فضيحة “طحن الورق مع الدقيق”: من قبة البرلمان إلى التحقيق القضائي.. قصة اختلالات دعم الدقيق المدعم في المغرب

  • الكاتب : عبد الوفي العلام
  • بتاريخ : 30 أكتوبر، 2025 - 16:12
  • الزيارات : 60
  • 10 / 100 SEO Score

    ريحانة برس

    ما بدأ كتصريح برلماني حادّ انفجر سريعاً إلى عاصفة سياسية وإعلامية وقضائية، حول اتهامات خطيرة بـ”طحن الورق مع الدقيق” في إطار استغلال دعم الدقيق المدعم الذي يُكلف خزينة الدولة أكثر من 16.8 مليار درهم سنوياً.

    القضية التي أشعلها النائب البرلماني “أحمد التويزي” ، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، تحولت من مجرد نقاش حول الفساد إلى تحقيق قضائي رسمي، مع توضيحات متتالية، وردود مهنية، ودعوات لإصلاح جذري في نظام الدعم.

    البداية، تصريح ناري في البرلمان

    في جلسة برلمانية يوم 28 أكتوبر 2025، ألقى التويزي قنبلة سياسية أمام النواب، متهماً شركات كبرى بـ “تقديم الأوراق المطحونة كقمح مدعم”، في إشارة إلى تلاعب محتمل في فواتير شراء القمح للاستفادة من الدعم الحكومي.

    هذا هو التصريح الذي بُث مباشرة “هناك من يطحن الورق مع الدقيق”

    هذا التصريح، أثار صدمة فورية. فقد أشار التويزي إلى أن بعض الشركات تستورد كميات أقل من القمح المعلن عنه، ثم “تزوّر الفواتير”  للحصول على دعم أكبر، مما يُكلف الدولة مليارات الدراهم دون أن يصل الدعم إلى المواطن.

    ردود الفعل، من الإنكار إلى التوضيح

    في غضون ساعات، انتشرت العبارة كالنار في الهشيم على وسائل التواصل، مع تفسيرات حرفية وكوميدية، مما دفع التويزي إلى توضيح فوري.

    في بيان رسمي، أكد التويزي أن عبارة “طحن الورق” كانت مجازية تماماً، وتعني، “التلاعب بالوثائق والفواتير، وليس خلط الورق فعلياً بالدقيق” على حد قوله.

    مضيفا أنه”من غير المنطقي اقتصادياً أن يُطحن الورق مع الدقيق، فالورق أغلى من الدقيق نفسه!” وداعيا إلى ” إصلاح جذري” لنظام الدعم، ومقترحاً تحويل الدعم إلى مساعدات نقدية مباشرة للفقراء عبر السجل الاجتماعي الموحد، وإنهاء دعم المطاحن الكبرى التي لا تحتاج إليه.

    ردود مهنيي المطاحن، “الادعاءات مبالغ فيها

    من جانبه، سارع الاتحاد الوطني للمطاحن الصناعية إلى نفي أي خلط حرفي، للورق بالدقيق مؤكدا أن المطاحن تخضع لمراقبة صارمة من “ONICL”  (المكتب الوطني للحبوب)، وأن كميات الدقيق المدعم تُحسب بدقة بناءً على الاستهلاك الوطني.

    نردين أن المبلغ المذكور (16.8 مليار درهم) يكفي لتغطية استهلاك المغاربة لسنة ونصف، ولا يمكن “سرقته” بهذه البساطة.

    وأضاف الاتحاد أنه يُرحب بأي تحقيق، لكن التشكيك العام يضر بقطاع حيوي يوظف آلاف العمال.

    التحقيق القضائي، خطوة رسمية

    في تطور دراماتيكي، أمر الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط اليوم 30 أكتوبر 2025 بفتح تحقيق قضائي أولي في الادعاءات، للتحقق من وجود أي تلاعب في الفواتير أو استغلال للدعم العمومي.

    وأكدت النيابة العامة هذا التحقيق سيشمل استدعاء التويزي لتقديم أي أدلة لديه تثبت هذه الادعاءات، وأن هذا التحق سيفترض براءة الجميع حتى إثبات العكس دون إغفال هدف حماية المال العام والأمن الغذائي لدى المغاربة.

    خلفية الدعم : لماذا 16.8 مليار درهم؟

    يذكر أن الدعم السنوي المخصص الدقيق هو   16.8 مليار درهم، الهدف منه هو ضمان سعر الخبز في 1.20 درهم للخبزة الواحدة.

    هذا الدعم يستفيد منه حوالي22 مليون مغربي عن طريق دعم المطاحن مقابل توريد دقيق بأسعار مخفضة حسب التصريحات الرسمية.

    الآراء السياسية وانقسام حاد

    لكن العديد من المتتبعين يرون أن النظام غير موجه، حيث يستفيد منه الأغنياء والفقراء على حد سواء، ويفتح الباب للتلاعب.

    فحزب البام عن طريق التويزي يطالب بإنهاء الدعم غير الموجه وتحويله نقدياً

    الحكومة لحد الساعة لم تصدر بياناً رسمياً، لكن مصادر تقول إنها “تتابع التحقيق” والمعارضة تدعو لتشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق.

    لكن يبدو ان الأمر تجاوز قضية الورق، فما بدأ كعبارة مجازية تحول إلى ملف قضائي وسياسي كبير، يكشف عن هشاشة نظام الدعم رغم أهميته الاجتماعية، وغياب الشفافية في إدارة المال العام.

    فهل التحقيق القضائي الذي امرت بفتحه النيابة العامة سيكون فرصة للكشف عن الحقيقة، أم مجرد عاصفة في فنجان سيمر دون محاسبة او مساءلة؟

    في انتظار نتائج التحقيق، تبقى الكرة في ملعب القضاء.