت أفكارهما المتشددة, من تكفير للحاكم, والدولة, والدعوة للانعزال عن المجتمع, وإنكار الوسائل العصرية الحديثة من راديو وتلفاز وغناء وموسيقى.

وعندما عين الشيخ عبد العزيز بن باز مفتيا عاما للمملكة, ترك منزله في المدينة المنورة لجهيمان ومن معه, لكي يستخدمونه في نشر الدعوة, ومنه انطلق إلى مساجد المدينة يدعو لأفكاره, فالتف حوله كثير, وبدأت أفكاره في الانتشار, وتوافد عليه الكثيرون من داخل المملكة وخارجها.

علاقة جهيمان بجماعة التكفير والهجرة

بالرغم من أن المعلومات حول جهيمان ومجموعته شحيحة, فلم أستطع الحصول على تفاصيل كثيرة حوله, إلا أنه هناك شبهات قويّة لدى غير مؤيدة ببرهان حول علاقته بجماعة التكفير والهجرة, فبعد حادث خطف واغتيال الشيخ الذهبي, والقبض على قادة الجماعة وإعدام خمسة منهم على رأسهم زعيمهم شكري مصطفى, فان الجماعة اتخذت طابع السريّة الشديد في تحركاتها ونشر أفكارها, حيث كانت أفكار شكري مصطفى يتم تبادلها وتهريبها على شكل كراسات مكتوبة باليد, واستمرت شبه محتكرة للأفكار التكفيرية لسنوات قبل ظهور جماعة الجهاد, ونجحت فى التواجد في عدد من الدول العربية كاليمن ولبنان والجزائر والمغرب, فان المتمعن في أفكار جهيمان وجماعته يلاحظ بدون عناء الشبه الشديد بين تلك الأفكار وأدبيات التكفير والهجرة, من تكفير للحكام, والمجتمعات, ودعوة للاعتزال, والاحتكام إلى ما يسمى بأحاديث آخر الزمان وغيرها من الأفكار.

الاقتحام والمواجهة

استفاد جهيمان من عمله الطويل بالحرس الوطني السعودي في تجنيد العشرات من جنود الحرس في صفوف جماعته, واستطاع من خلالهم الحصول على الأسلحة بكميات وفيرة, وكان قد خطط جيدا للهجوم على الحرم المكّي, فرصد المداخل والمخارج بدقة, ورسم خريطة مفصّلة للسراديب والأقبية تحت المبنى( قامت الحكومة السعودية بإزالتها فيما بعد), واختار توقيتا محددا هو مطلع القرن الهجري.

وما أن فرغت الصلاة حتى أغلق أبواب الحرم على من فيه, و شرع في توزيع الأسلحة على أنصاره, وطلب منهم التمركز على أسوار الحرم ومآذنه, وفتح السراديب استعدادا لمواجهة طويلة, ثم اتجه إلى حجر الكعبة المشرفة طالبا البيعة لصهره المهدي المنتظر محمد بن عبد الله القحطانى, وأخذ يذيع خطبه من ميكروفونات الحرم ليسمعها من في داخله وخارجه محرّضا على آل سعود, معددا ممارساتهم الخارجة على الإسلام, داعيا إلى خلع بيعتهم بأسلوب تحريضي, مما أكسبه إعجاب كثير من المصلين وانضمام بعضهم إليه.

أخذ النظام السعودي على غرّة, وارتبكت قياداته, ولكن سرعان ما بدأت في التماسك, وشرعت الأجهزة الأمنية فى تجميع قواتها وضرب كردون على الحرم من الخارج, وتم قطع الكهرباء عن الحرم واستخدام اجهزة الصوت المحمولة فى دعوة المهاجمين للاستسلام, وبدأت عملية تفاوض شاقة قادها مجموعة من العلماء السعوديين استمرت لمدة ثلاثة أيام تمخض عنها قيام المجموعة المهاجمة بالإفراج عن النساء والأطفال مقابل تزويدهم بالأطعمة وإعادة الكهرباء.

استخدمت السلطات السعودية جميع أنواع الأسلحة فى هجومها المضاد لاستعادة الحرم, والقبض على المهاجمين وفرض الأمن, بما في ذلك الدبابات, التي أدت إلى تضرر بعض منائر الحرم بالقصف, وقد يذكرنا ماحدث بضرب الكعبة بالمنجنيق إبان ثورة عبد الله بن الزبير.

قاوم جهيمان وجماعته مقاومة عنيفة, ملحقين إصابات بالغة بقوات النظام التي سقط منها عشرات القتلى, ومئات الجرحى, وبعد أن انجلى الموقف, أسقط في يد النظام السعودي, فلم تكن له وسيلة, إلا هدم الحرم على رؤوس المهاجمين, وقتل آلاف الرهائن, فقد كان الوقت يمر, والمأساة تتسع.

