مسؤولية المواطن في تفعيل الرؤية الملكية للتدبير بالنتائج

  • الكاتب : محمد براو
  • بتاريخ : 13 أكتوبر، 2025 - 18:24
  • الزيارات : 150
  •  ريحانة برس

    باحث وخبير دولي في الحكامة ومكافحة الفساد
    منذ سنوات، ما فتئت الخطب الملكية تُؤكد على الحاجة إلى إعادة صياغة العلاقة بين المواطن والمؤسسات على أسس جديدة، قوامها النجاعة، الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة. وتأتي دعوة جلالة الملك محمد السادس الأخيرة إلى تبني منطق التدبير بالنتائج لتُعزز هذا التوجه، مؤكدة أن زمن السياسات القائمة على الكمّ والشكليات قد ولّى، وأن المرحلة المقبلة تقتضي التركيز على الأثر الملموس في حياة المواطن.

    غير أن هذه الرؤية، رغم وضوحها من حيث المبادئ، تطرح في عمقها تحدي التنزيل الواقعي، الذي لا يقتصر على المؤسسات الحكومية أو الفاعلين العموميين، بل يشمل المواطن نفسه بوصفه عنصرًا مركزيًا في تفعيل أي تحول في الحكامة العمومية.

    الرؤية الملكية: نحو تدبير يقاس بالأثر
    يُفهم من مضامين الخطاب الملكي أن نجاح السياسات العمومية لم يعد يقاس بعدد البرامج والمشاريع أو حجم الميزانيات، بل بما تُحدثه هذه البرامج والمشاريع من تحسين فعلي في المؤشرات الاجتماعية، خاصة في قطاعات التعليم، الصحة، والتشغيل.

    في هذا الإطار، لا تكفي الإنجازات الشكلية أو التصريحات العامة، بل يُفترض أن تُقاس النتائج بناءً على معايير دقيقة، وأن تُعرض أمام المواطن بطريقة شفافة، بما يُعزز ثقته في مؤسساته، ويُمكنه من فهم جدوى السياسات العمومية.

    المواطن بين موقع المتلقي ودور الفاعل
    لطالما تم التعامل مع المواطن في الخطاب العمومي كمُتلقٍّ للسياسات، لكن الرؤية الحالية، كما تُعبر عنها الخطب الملكية، تُعيد النظر في هذا التصور، لتمنح المواطن دورًا مركزيًا، ليس فقط في الاستفادة، بل أيضًا في المراقبة، التتبع، والتقييم.

    هذا التحول يضع المواطن أمام مسؤولية جديدة تتجاوز رد الفعل أو الانتقاد العام، نحو:
    • الاهتمام بالمضامين الحقيقية للبرامج والمشاريع العمومية،
    • تتبع المؤشرات المرتبطة بالخدمات العمومية،
    • التفاعل الواعي مع مختلف القنوات المؤسساتية المتاحة.
    الانتخابات كنموذج من نماذج التفعيل
    تُعد الانتخابات، سواء على المستوى الوطني أو الترابي، إحدى الوسائل المؤسسية التي تتيح للمواطن التفاعل مع السياسات العمومية، ومراقبة آليات تدبيرها.

    لكنها ليست الوسيلة الوحيدة، بل تمثل نموذجًا من بين عدة محطات ممكنة، مثل:
    • المشاركة في برامج التقييم العمومي،
    • الانخراط في هيئات التشاور العمومي،
    • تتبع مخرجات البرامج القطاعية محليًا.
    في هذا السياق، يُمكن النظر إلى الانتخابات كآلية يُعبّر من خلالها المواطن عن تقييمه للمردودية، بناءً على ما تحقق، لا على ما وُعد به فقط.

    غير أن هذا التفاعل لا يمكن أن يكون فعالًا إلا حين يكون المواطن على دراية بمفاهيم التدبير بالنتائج، ويمتلك أدوات تحليل السياسات والبرامج والمشاريع العمومية، وهو ما يُعيد طرح إشكالية الثقافة المواطنية كمدخل أساسي لتفعيل الرؤية الملكية.
    أدوات متعددة لتنزيل الرؤية الملكية
    لا تقف مسؤولية المواطن عند محطة الاقتراع، بل تمتد إلى أشكال أخرى من المساهمة الهادئة والمنتظمة في الشأن العام، مثل:
    • متابعة أداء المؤسسات عبر تقارير الهيئات المختصة،
    • استخدام القنوات القانونية لطلب المعلومات أو تقديم الملاحظات،
    • دعم المبادرات المواطِنة ذات الطابع التقييمي أو التشاركي، ولو بالتنسيق مع جمعيات المجتمع المدني مثلا.

    وتُعد هذه الممارسات جزءًا من منطق “الديمقراطية التشاركية”، التي تُكمل الديمقراطية التمثيلية، وتوفر للمواطن فضاءات أخرى للانخراط، دون أن يكون ذلك بالضرورة في إطار سياسي.

    منطق النتائج… من الجميع وإلى الجميع
    إن الرؤية الملكية التي تقوم على ربط الأداء بالمحاسبة، ليست مجرد خيار إداري أو تقني، بل هي مشروع مجتمعي تتقاطع فيه أدوار المؤسسات الرسمية، مع مساهمة المجتمع المدني، ووعي المواطن.
    فالمطلوب، كما يبدو من التوجه العام، ليس فقط تحقيق نتائج، بل إشراك المواطن في فهم كيف ولماذا تحققت، وما الذي يمكن تحسينه مستقبلًا.

    بهذا المعنى، يُصبح المواطن ليس فقط مستفيدًا من النتائج، بل شريكًا في صياغة معاييرها، وفي تقييم مدى جودتها وملاءمتها للواقع.

    خلاصة
    تشكل الرؤية الملكية للتدبير بالنتائج فرصة لإرساء نمط جديد في علاقة الدولة بالمواطن، يقوم على الثقة المبنية على الشفافية، والمحاسبة المبنية على الأثر.
    وفي هذا الإطار، تُعد الانتخابات إحدى المحطات التي تسمح بتقاطع هذه الرؤية مع الممارسة المؤسساتية، لكنها تظل جزءًا من منظومة أوسع تشمل مختلف أدوات المشاركة والتتبع والمساءلة.

    المسؤولية هنا جماعية ومشتركة، تتوزع بين الإدارة الحكومية، والهيئات المنتخبة، والمجتمع المدني، والمواطن. ولكل طرف دور تكميلي، يُسهم في تحقيق الغاية الأساسية: سياسات عمومية فعالة، ملموسة، قابلة للتقييم، وموجهة نحو خدمة المواطن بوضوح وكفاءة.