عصير بدرهم… حين يُباع الموت على رفوف المتاجر

  • الكاتب : سيداتي بيدا
  • بتاريخ : 30 أكتوبر، 2025 - 16:21
  • الزيارات : 34
  • 10 / 100 SEO Score

    ريحانة برس

    في مكناس، لم يكن الموت قادماً من زوايا القدر الغامضة، بل جاء مختبئاً في قنينة صغيرة ملونة، تُباع بثمن درهم واحد، تستدرج الأطفال بألوانها الزاهية كما يستدرج الصياد سمكته بالطُعم المسموم. طفل في السادسة من عمره ارتشف ما ظنه براءةً سائلة، فإذا به يتجرع سماً زُعافاً أنهى حياته في ساعات. مأساة تخلع القلب وتجلد الضمير، وتفضح واقعاً مسموماً لا يقل خطراً عن ذلك العصير القاتل نفسه.

    أي بلد هذا الذي تُباع فيه أرواح أبنائه بالدرهم؟ وأي ضمير رسمي يسمح بأن تُغرق الأسواق بمنتجات مجهولة المصدر، بلا رقيب ولا حسيب، تُروَّج في الأزقة وعلى أبواب المدارس وكأنها هدايا الفرح؟ أين هي أجهزة المراقبة؟ أين هي المختبرات واللجان التي تتفاخر بتقاريرها الورقية؟ لقد صار الإهمال مؤسساً، والعبث منظماً، حتى أصبح الغذاء قنبلة مؤجلة لا يعرف أحد متى تنفجر ولا في وجه من.

    المرصد المغربي لحماية المستهلك، وهو يطلق صرخته الغاضبة، لم يطلب المستحيل. كل ما دعا إليه هو فتح تحقيق عاجل، حقيقي، لا يُدفن في أدراج الإدارات كما دُفن من قبله عشرات الملفات. لكن الحقيقة المُرّة أن التحقيق وحده لا يكفي، لأن المشكلة ليست في حادث معزول، بل في منظومة رخوة تسمح بتسويق كل ما يُعبّأ ويُزيّن، ما دام ثمنه زهيداً وربحه سريعاً.

    يا من تتولون مسؤولية حماية المستهلك، تذكّروا أن الطفل الذي مات لم يكن رقماً في تقرير، بل روحاً بريئة دفعت ثمن صمتكم. تذكّروا أن درهماً واحداً كان كافياً ليفضح فساداً متجذراً في مسالك التصنيع والرقابة والتوزيع. فلتكن هذه الفاجعة حدّاً فاصلاً بين زمن التهاون وزمن المحاسبة.

    إن الوطن الذي لا يحمي أبناءه من كأسٍ مسمومة لا يستحق أن يرفع شعارات التنمية ولا أن يتباهى بجودة الصناعات. نحن لا نطالب بحملات موسمية، بل بثورة في ضمير الإدارة، تُعيد الاعتبار للرقابة وتمنح المواطن حقه في غذاء آمن.

    لقد مات طفل في مكناس، لكن موته لا يجب أن يمرّ كخبر عابر. بل كصفعة في وجه كل مسؤول نام على مكتبه بينما تُباع السموم في الأسواق. لأن الموت بدرهم واحد هو العار الذي لا يُغتفر.