الداخلة تستغيث: عندما يُهدد العامل بالانتحار فوق رافعة… فمن ينقذ كرامة الإنسان؟

  • الكاتب : سيداتي بيدا
  • بتاريخ : 16 سبتمبر، 2025 - 11:31
  • ريحانة برس 

    في مشهد صادم ومؤلم، تحوّل ورش بناء المستشفى الجامعي بمدينة الداخلة، المفترض أن يكون رمزاً للتنمية والعدالة الصحية، إلى ساحة احتجاج قصوى، بعدما أقدم أحد العمال على تسلّق رافعة عملاقة مهدّداً بإلقاء نفسه في خطوة احتجاجية ضد ما وصفه بـ”قرار تعسفي بطرده من العمل”، لمجرّد كونه صحراوياً.

    هذا التصعيد الخطير لا يجب أن يُقرأ كحالة نفسية معزولة أو تصرّف فردي طائش. بل هو ناقوس خطر يدق بعنف في وجه المسؤولين عن المشروع والجهات الوصية، ليكشف عن خلل عميق في تدبير الموارد البشرية، واحتقار صارخ لكرامة العامل المغربي، خصوصاً في جهات الهامش التي ما زالت تعاني من سياسة الكيل بمكيالين.

    العامل الذي خاطَرَ بحياته وصعد إلى الرافعة، لم يفعل ذلك بحثاً عن شهرة، ولا رغبة في إثارة الفوضى، بل لأن كل أبواب التظلم أُغلقت في وجهه، ولأن المسؤولين عن المشروع، وفي مقدمتهم من يُلقّب بـ”الحاج”، اختاروا سياسة الصمت والطرد بدل الحوار والإنصاف. الأخطر من ذلك، أن العامل تحدّث عن “عملية تسريح ممنهجة تطال العمال الصحراويين دون غيرهم”، وهو اتهام بالغ الخطورة يستوجب فتح تحقيق عاجل وشفاف، لأن أي تمييز عنصري أو جهوي في مشاريع الدولة هو جريمة أخلاقية وقانونية يجب أن يُحاسب مرتكبوها.

    ما حدث اليوم في الداخلة لا يجب أن يمرّ مرور الكرام. فالصمت لم يعد مقبولاً، والتغاضي عن اختلالات مشاريع استراتيجية مثل المستشفى الجامعي هو تواطؤ صريح ضد العدالة الاجتماعية. أين وزارة الداخلية؟ أين وزارة الصحة؟ أين الجهات المشرفة على المشروع؟ هل سيكتفون بإرسال الأمن والدرك لإقناع العامل بالنزول، ثم نسيان القضية في الغد؟ أم أن هناك من سيملك الشجاعة السياسية لقول الحقيقة، ومحاسبة كل من سولت له نفسه استغلال السلطة على حساب كرامة العمال؟

    ما حدث هو انعكاس لفشل منظومة تدبيرية تفتقد للضمير، وتؤمن فقط بمنطق المقاولات والأرباح، لا بإنسانية العامل وحقوقه. أن يصل العامل المغربي إلى درجة تهديد حياته من أجل لقمة عيش، فذلك يعني أن هناك خللاً قاتلاً في منظومة القيم التي تحكم مشاريع التنمية في هذا البلد.

    الداخلية اليوم مطالَبة بتجاوز الحلول المؤقتة، وفتح تحقيق معمّق ومستقل في هذه الفضيحة، ومساءلة المسؤولين عن المشروع، وتوقيف كل أشكال التمييز أو الاستغلال أو التسريح التعسفي داخل الورش.

    المستشفى الجامعي بالداخلة يجب أن يُبنى بسواعد العمال لا على جراحهم