إنهاء مهام خطيب جمعة مسجد الغفران… أسئلة الحرية والمسؤولية

  • الكاتب : ادريس السدراوي
  • بتاريخ : 8 سبتمبر، 2025 - 12:34
  • ريحانة برس 

    أثار قرار إنهاء مهام خطيب جمعة مسجد الغفران بالقنيطرة جدلاً واسعاً في الأوساط الدينية والفكرية، ليس فقط لأنه يلامس قضية تدبير الشأن الديني، بل لأنه يعكس في العمق العلاقة الملتبسة بين ما هو ديني وما هو سياسي، وبين ما هو فردي وما هو مؤسساتي.

    أولاً: سُنَّة الحياة… كما تدين تدان

    اللافت أن الخطيب نفسه سبق أن تولى مهمة الخطابة بمسجد عين السبع بالقنيطرة خلفاً للأستاذ إدريس بنزاكور الموقوف، والذي كان يحظى بشعبية واسعة بين المصلين. وهنا تبرز العبرة: كما تدين تدان، ما يفرض على الخطباء أن يتحلوا بروح التضامن فيما بينهم، وألا يغفلوا أن كل قرار تعسفي قد يطالهم هم أنفسهم يوماً ما.

    ثانياً: رسالة شكر في غير محلها

    المثير للجدل أن الخطيب وجّه رسالة شكر عقب قرار إنهاء مهامه. وهذا موقف يطرح أكثر من علامة استفهام، إذ من سمات الخطباء الحقّانيين الجهر بالحق، والوقوف ضد القرارات التي يعتبرونها غير صائبة. فالتصفيق لقرار إنهاء المهمة يضعف صورة المنبر، ويحوّل الخطيب من شاهد حق إلى موظف صامت.

    ثالثاً: الخلط بين الدعوي والسياسي

    لا يمكن تجاهل أن الخطيب المعني يُعتبر قيادياً في حركة “التوحيد والإصلاح”، الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية. وهو ما يفتح النقاش من جديد حول إقحام المنابر الدينية في الحسابات السياسية، واستغلال الدين لأغراض حزبية. وهذا الخلط يضر بالدعوة، ويحوّلها من خطاب للهداية والإصلاح إلى أداة للمنافسة السياسية.

    رابعاً: دور المسجد بين التوعية والنقاش

    نؤمن أن المساجد ليست مجرد أماكن لأداء الطقوس، بل فضاءات للتوعية والنقاش، وأن الإسلام في جوهره قادر على تقديم حلول عملية وعميقة للعديد من قضايا الشباب، من القيم إلى الأخلاق إلى مواجهة الانحرافات. غير أن هذه الرسالة السامية تضيع حين يتم اختزال الخطاب الديني في أجندات سياسية أو مواقف شخصية.

    خامساً: الحق يُقاس بالحق… لا بالأغلبية

    في هذا النقاش، من المهم التذكير بأن الحق لا يُقاس بعدد المؤيدين أو المعارضين، بل بصفاء المبدأ وعدالة الموقف. وانتقاد شخصية دينية ذات خلفية سياسية قد يجرّ على صاحبه هجوماً أعنف من انتقاد الدين ذاته، لكن ذلك لا يُسقط عن الناقد مسؤوليته في الجهر بالحق، ولو خالفه جمهور واسع.

    إنهاء مهام خطيب مسجد الغفران يكشف من جديد هشاشة العلاقة بين السياسي والدعوي في المغرب، ويدعو إلى إعادة التفكير في وظيفة المنبر الديني: هل هو أداة حزبية، أم وسيلة للتنوير والتربية المجتمعية؟ الجواب يظل مرهوناً بمدى استعدادنا للدفاع عن حرية الخطيب في إطار المسؤولية، وعن قدسية المنبر بعيداً عن التسييس، وعن الحق مهما كان الثمن.