الأعراس الصحراوية بين عبق الأصالة ورياح الانحراف: “الگورديگنات”.. طعنة في قلب الهوية الحسانية

  • الكاتب : سيداتي بيدا
  • بتاريخ : 29 أكتوبر، 2025 - 18:26
  • الزيارات : 159
  • 10 / 100 SEO Score

    ريحانة برس 

    لم تكن الأعراس الصحراوية يومًا مجرد احتفالٍ عابرٍ بالزفاف، بل كانت مرآةً للكرامة الاجتماعية، وميدانًا تتجلى فيه أبهى صور التماسك العائلي والوفاء للتقاليد. كانت رمزًا للأصالة، ومناسبةً تُخلّد قيم الجمال والاتزان التي صاغها الأجداد بحكمةٍ وصبر.

    لكنّ ما نشهده اليوم من مظاهر غريبة عن روح المجتمع الحساني، يبعث على القلق، بل على الأسى العميق. فقد تسللت إلى أفراحنا فئة تُعرف بـ “الگورديگنات”؛ شبابٌ تخلّوا عن رجولتهم وتشبّهوا بالنساء في اللباس والحركات، وجعلوا من الأعراس ساحاتٍ للاستعراض والتميع، في مشهدٍ يسيء إلى الذوق العام ويمسّ جوهر القيم التي قامت عليها بيئتنا الصحراوية النبيلة.

    لقد تحوّل الفرح من لحظةِ سموٍّ اجتماعي إلى عرضٍ مبتذلٍ يخلط بين العبث والانحلال. وما يزيد الطين بِلّة أن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت من هذه المظاهر الساقطة “موضةً” تتناقلها الألسن والهواتف، حتى بات التقليد أعمى والتساهل خطيرًا.

    تُرفع شعارات براقة عن “الحرية” و”الانفتاح”، لكنها في حقيقتها حرية بلا مسؤولية، تُخفي وراءها فوضى قيمية تهدم أسس التربية والحياء.

    إنّ المجتمع الحساني لم يعرف يومًا الخنوع للتيارات الدخيلة، فقد حمى عاداته بقوةٍ نابعة من إيمانه وثقافته. غير أنّ الصمت أمام هذا الانحراف ليس تسامحًا، بل تواطؤًا غير معلن مع انهيار المنظومة الأخلاقية.

    إنّ الدفاع عن الهوية لا يعني رفض التطور، بل يعني توجيه التغيير نحو ما يليق بتاريخنا وكرامتنا، لا إلى ما يفرغنا من مضموننا القيمي.

    وعليه، فإنّ المسؤولية اليوم جماعية:

    على الأسرة أن تعود إلى دورها في التنشئة والمراقبة.

    وعلى الإعلام أن يكفّ عن تلميع هذه السلوكيات الممسوخة.

    وعلى الدولة ومؤسساتها الثقافية أن تضع حدًّا لكل ما يُسيء للذوق العام ويهدد سلامة المجتمع.

    إنّ من المؤلم أن يتحوّل الفرح إلى فضيحة، وأن يصبح العرس الذي كان مظهرًا للأنس والوقار منصةً للانفلات والاستعراض الرخيص.

    الحفاظ على قيمنا ليس ترفًا ولا حنينًا إلى الماضي، بل هو واجب وجودي. فحين نتهاون في صون تراثنا، نصحو ذات يوم لنجد أنفسنا غرباء في ثقافتنا، تائهين بين ما كنّا وما أصبحنا.

    الكرامة لا تُستعار، والهوية لا تُباع.

    فلنحرس ما تبقى من أصالتنا قبل أن يُمحى اسمنا من ذاكرة القيم.