سقوط الطبيب إلى مأزق الجريمة: انحراف مهني وأخلاقي يُجلد الضمير ويهتز له المجتمع

  • الكاتب : سيداتي بيدا
  • بتاريخ : 17 أكتوبر، 2025 - 13:05
  • الزيارات : 153
  • ريحانة برس

    في لحظة مأساوية تكشف هشاشة بعض الهياكل الصحية، وترسيخ ازدواجية مدمرة في معايير الأخلاق المهنية، أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بمدينة الجديدة حكمًا قضائيًا صارمًا بحق طبيب مدان بخمس سنوات سجناً نافذاً، بتهمة ارتكابه جريمة الإجهاض غير القانوني التي أفضت إلى وفاة فتاة حامل.

    ذلك الحكم لم يكن وليد صدفة أو عبث، بل كان تتويجًا لانحراف مفضوح وظاهرة مقلقة تجرّدت فيها الإنسانية، وخانت معايير الأمانة التي يُفترض بها حماية حياة الإنسان.

    هذه القضية لا تحصي فقط مأساة إنسانية، بل تُعَدُّ سقوطًا مدويًا في ساحة الأخلاقيات الطبية والمهنية، ووصمة عار على جسد مهنة مقدسة تُفترض أن تكفل السلم الصحي والنفسي للمجتمع. إنها جرس إنذار يدعو لإعادة النظر الفورية والحاسمة في آليات الضبط والمحاسبة، مع وضع حدّ لأي استقواء أو تساهل يطال ممن يعانق سلطة الحياة والموت.

    يأتي العنوان مدوياً في فصوله: القانون الجنائي المغربي، من المادة 449 حتى 458، لا يعرف الرحمة تجاه أي تهاون أو محاولة تبرير لانتهاك الحق في الحياة. الطبيب الذي وصف وسيلة محظورة للإجهاض، إدراكه الكامل لما تحمله هذه الوسيلة من مخاطر، يكشف عن قصد جنائي وليس عن خطأ طبي عفوي. هو فعل جنائي يعبر عن قصد مُسبق وإرادة حاسمة في التسبب بالأذى، مع تعمد واضح لاختراق النصوص القانونية.

    هذا الفعل لا يُدرج تحت بند الخطأ الطبي أو الاجتهاد المهني، بل يرتقي إلى مستوى جريمة كاملة الأركان، تتجلى فيها النية الإجرامية، واستخدام وسيلة محظورة، وعاقبة مأساوية تتمثل في فقدان حياة بريئة.

    الطب ليس مجرد مهنة تتقاضى مقابل خدمات، بل هو عهد مقدس على حماية الأرواح، والتمسك بأسمى القيم الإنسانية وأخلاقيات المهنة. لا مجال لأي تهاون، ولا مجال لأي تبرير لأي خروج عن هذا العهد.

    حين يَسقط الطبيب من مكانة منقذ الأرواح إلى خانقها، فإنه لا يفقد مهنته فحسب، بل يُهدر إنسانيته وينزل إلى مرتبة الجاني المارق.

    المجتمع اليوم، في مواجهة هذه الكارثة، لا يقبل المساومة على حقوقه وكرامته. فالخطأ قد يُصانحه، لكن الجريمة التي ينفذها من يحمل لواء الدفاع عن الأرواح لا يمكن أن تمرّ دون عقاب رادع. فقدان ضمير الطبيب معناه فقدان الثقة التي هي صلب العلاقة بين المريض والمهنة.

    الحكم القضائي الذي صدر ليس مجرد قرار عادي، بل إعلان واضح وصريح يشدد على سيادة القانون، ويلزم كل ممارس طبي بالالتزام الكامل بمسؤولياته المهنية والإنسانية. لا مكان لأحد فوق القانون، ولا يوجد استثناءات لمن يستغل منصبه في العبث بحياة الناس.

    لا مساومة مع الخونة الذين يعبثون بالأمانة المهنية، ولا تهاون مع من يصنع ذبحاً لحياة الأبرياء.

    هذه الواقعة المؤلمة يجب أن تكون نقطة تحول جذرية، للقطع مع أي تجاوز أو تهاون يُزعزع ثقة المجتمع في مؤسسات الرعاية الصحية. لا مزيد من التساهل، ولا معالجة بالأقنعة، بل محاسبة صارمة وشفافية تضرب بيد من حديد على كل من يُخالف قيم المهنة.

    الأمانة الطبية ركيزة أساسية يقوم عليها بناء مجتمع صحي وآمن. ومَن خانها فعليه أن يتحمل عواقب أفعاله بكل شجاعة وعدالة.

    آن الأوان لأن نكون صرحاء في مواجهة التجاوزات، وأن نجعل من القانون الدرع الحامي لكل روح. هذا هو زمن المحاسبة، وزمن العملية المستدامة التي تحفظ الحياة وتحصن القيم.