قيل وقتها أن أحد أمراء الأسرة الحاكمة, كان قد حضر في فرنسا عرضا لقوات مكافحة الشغب, وأعجب به قد اقترح استخدام الخبرة الفرنسية لإنهاء المشكلة, فتم الاتصال بالحكومة الفرنسية على عجل, فاستجابت الحكومة الفرنسية, وأمر وزير الدفاع الفرنسي بإرسال الكابتن “باريل” مع مجموعة فرنسية من قوات التدخل السريع إلى السعودية, ووجد باريل ارتباكا شديدا من القوات السعودية وعلى رأسها جنرال سعودي يدعى”عثمان”, فأعاد تنظيمها وتدريبها, وقسمها إلى مجموعات صغيرة, مزودة بقنابل دخانية وصواعق لاقتحام الأبواب, وأعاد تحليل المعلومات التي تم الحصول عليها من المفرج عنهم, ورسم خريطة بتوزيع مجموعة جهيمان داخل الحرم, ووضع السراديب والأقبية, وأعطى الأمر بالهجوم والزحف على الحرم.

سبق الهجوم إطلاق كثيف ودقيق للنيران, ليكون من أوائل القتلى”محمد بن عبد الله القحطانى” مما أضعف معنويات المتمردين,وسبب انهيارا سريعا في صفوفهم, ولكن المقاومة استمرت لتستغرق العملية بكاملها خمسة عشرة يوما حتى تم تطهير الحرم واسر من تبقى من الثوار.

كانت الحصيلة النهائية للعملية باعتراف النظام السعودي 318 قتيلا و560 مصابا وبعد محاكمة سريعة, قضت المحكمة بإعدام 61 متهما, تم تقسيمهم إلى 4 مجموعات وتوزيعهم على مدن مختلفة ليتم قطع رقابهم بالسيف يوم 9 يناير عام 1980 عشية زيارة السادات للقدس.

كانت تجربة قاسية لنظام آل سعود, أن يخرج عليهم علنا كل هذا العدد من الشباب الذين تربوا في أحضان الفكر الوهابي, وأن يتم هذا جهرا وعلى الملأ, وباستخدام مكبرات الصوت التي نقلت عنها وكالات الأنباء ما قيل في حق النظام, ثم استمرار إغلاق الحرم المكي لأكثر من أسبوعين من القتال, وعدة أسابيع بعدها للتطهير والترميم.

المذهب الوهابي لا شك أن أفكار الشيخ “محمد بن عبد الوهاب” تعد التربة الخصبة لنمو الأفكار الجهادية والتكفيرية, فالرجل يتبنى العقيدة السلفية والمذهب الحنبلي,ويعتبر نفسه امتدادا لأفكار ابن تيمية المتطرفة, ويدعو إلى عدم التوسل بالأنبياء والأولياء, وله موقف حاد من الأضرحة بما فيها قبر رسول الله, ويدعو إلى نشر دعوته باللسان والسيف معا, وله موقف متشدد من كل نظام عصري باعتباره نوعا من البدع, فلم يكن مستغربا أن تنشأ من أحضان هذا الفكرالبدوى المتطرف جماعة كتلك الجماعة, أو أن ينتج إرهابيا كأسامة بن لادن, والخمسة عشر انتحاريا الذين فجروا برجي التجارة.

الرسائل التي ألفها جهيمان العتيبى

– رسالة البيعة والإمارة والطاعة
– البيان والتفصيل في وجوب معرفة الدليل.
– الميزان في حياة الإنسان.
– رفع الالتباس عن ما جعله الله إماما للناس.
– الفتن وأخبار المهدي ونزول عيسى وأشراط الساعة.
– أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله.

الجماعات السلفية الجهادية …وفقه التكفير(4)

سبق إعلان جماعة الجهاد المصرية عن المراجعات للأفكار التي سبق تبنيها, في وثيقة(ترشيد العمل الجهادى فى مصر والعالم) التى كتبها فقيه هذه الجماعة وهو الدكتور سيد امام عبد العزيز الشريف والذى اتخذ اسماءا حركية اهمها عبد القادر عبد العزيز وأشهرها الدكتور فضل, سبق ذلك بأكثر من عشر سنوات اطلاق مبادرة وقف العنف التي أعلنتها الجماعة الإسلامية فى الخامس من يوليو 1997كبيان مكتوب تلاه أحد المتهمين وهو “محمد عبد العليم” في قاعة المحكمة العسكرية أثناء احدى جلسات المحاكمة,وكان قد سبق ذلك بيان أيضا من أحد المتهمين فى المحكمة هو”خالد إبراهيم” أمير الجماعة في أسوان في مارس 1995 بنبذ العنف مشروطا ولكن لم يلتفت اليه فى حينه.

والدكتور سيد امام الشريف من مواليد مدينة بنى سويف عام 1950 وقد تخرج من كلية الطب جامعة القاهرة عام 1974 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى وتخصص فى الجراحة العامة وأسس مع الدكتور أيمن الظواهرى أول خلية جهادية بالمعادى عام 1968, وهو اول من تولى امارة تنظيم الجهاد فى عام1987 وحتى عام1993 حيث ترك العمل التنظيمى وتفرغ للعمل الفقهى والمهنى وسنأتى على ذكر ذلك. وعودة إلى مبادرة ومراجعات الجماعة الإسلامية حتى لا نفقد التسلسل الزمني فإنها بدأت كإرهاصة أو ربما كبالون اختباربعد سلسلة من

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.